سياسة

حكومة العثماني المعدّلة تنتظرها ملفات حارقة

الرباط اليوم

يفترض في الحكومة الجديدة المعدلة تدبير الشأن العام قبل الانتخابات المقبلة، حيث ينتظر منها على مدى أقل من عامين، بعث الروح في أوصال الاقتصاد المحلي، الذي يعاني من نمو ضعف مزمن، ما ينعكس على التشغيل، خاصة في صفوف الشباب والخريجين.

ينتظر من تلك الحكومة أن تحمي القدرة الشرائية للأسر وتحرص على صحة المستهلكين، وتوضح الرؤية حول مستقبل قطاع العقار، وتبلور استراتيجية جديدة حول السياحة، غير أن الملف الذي ستختبر حوله نوايا تلك الحكومة سيهم الضريبة ومدى توفر إرادة حقيقية لتحقيق المساواة بين الملزمين، حسب قدراتهم.

نمو هش

لم تبعث المؤشرات المتعلقة بالنمو الاقتصادي برسائل مريحة للحكومة المعدلة، فقد صرح وزير الاقتصاد والمالية محمد بنشعبون، عند عرض مشروع قانون المالية أمام الحكومة، بأن النمو لن يتعدى 2,9 في المائة في العام الحالي، بينما يترقب المركز المغربي للظرفية بلوغ 2,6 في المائة وبنك المغرب تحقيق 2,7 في المائة.

ذلك معدل نمو ضعيف وهش، يراه المركز المغربي للظرفية، غير لائق ببلد مثل المغرب يسخر على خمسة عشرة عاما حوالي 30 في المائة من ناتجه الداخلي الخام للاستثمار، ما يفترض في تصور  الخبير الاقتصادي محمد الطهراوي، أن تحقق المملكة نموا يتراوح ما بين 5 و6 في المائة، بينما لم يتعد متوسط النمو في العشرية الأخيرة 3,5 في المائة، معتبرا أن تحقيق الإدماج السيوسيو اقتصادي يبقى رهينا بتعظيم الناتج الداخلي الخام.

بطالة متفشية

ينعكس معدل النمو الضعيف والهش على فرص العمل التي يخلقها الاقتصاد، رغم تأكيد بيانات المندوبية السامية للتخطيط على انخفاض معدل البطالة إلى 8,5 في المائة في الستة أشهر الأولى من العام الجاري مقابل 9,1 في المائة في الفترة نفسها من العام الماضي.

غير أن المركز المغربي للظرفية يؤكد على أنه يجب التوقف أكثر عند معدل البطالة في المدن الذي يصل على 12,4 في المائة، بينما تبلغ نسبة الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة، الذين يعانون من البطالة 22,3 في المائة، في الوقت نفسه، يصل معدل البطالة بين حاملي الشهادات إلى 15,1   في المائة.

ويتبين من تقرير المندوبية أن معدل البطالة، يرتفع إلى أعلى مستوياته بين صفوف حاملي شهادات التخصص المهني وخريجي الكليات، حيث يصل على التوالي إلى 26,1 و22,3 في المائة.

ويتصور المركز المغربي للظرفية أن البطالة التي تطاول مليون شخص بالمغرب لا تعكس حقيقة تلك الظاهرة، مادام التشغيل الناقص يستوعب حوالي مليون شخص، ما يعني أن البطالة تصيب مليوني شخص.

شكوى من الغلاء

تأتي الحكومة المعدلة في سياق متسم بنقاش حول معدل التضخم الذي وصل في النصف الأول من العام الجاري إلى 0,2 في المائة، مقابل 2,2 في المائة في العام الماضي، وهو معدل يصل في الاتحاد الأوروبي إلى 1 في المائة وما بين 4 و5 في المائة في البلدان الصاعدة.

غير أن المركز المغربي للظرفية يتساءل حول ما إذا كان مستوى التضخم المنخفض جدا، يعكس تصورات الأسر حول قدرتهم الشرائية، حيث يحيل على شكواها من تراجعها، التي تؤكدها عبر البحث حول مؤشر ثقة الأسر.

وتفيد نتائج  ذلك البحث التي نشرت في يوليوز الماضي أن 46,2 المائة من الأسر صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة، فيما اعتبرت 32,9 في المائة منها أنه ظل مستقرا و 20,8 في المائة أنه تحسن.

ولا تبدي الأسر تفاؤلا باحتمال تحسن وضعيها في المدى القصير، حيث أن 27,3 في المائة توقعت تدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا المقبلة،  بينما تترقب  40,6 استقراره، و32 في المائة ترجح تحسنه، حسب بحث المندوبية السامية للتخطيط.

مستهلك بدون حماية

لا تعاني الأسر فقط من الغلاء، بل تتعرض لأخطار تهدد صحتها، فقد كشف التقرير الذي صدر من المجلس الأعلى للحسابات، حول المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، عن الأخطار التي تهدد صحة المستهكلين بالمغرب، في ظل عدم احترام المعايير وضعف المراقبة.

ويعتبر بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة الوطنية لحقوق المستهلك، أن الحكومات المتوالية لم تسع إلى ترجمة فكرة وضع مدونة للمستهلك إلى واقع، وهو ما كان الملك محمد السادس قد طالب به في 2008.

وتتصور جمعيات حماية المستهلك أنه كان يفترض في الحكومة التوجه نحو حماية القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، التي تعتبر صمام الاستقرار في أي بلد، غير أن هذه الطبقة تركت كي تواجه الغلاء ومصاريف إضافية لا قبل لها بها، بل إنها تستهلك منتجات لا تحترم في أغلب المعايير الواجبة.

ويفترض في الحكومة، بعد المقاطعة، الحرص على بث نوع من الوضوح في السوق، حيث ترى جمعيات حماية المستهلك أن القطاع الفلاحي، مثلا، يستفيد من نوع من الدعم، الذي تخص به الدولة المنتجين، سواء عبر ما توفره من مخصصات مباشرة أو من النظام الجبائي الاستثنائي الذي يتمتع به المنتجون، إلا أنه رغم ذلك الدعم، فإن المستهلك يكون ضحية ارتفاع الأسعار.

 ركود العقار.. وغلاء

سيكون على نزهة بوشارب، الوزيرة الجديدة التي تولت أمر قطاع إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، الانكباب على قطاع العقار الذي دخل في حالة ركود مع حكومة عبد الإله بنكيران لم تخرجه منها النسخة الأولى من حكومة سعد الدين العثماني.

ويتصور الاقتصادي إدريس الفينا أن قطاع العقار دخل في حالة من الركود، من مسبباته ارتفاع مديونية المنعشين العقاريين، من جهة، وتحدي العرض السكني للقدرة الشرائية للأسر، في ظل ارتفاع الأسعار التي تتحدى مستوى إيرادات الأسر ومدخراتها.

ويتصور الفاعلون أن ارتفاع استهلاك الإسمنت في النصف الأول من العام الجاري بنسبة 2,2 في المائة، لا يؤشر على انتعاش قطاع العقار، على اعتبار  أن ذلك الارتفاع يعزى إلى البناء الذاتي والإصلاحات التي تقوم بها الأسر في شققها ومنازلها.

ويذهب الفينا إلى أن “وزارة الإسكان والتعمير وسياسة المدينة تعاني، منذ 2011، من ضعف الحكامة على مستواها، فلا تتوفر على أشخاص يمكنهم إنتاج أفكار كفيلة بإعادة بعث القطاع”.

ويشير إلى أن “العديد من الفاعلين في القطاع الخاص على مستوى العقار، ينتظرون من الحكومة اتخاذ المبادرة واقتراح ما يمكن أن ينعش القطاع”.

سياحة بدون رؤية

لن تبدأ، نادية فتاح العلوي، الوزيرة الجديدة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، من حيث انتهى سلفها، بل من حيث كان يفترض عليه أن يبدأ، حيث إن القطاع، كما يلاحظ أحد المراقبين، لا يتوفر على خارطة طريق يمكن أن تبث الروح فيه على بعد عامين من نهاية الرؤية التي استشرد بها منذ 2011.

ولم يبلور الوزير السابق، محمد ساجد، الاستراتيجية الجديدة التي وعد بها في 2018، كما لم تنظم المناظرة الوطنية للسياحة، حيث ظل الجميع في قاعة الانتظار ويترقب ما سيقرره، كي تتكرس أزمة الحكامة.

ولم يتجاوز ارتفاع عدد السياح الذي زاروا المغرب، منذ 2010، حوالي 2 في المائة، وهو معدل ضعيف مقارنة ببلدان أخرى، مثل البرتغال واليونان، التي يتجاوز فيها الارتفاع نسبة 10 في المائة، ولم يتعد عدد السياح الوافدين على المغرب، في العام الماضي، 12,2 مليون سائح، بعدما كان المغرب يراهن على 20 مليون سائح في أفق 2020.

ويفترض في الرؤية الجديدة أن توضح الرؤية حول المنتوج السياحي المغربي، والاستثمارات التي يتوجب إنجازها من قبل الدولة والقطاع الخاص، وتحديد دور النقل الجوي في مواكبة القطاع المتطلع إلى فتح أسواق جديدة، خاصة تلك التي تهم البلدان الصاعدة.

ويتصور مهنيون أن الرؤية الجديدة لا يجب أن تقتصر على السعي إلى جذب السياح الأجانب فقط، بل يفترض استحضار السياح المحليين، الذي أضحوا يقبلون على بلدان مثل تركيا وإسبانيا وبلدان أسيوي، في ظل عدم توفير عرض محلي يراعي انتظارات الطبقة المتوسطة.

إنصاف جبائي؟

وسيقع على عاتق الحكومة المعدلة الشروع في ترجمة الرؤية الجديدة، حول إصلاحات الجباية، بعد المناظرة الوطنية التي عقدت في ماي الماضي، حيث سيتجلى ما إذا كانت التوجه الجديد، سيفضي إلى ترسيخ مبدأ الإنصاف الجبائي.

وينتظر أن يمتد تكريس تفاصيل الإصلاح على مدى خمسة أعوام، غير أن العامين اللذين ستتولى خلالهما الحكومة المعدلة تدبير الشأن العام، سيكونان حاسمين في توضيح ما إذا كانت ستسترشد بالمبادئ الرامية إلى تخفيف توسيع الوعاء الجبائي وإعادة النظر في التحفيزات والإعفاءات وتوجيهها ربطها بدفاتر تحملات واضحة، والتصدي للتهرب والغش الضريببين.

ويتصور الخبير الجبائي محمد الرهج أنه “يتوجب الإحاطة جيدا بتمويل النموذج التنموي المرغوب، هذا ما يدفعه إلى التأكيد على أن الضريبة ستكون رافعته الأساسية، على اعتبار أن المغرب يراهن عليها كثيرا في ظل عدم توفر مصادر أخرى، غير المديونية التي يستأنس بها عندما لا تكفي الإيرادات الجبائية”.

ويشدد على ضرورة التفعيل الحقيقي للمبدأ القاضي بأداء جميع الملزمين للضريبة، وهو ما يجد تعبيره في الفصل 39 من الدستور، الذي ينص على أنه “على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في الدستور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى