RABATTODAYالرئيسيةوطنية

لأول مرة بنكيران يتحدث عن علاقته بالملك

Mohammed VI, Abdelilah Benkirane
الرباط اليوم
لم يدل عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق كذلك للعدالة والتنمية، بأي حوار منذ تنحيته من قيادة الجهاز التنفيذي. وها هو يعود لأول مرة في حوار مع “تيل كيل” إلى علاقاته بمحمد السادس وعزيز أخنوش، كما يعطي رأيه في مستقبل حزب المصباح.
ترجمة: هيئة التحرير

لم يتوقف عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، منذ إبعاده إلى الظل، عن إطلاق سهامه بتصريحات كان على الصحافيين تقديمها على أنها صادرة من “مقرب” منه، كما أنه كان يختار بعناية توقيت خرجاته النادرة، كما فعل خلال خطابه الساخن أمام شبيبة حزبه، والذي تسبب في ترنح التحالف الحكومي شهر فبراير الماضي.

والواقع أن بنكيران، المتعود على الميكروفونات، يجد نفسه بين أمرين أحلاهما مر: الخروج إلى العلن والجهر بما في صدره وبالتالي المخاطرة بوضع الحكومة التي يقودها حزبه في وضع أكثر سوء مما هي فيه، أو التزام الصمت.

كان دوما يرفض بحزم طلباتنا بمحاورته رغم إلحاحنا الشديد. وبصعوبة قبل هذه المرة أن يخصص لنا لقاء حضرت فيه بعض الأسرار والتساؤلات والتعاليق على الأحداث الأخيرة.

استقبلنا بـ”فوقيته” الشهيرة، وجلسنا حول كؤوس الشاي بفيلاته في حي “الليمون” بالرباط التي تميل في تأثيثها إلى البساطة. هذه البساطة التي كانت دوما علامته المميزة والتي يسخرها كسلاح لإضفاء سحره الخاص على محيطه.

محمد السادس وبنكيران.. قريبان وبعيدان في الآن نفسه
بعد أن أبعده محمد السادس قبل عام، مازال رئيس الحكومة السابق يجتر خبيته وإن بدا محافظا على هدوئه. ولكنه يؤكد، لكل غاية مفيدة، أن تعلقه بالملكية لم يضعف ولو قيد أنملة. وحرصا منه على التشديد على أن العلاقات مع القصر لم تصل إلى مستوى الجمود الكامل، قال لنا “لقد اتصلت بجلالته بعد العملية التي خضع لها للاطمئنان عليه. وقال لي إنه في صحة جيدة”. ولم يغفل أن يكشف لنا بأن محمد السادس تحدث إليه “بكل لطف”.

وفي سياق الحديث عن العاهل المغربي أتى بنكيران على ذكر إحدى الطرائف. فهو لا يتوفر على الرقم الشخصي لمحمد السادس، ولم يحصل عليه قط. “لما تم تعييني، أراد أن يمدني به، ولكن ‘حشمت’ ولم أجرؤ على أخذه”(…)

ويحكى الرجل، بنبرة مفعمة بالحنين، أن علاقته بالملك لم تكن متوترة دائما. “صحيح أنه يحدث أن يغضب علي، ولكنه كان دائما يخصني بكلام لطيف”. وفي سياق غياب الملك بسبب العملية الجراحية التي خضع لها بباريس مؤخرا، يمرر طريفة أخرى: مرة كان محمد السادس في جولة بالخارج فقال له بنكيران “زوجتي تخبر جلالتكم بأن المغاربة لا يحبون بلدهم حينما لا تكونون هنا”. هذه الملاحظة التي لا تصدر عادة عن رئيس حكومة، فاجـأت نوعا العاهل المغربي، ولكنه لم يعتبرها مسئية.

وحينما تسلم للتو مهامه كرئيس للجهاز التنفيذي، نال التعب من بنكيران بسرعة بسبب كل المسؤوليات الجديدة التي تراكمت على عاتقه، فأسر للملك بذلك. هذا الأخير رد عليه بالقول “ماذا سأقول أنا، الذي يوجد هنا منذ 13 سنة؟”.

ولكن لماذا انتهى شهر العسل هذا بالإبعاد؟ هل سببه شعبية الزعيم السابق للعدالة والتنمية كما يقول بعض المحللين؟ بنكيران يرفض هذا التحليل، قائلا إنه مجدر “خادم” وأن طبيعة شعبيته تختلف كثيرا عن تلك التي يتمتع بها الملك، مستبعدا أي فكرة تتحدث عن “منافسة” محتملة مع محمد السادس.

حسب مصدر قريب من عبد الإله بنكيران، فإن إبعاده له سبب آخر. فبغض النظر عن بعض خرجاته التي لم تكن تروق للسلطات العليا، فهو لم يكن يحجم عن التصريح برأيه للملك، خلافا لسابقيه. صحيح أنه لم يقل قط لا للملك، ولكنه لم يكن يتردد في الكشف عن رأيه عندما يعتبر ذلك ضروريا”(…)

تنبؤاته حول أخنوش
“”ايلا بغا أخنوش يربح الانتخابات القادمة (2021) معندي مشكيل، لكن يقولينا شكون الشوافة اللي قالتها له”. هذه الجملة الحارقة، التي تفوه بها بنكيران يوم 3 فبراير الماضي خلال مؤتمر شبيبة البيجيدي تعكس قناعة لدى الرجل: مهما كانت الوسائل التي سيوظفها التجمع الوطني للأحرار، فإنه لن يفوز بانتخابات 2021. السبب؟ يعتقد، إسوة بعدد من قادة البيجيدي، أن حزب الحمامة لا يتوفر على مناضلين، تماما مثل “الأصالة والمعاصرة”، مع العلم أن حزب التراكتور حصد أكثر من 100 مقعد في الانتخابات التشريعية لأكتوبر 2016. حتى وإن كان التجمع الوطني للأحرار هو الفائز الأكبر في الانتخابات الجزئية التي انتهت في بداية 2018، فإن “إخوان” بنكيران لهم اعتقاد راسخ: حزب أخنوش سيفشل في الاقتراع المقبل.

الخوف من “مصير” الاتحاد الاشتراكي
إسوة بعبد الرحمان اليوسفي، الذي تمت المناداة عليه باستعجال في 1998 حتى يجنب المغرب “السكتة القلبية”، ذاق عبد الإله بنكيران طعم السلطة بفضل أزمة أخرى: حركة 20 فبراير. “التاريخ يعيد نفسه بعض الأحيان، ولكن الوضع هذه المرة يختلف”، هكذا أجابنا بنكيران في 2016، أي الفترة التي لم يكن يتوقع فيها سيناريو التخلص منه، كما حدث مع اليوسفي لصالح التكنقراطي إدريس جطو عقب انتخابات أكتوبر 2002. بيد أنه بعد أقل من عام، تم إبعاد رئيس الحكومة السابق بدوره، وسط اندهاش أنصاره.

في شهر يناير الماضي، وخلال لقاء قصير على هامش مراسيم تشييع جنازة الوزير السابق مولاي أحمد العراقي، ذكره اليوسفي بما حدث ساخرا: “لقد مررت بالتجربة قبلك”. ولكن القبطان السابق لسفينة البيجيدي أسر بالقول “حين يكون المركب على حافة الغرق، يجب القيام بكل ما يلزم لأنقاذه. ولكن حينما يرمون بك بعد ذلك، فهذا أمر مختلف”.

بنكيران مطلع على التاريخي السياسي للمغرب، القديم منه والحديث، ويعلم أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي حل في المرتبة الأولى خلال انتخابات 2002، عاش احتضارا طويلا منذ إبعاد اليوسفي. ألا يجازف البيجيدي، الذي تم إضعافه وتعرض للانتقاد من الداخل، بملاقاة نفس المصير؟ يرد ضيفنا بالقول “كحزب، مازال يحافظ على تماسكه. الاجتماعات مازالت تجذب الناس. ولكن إن لم يتدارك الأمر قد يلقى مصير الاتحاد الاشتراكي”.

البيجيدي.. حزب ملعون؟
“لما تمت تنحيتي عن رئاسة الحكومة، اعتقد كثيرون أن السلطة كانت ضد بنكيران. فقاموا بما يلزم حتى لا أحصل على ولاية ثالثة على رأس الحزب ظنا منهم أن الضغط سيخف. ولكن هذا الضغط لم يخف البتة”، يقول بنكيران الذي يعتقد جازما أن السلطة لا تنظر أبدا بعين الرضا إلى صعود الإسلاميين. ثم يضيف “من خلال مساري وشخصيتي، لم أتصرف كإسلامي بل كرجل سياسي”، قبل أن يتابع وكأنه يفكر بصوت عال “أتساءل.. لماذا إذن (هذه الريبة)؟ صحيح أن وزراءنا ليسوا عباقرة، ولكنهم كذلك لا يمكن إنكار جهودهم”. غير أن هناك حجة أخرى يبدو أن بنكيرن يميل إلى تجاهلها: الخطاب المزدوج الذي يتهم به الإسلاميون في المغرب كما في جميع أنحاء العالم العربي. “ولكن ليس هناك أي ازدواجية. قرأت مؤخرا أن هناك لعبة مزدوجة بيني وبين العثماني، أي أنه يشتغل في هدوء بينما أثير أنا الضوضاء.. هذا سخيف حقا” يقول بنكيران، الذي تسبب مؤخرا في أزمة داخل الحكومة بعد أن هاجم عزيز أخنوش وإدريس لشكر.

بخصوص “حركة التوحيد والإصلاح”، الذراع الإيديولوجي للحزب، ما هي طبيعة تأثيرها على البيجيدي؟ “ليس هناك أي تأثير منذ أن انفصلت الحركة عن الحزب. صحيح أننا تعاونا في 2011 للدعوة إلى إصلاحات في ظل الاستقرار (مسيرة عارضت مطالب حركة 20 فبراير، وجمعت حوالي 100 ألف مشارك)”، يقول بنكيران محاولات إبعاد أي تعاون صريح بين الحزب والحركة(…)

لا ندم وكثير من الحسابات
“لست نادما على إدارة ظهري لـ20 فبراير” يقول الزعيم السابق للبيجيدي، كما لا يساوره أي ندم على “مقاومة البلوكاج”. بل إنه طلب من عزيز أخنوش أن يخبر الملك بأنه عاجز عن تشكيل الحكومة. وحسب ما كشف لنا وزير سابق من البيجيدي، فإن أخنوش رد عليه “إن استقلت، فسأخاصمك إلى الأبد”. بعد ذلك سيخبر بنكيران بنفسه الملك الذي سيطلب منه “الانتظار”.

اليوم، وبعد أن تمت تنحيته عن قيادة حزب المصباح، يرفض هذا الرجل الاستسلام، ويفكر من الآن في النهوض من جديد. كيف؟ “مازلت أفكر في الأمر، ولم أحسم بعد” يجيب. لكن الأمر الأكيد أنه يفكر جديا في جمع الأرشيفات الخاصة بأحداث العقود الأخيرة. هل هي مشروع مذكرات؟ ربما. “إن قررت يوما ما كتابة مذكراتي، فلن تكون انتقائية”.

أما الآن، وبما أنه مازال منخرطا في الزمن السياسي المؤثث باستحقاقات انتخابية، فإنه ينتقي بحرص شديد كلامه، والأسرار التي يكشف عنها، وكذا طبيعة هجماته(…)

بتصرف عن “تيل كيل” بالفرنسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى