مجتمع

من هو العالم المغربي الذي تعول عليه أمريكا لإيجاد دواء ضد كورونا؟ معلومة غريبة لكنها حقيقية

الرباط اليوم: متابعة

ولد منصف السلاوي، في مدينة أكادير سنة 1959 وترعرع في الدار البيضاء وهو يحمل بين جنبيه حلمه بأن يصبح طبيبا. وقاده هذا الطموح إلى مشوار مهني لامع كباحث في مختبرات إنتاج اللقاحات الأوربية والعالمية “غلاكسو سميث كلاين” المعروفة اختصار “جي إس كي”.

فبعد حصوله على شهادة البكالوريا في ثانوية محمد الخامس بالدار البيضاء، أراد أن يواصل دراسته في الطب في إحدى الكليات ببلجيكا، لكنه لم ينجح في ولوجها، ولا في أن يصبح طبيبا.

لكن، ولسخرية القدر، سيصبح منصف السلاوي أستاذا في نفس الكلية. وهكذا بعد حصوله على الإجازة في تخصص “البيولوجيا” حضر أطروحة الدكتوراه في بيولوجيا الخلايا والمناعة في الجامعة الحرة ببروكسيل في ظرف ثلاث سنوات.

وبعد حصوله على شهادة الدكتوراه قدم منصف السلاوي مع زوجته ترشيحا لتكوين ما بعد الدكتوراه في جامعة هارفارد الأمريكية. وقضى هناك ثلاث سنوات في بوسطن ما بين 1983 و1985.

لم تنته علاقته ببلجيكا، إذ سيغادر الولايات المتحدة بعد نهاية تكوينه إثر تلقي زوجته عرضا من مختبر “سميث كلاين” الذي يمثل الشركة المتخصصة في إنتاج اللقاحات، والمعروفة بـ”جي إس كي”. واقترحت عليه الشركة العودة إلى بلجيكا للعمل على مشروع لقاح ضد داء فقدان المناعة المكتسبة (السيدا).

وإلى اليوم لم ير هذا اللقاح النور، بالنظر إلى القدرة الهائلة للفيروس على التكيف والتغير. ولكن منصف السلاوي يحمل في قرارة نفسه ثقة غامرة بأن المشروع يسير في الطريق الصحيح. فقد أكد غير ما مرة أن الأبحاث تسير على ما يرام لإيجاد مقاربة علاجية يمكن أن تحمي الكائن البشري من فيروس السيدا واكتشاف مضاد له.

كان السلاوي يسعى باستمرار نحو الارتقاء في مساره العلمي الدقيق. ولهذا لم يتأخر كثيرا في عمله مع شركة “جي إس كي” حتى اقترح عليه الرئيس المدير العام منصب مستشار علمي في تخصص المناعة الذي شغله على مدى ثلاث سنوات. كان هذا مدخله إلى عالم اللقاحات، وهو الذي يؤمن إيمانا راسخا بأهميتها ودورها في إنقاذ ملايين الأرواح.

بالنسبة إلى السلاوي لا يمكن أن يعمل في مجال ما إلا من أجل خدمة الإنسانية، ولهذا كان أول مشاريع اللقاحات التي نجح في إنجازها مع المختبر هو لقاح الملاريا الذي أنتجه عام 2015.

لقد شارك السلاوي على مدى 15 عاما، أي ما بين 1988 و2003، في كل مشاريع اللقاحات التي أنتجتها الشركة، كلقاح “روتافيروس” ولقاح سرطان القولون، ولقاح المكورات الرئوية، وهي اللقاحات التي تمت المصادقة عليها في أوربا لكنها لم تحظ بالمصادقة في الولايات المتحدة.

ولهذا لم يكن لهذه الشركة وجود في الولايات المتحدة الأمريكية، ولتجاوز هذا المشكل فتحت مركزا للأبحاث في روكفيل بالولايات المتحدة تحت اسم الباحث المغربي “مركز السلاوي لأبحاث اللقاحات”. ويتجاوز عدد الباحثين العاملين في هذا المركز 400 باحث يسعون إلى تطوير لقاحات يمكن أن تحظى بموافقة دائرة الصحة والأغذية.

لكن هذه الخطوة سبقتها خطوة أخرى عندما التحق رسميا بالمركز العالمي لمختبرات “جي إس كي” الذي يوجد في فيلادلفيا، عام 2003. وكانت هذه الخطوة محطة تحضيرية لتكليفه بأن يكون رئيسا لتنمية الأبحاث في الشركة ذاتها، في 2006.

كانت مهمة السلاوي تتمثل في تنشيط المختبر الذي تراجعت إنتاجيته كثيرا. فخلال عقد كامل من الزمن لم تتم المصادقة سوى على دواء واحد أنتجته المختبرات المذكورة من طرف الوكالة الأمريكية للأدوية والأغذية.

وحصل الباحث المغربي على رئاسة قسم اللقاحات في 2014. لكن من أجل تنشيط الإنتاجية بدأ العمل منذ 2008 بشكل مكثف، ومنذ 2011 إلى 2017 استطاع السلاوي أن يحقق للمختبر المصادقة على 24 دواء جديدا مع تقليص النفقات والاستثمارات بنسبة 30 في المائة.

لم يتوقف طموح الدكتور منصف السلاوي عند هذه الإنجازات، فقد عمل على توجيه المختبر نحو الاهتمام بالطب البيو إلكتروني. إنه نوع من الطب يعتمد على زرع رقاقات دقيقة في أعصاب عضو من أعضاء الجسم الذي يعاني من مرض مزمن.

وبعد تجارب أجريت على الحيوانات سنة 2012 استطاع فريق الأبحاث الذي يقوده السلاوي ملاحظة علاج 14 مرضا مزمنا، بدءا بالسكري وصولا إلى الربو. كما بدأت التجارب السريرية لهذه الرقاقات في 2018. لتطوير هذه الأبحاث حيث تم استثمار 750 مليون دولار لإنشاء شركة لإنتاج هذه الرقاقات.

وتعتبر فكرة هذا النوع من الطب ثورية بكل المقاييس. يشرح السلاوي هذا المبدأ الطبي الجديد بأن المريض سيذهب عند الطبيب وسيتم زرع رقاقة دقيقة بحجم حبة أرز بمساعدة جهاز روبو في العصب المريض.

وبعد جيلين من هذا العلاج يأمل الباحث أن ينسى المريض ضرورة أخذ الحبوب الخاصة بهذا المرض. وبعد تقاعده، سعى منصف السلاوي، مخترع لقاح فيروس “إيبولا”، للالتحاق بالمجالس الإدارية لعدد من الشركات المنخرطة في مشاريع ثورية في مجال البيو إلكترونيك.

ورغم حصوله على تقاعده الرسمي في شركة “جي إس كي” واحتفاظه بالرئاسة الشرفية لشركة “غالفاني” إلا أن منصف السلاوي لا يزال باحثا نشيطا وطموحا.

وقبل أيام، فتحت أمامه أزمة تفشي فيروس كورونا في العالم وفي الولايات المتحدة فرصة علمية كبيرة، عندما عينه الرئيس دونالد ترامب ضمن أعضاء اللجنة العلمية المكونة من كبار العلماء والخبراء في مجال صناعة اللقاحات المضادة للفيروسات، التي تعكف على البحث عن إيجاد لقاح مضاد لفيروس كوفيد 19، مؤكدا أن اللجنة اقتربت بشكل كبير من الهدف وأن التجارب السريرية ستتم في أقرب وقت ممكن.

لكن على الرغم من الارتباط بالمشروع الأمريكي، فإن منصف السلاوي لم ينس أبدا وطنه الأم. إنه يفكر باستمرار في المساهمة في مشاريع بحث علمية لصالح المغرب والمغاربة. فهو يأمل بأن ينخرط داخل المغرب في مشاريع يمكن أن تجعل من بلادنا رائدة ومتميزة في اختصاصات معينة. وهذا هو سبب التزام منصف السلاوي بزيارة الدار البيضاء بانتظام حيث يقدم محاضرات وندوات في الجامعات.

ويقترح في هذا الإطار تركيز المغرب على مشاريع خاصة يمكن أن تعطي للبلاد امتيازا تنافسيا خصوصا في الأمراض التي تعرف انتشارا كبيرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى