مجتمع

العالم يستعد لمواجهة فيروس أخطر من كورونا!! إنه الجوع

الرباط اليوم: متابعة

ربما لم تنته بعد متاعب العالم، ومتاعبنا أيضا في المغرب. ولربما لم تبدأ المتاعب الحقيقية بعد، على الرغم مما تسببت فيه جائحة كورونا لحد الساعة من وفيات وإصابات بالآلاف عبر مختلف أرجاء العالم.

فالخبراء يعتقدون أن تداعيات الجائحة ستكون ربما أفدح منها اقتصاديا واجتماعيا ولربما سياسيا. فالحروب لها تداعيات كثيرة، وربما تكون تداعياتها أكبر من الفعل الحربي بحد ذاته، ولتكسب الحرب ليس عليك بالضرورة أن تكسب كل المعارك، المهم أن تضع التكتيكات التي تقودك إلى النصر الاستراتيجي.

فربح معركة فيروس “كورونا” قد لا يقتصر فقط على إعداد اللقاحات والأدوية والأطقم الطبية الكافية، وتجهيز المستشفيات بالأسرة وأجهزة التنفس الاصطناعي، وإنما قد تتطلب الحرب الطويلة التي يدخلها العالم نفسا طويلا أيضا واستعدادات شاملة.

فواقع التشتّت الذي حدث في الغرب وفي أوربا على الخصوص اليوم أقرب إلى ما كتبه Will Morrisey في كتابه “تشرشل وديغول: جيوسياسة الحرية”.

من هنا وبعد الخوض في غمار حرب الكورونا، بدأ الغرب يتأهّب لمُحاربة الفيروس التالي! بعد أن أدّت الحرب المُعلنَة على فيروس الكورونا إلى تقطيع أوصال الدول في ما بينها والعزلة الذاتية، وكذلك فعلت بداخلها حيت فُرض الحجر الصحي على الولايات والمقاطعات والمحافظات.

وبدأت الولايات المتحدة تفصل بعض الولايات عن محيطها، وأقفلت دول الاتحاد الأوروبي الحدود في ما بينها وتناست أنها ضمن اتحاد واحد، بل بدت تلك الدول كمجموعة من العصابات يتربّص بعضها بالآخر، وما منع تصدير اللوازم الطبية إلى إيطاليا وإسبانيا سوى مؤشّر واضح على ذلك، عدا عن الأخبار المُتداولة عن اختفاء بعض المساعدات وضياعها بين حدود تلك الدول.

هذه القرصنة واللصوصية والفوضى ظهرت بشكلٍ أوضح في الولايات المتحدة الأميركية، حيث صرَّح الرئيس الأميركي بتاريخ 29 مارس 2020 عن احتمال قيام موظفي المستشفيات في نيويورك بسرقة الأقنعة والمستلزمات الطبية من مخازن وعيادات تلك المستشفيات، ناهيك عن القمع والإرهاب اللذين تتعرّض لهما الأطقم الطبية فيها “هذا البلد الذي يتبجّح بالديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان” حيث يُعاقب الأطباء والممرضون بالطرد من وظائفهم في حال تحدّثوا للصحافة عن الواقع الصحي داخل مناطقهم كما ذكر موقع Bloomberg بتاريخ 31 مارس 2020.

لكن الفيروس الذي نتحدث عنه اليوم أخطر بكثير من القمع أو فيروس كورونا نفسه، إنه فيروس بدأ يدقّ أبواب دول العام، إنه الجوع أو المجاعة!!! كيف ذلك؟

الجوع يدق أبواب واشنطن

ربما يكون هذا الأمر مُستغرباً في الدول الغربية التي تولي القطاع الزراعي اهتماما بالغاً، لكن واقع الأمور يتّجه إلى هذا النحو. فقد قالت صحيفة واشنطن بوست بتاريخ 20 مارس 2020 “إذا لم يقتلنا الكورونا فإن المجاعة سوف تفعل”، وذلك بعد النقص الحاد في المواد الغذائية في الأسواق، بل إن فقدان الوظائف بسبب الكورونا أدّى إلى سعي العديد من العمال للحصول على إعانات خيرية وبطالة لأول مرة في حياتهم، كما صرّحت صحيفة نيويورك تايمز.

هذه البداية، فكيف إذا وصل عدد العاطلين من العمل بسبب هذه الأزمة إلى 40 مليوناً كما توقّعت واشنطن بوست بتاريخ 30 مارس 2020، وهذا بدوره يؤدّي إلى الكساد العظيم في الولايات المتحدة كما عبّر Stephen Lendman في مقالة على موقع Global Research يشرح سبب هذه الأزمة في الولايات المتحدة الأميركية.

أما الدكتور Shub Debgupta وهو اقتصادي مُتخصّص في الغذاء ومؤسّس شركة تتنبّأ بمخاطر سلسلة توريد الغذاء فيقول: بهذه الطرق وغيرها من الطرق الصغيرة، بدأ فيروس كورونا يؤثّر على سلاسل الإمداد الغذائي في البلاد، ما يزيد من احتمالية أنه مع انتشار الفيروس، سيصبح من الصعب إدخال هذا الغذاء إلى المتاجر من المُنتجين الأميركيين والمُنتجين في الخارج.

كذلك فإن شركة الاستشارات “Fitch solutions” تقول إنها ترى مخاطر على جميع مستويات سلسلة التوريد، من الإنتاج إلى التسويق، وهذا ما سوف يؤدّي إلى تسارُع تضخّم أسعار الغذاء عالمياً، ما يؤدّي إلى انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، فكيف الحال بالعاطلين عن العمل.

هذا ما أكّدت عليه أيضاً منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” بأن هناك خطراً على الإمدادات العالمية للغذاء، وهذه كازاخستان وهي من أهم مُصدّري القمح في العالم، أوقفت إمدادات القمح إلى كافة الدول، وكذلك فعلت فيتنام والتي تعتبر ثالث أكبر مورد للأرز في العالم، وهذا يؤدّي إلى الحمائية الغذائية لدى باقي الدول.

وعلى الرغم من أن كاليفورنيا تؤمِّن قرابة ثلثي احتياجات الولايات المتحدة من الغذاء، إلا أن إقفال الولايات واحتمالية إصابة المزارعين بكورونا يهدّد بتوقّف الإنتاج فيها والتصدير منها.

في بريطانيا يصطفون للحصول على وجبة

عندما تقرأ إفتتاحية صحيفة الأندبندنت البريطانية بتاريخ 29 مارس 2020، التي عنوَنت “إنضمّ إلينا في دعم الفقراء”، تظن أن هذا العنوان من صحيفة يمنية أو صومالية أو في غزَّة، لا، بل كان هذا في بريطانيا، حيث بدأت أعداد الفقراء والمُحتاجين بالتزايُد بشكلٍ كبيرٍ حيث يصطّف المواطنون في لندن للحصول على وجبة غذاء، لأنهم لا يستطيعون شراء الطعام بعد أن فقدوا أعمالهم، لأن عدد المُصابين بكورونا أكثر بكثير مما تصرّح عنه الحكومة البريطانية كما تشير صحيفة التلغراف.

“الناس جائعون”، عنوان كتبته صحيفة ريبيبليكا الإيطالية نقلاً عما قاله البابا فرنسيس في القدّاس الذي أقيم في كنيسة سانتا مارتا بتاريخ 28 مارس 2020، وذلك لأن أغلب العمال فقدوا أعمالهم في إيطاليا بسبب الكورونا، وطُرُق إمداد الغذاء بين الخارج والداخل أصبحت مقطوعة، كذلك بالنسبة إلى مدن الداخل بين بعضها البعض.

لذلك اعتبرت فرنسا أن تأمين الغذاء وسط هذه الأزمة يعتبر أولوية مطلقة، فاستثنت النشاط الزراعي من القيود والإقفال الذي عمّ البلاد بعد الكورونا كما قالت صحيفة لا تريبون الفرنسية بتاريخ 18 مارس، وفي بلجيكا ذكرت الصحف أن الخضروات أصبحت أكثر ندرة وأغلى ثمناً عمّا كانت عليه قبل كورونا ومن الصعوبة الحصول عليها.

كل هذا الهلع سببه الواقع الأليم للغرب، والمُتمثّل بالأنانية، والمصالح الخاصة، وخذلان بعضهم البعض أثناء هذه الأزمة العالمية، وهذا ما لم يحصل بين الصين وروسيا وإيران، بل على العكس من ذلك مدّوا يد العون لبعضهم البعض، ووقفوا إلى جانب بعضهم البعض وكانوا أصدقاء حقيقيين كما عبّرت Natalia Portyakova في صحيفة إزفيسيتا الروسية.

ناهيك عن أن روسيا والصين من أولى الدول المنتجة والمصدّرة للغذاء في العالم، كما أن إيران لديها اكتفاء ذاتي حقّقته بسبب العقوبات المفروضة عليها من الغرب. لقد اتُهمت الصين وروسيا باستغلال الأقنعة الطبية في مآرب جيوسياسية، فكيف سيكون الحال لو وصل الأمر إلى الغذاء، عندها سنرى خريطة سياسية جديدة في العالم محورها الشرق.

أزمة الحبوب في المغرب

لكننا هنا في المغرب نجلس على حافة الاتحاد الأوربي أكبر مستورد للخضر والفواكه في العالم. وإذا كانت الحكومة المغربية تؤكد باستمرار على أن المخزون الغذائي كافي لتغطية الاحتياجات على مدى الأشهر الأربعة المقبلة، فإن مخاطر نقص التموين ليست بعيدة عنا كل البعد.

فأسطورة الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي انهارت منذ زمن عندما عجز المغرب عن زراعة احتياجاته الكاملة من الحبوب، وإنتاج ما يكفيه من المواد الأساسية وعلى رأسها السكر والزيت. ومن المرتقب أن تعرف هذه المواد الحيوية في المائدة المغربية أزمة بسبب تراجع الإمدادات على مستوى الأسواق الدولية.

ولا يستبعد خبراء اقتصاديون دوليون أن يتراجع الإمداد الغذائي عبر العالم بسبب حرص الدول المنتجة للحبوب مثلا على توفير ما يكفي لشعوبها أولا، وقبل كل شيء.

هذا يعني أن استيراد الحاجيات الكافية من الحبوب قد يشوبه بعض المشاكل ناهيك عن ارتفاع الأسعار مما سيؤدي حتما إلى التأثير في السلة الغذائية للمواطن المغربي والتي تعتمد أساسا على رغيف الخبز. وفي طيات هذه الأزمة التي قد نعيشها على مستوى إمدادات الحبوب، خصوصا في ظل موسم فلاحي جاف، سينخفض فيه الإنتاج المحلي إلى أدنى مستوياته، تبرز فرصة هائلة للموردين الزراعيين المغاربة الذين ينتجون الخضر والفواكه على الخصوص، بعد أن أغلقت الحدود بين البلدان الأوربية وبين بقية العالم.

فالطلبات الإسبانية والفرنسية والإيطالية على المواد الزراعية ستتزايد في الأسابيع القليلة المقبلة، خصوصا في حال ما إذا تم الإعلان عن نهاية الحجر الصحي، وتدفق المستهلكين على الأسواق.

هذا يعني أن حركية التصدير قد تتزايد في سياق هذه الفرصة. لكنها بالمقابل قد تؤثر على إمدادات الأسواق المحلية. فهل ينضاف الجوع ونقص الغذاء إلى تهديدات فيروس كورونا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى