وطنية

هل يتكرر سيناريو روس مع دي ميستورا؟

الرباط اليوم

اختارت الرباط “تحجيم” أزمة زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، المكلف بملف الصحراء، كريستوفر روس، إلى جنوب إفريقيا، وهو ما برز يوم أمس الثلاثاء من خلال تصريحات وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، في ندوة جمعته مع نائبة الأمين العام للمنظمة الأممية فاطمة محمد.

الطريق الذي سلكه المغرب هذه المرة، هو المؤدي إلى “اللا تصعيد” ولكن بنبرة “التحذير”، لأن بورطة تحدث عن أن “جنوب إفريقيا كانت وستظل فاعلا هامشيا في قضية الصحراء المغربية، وصوتا نشازا لا تأثير ولا وزن له في هذا الملف”، لكنه أضاف “حتى لو ذهب دي ميستورا إلى المريخ، فإن ذلك لا يُغير شيئا بخصوص مغربية الصحراء”

واختارت المملكة، بشكل علني، تذكير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومبعوثيه الشخصيين أيا كانوا، وفق ما صدر عن بوريطة، بـ”الخطوط الحمراء” التي لا تقبل “لا النقاش ولا التفاوض ولا التلاعب”، والمتعلقة بماهية الأطراف المعنية المُحددة سلفا، والموائد المستديرة كإطار وحيد للعمل، والحكم الذاتي تحت سيادة المغرب الذي لن يخرج الحل عن نطاقه.

ويبدو أن الرباط “أجلت” الدخول في سيناريو أصعب، قد يضع عراقيل كثيرة أمام المبعوث الشخصي للأمين العام، سبق أن لجأت إليه قبل نحو 12 عاما، مع الأمريكي كريستوفر روس، حين أعلنت الحكومة المغربية سحب الثقة منه واتهمته مباشرة بالتحيز لصالح الجزائر وجبهة “البوليساريو” الانفصالية، وهو ما أفشل مُهمته ودفعه إلى الاستقالة.

كريستوفر روس، الذي كان سفيرا لواشنطن لدى الجزائر، قبل أن يصبح مبعوثا شخصيا للأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، أصدرت بشأنه الحكومة المغربية بلاغا في ماي من سنة 2015، تحدث عن “استنتاج مفارقات في تصرفاته”، مبرزا أنه “تراجع عن المحددات التفاوضية التي سطرتها قرارات مجلس الأمن وسلوكه لأسلوب غير متوازن ومنحاز في حالات عديدة”.

وحتى مع الدعم الصادر عن بان كي مون حينها لروس، وتشبث الجزائر العلني به، إلا أن مهمته أصبحت مستحيلة، حيث مُنع من الوصول لمدن الصحراء، وشرع المغرب في التحرك ميدانيا داخل المنطقة العازلة، ودخلت الرباط بعد ذلك في صدام دبلوماسي مع الأمين العام للأمم المتحدة شخصيا، خصوصا بعد حديثه سنة 2016 عن الصحراء كمنطقة “مُحتلة”.

وتطور الأمر أكثر إلى طرد المغرب جل أعضاء البعثة المدنية الأممية في الصحراء، لتتحول هذه الأزمة إلى إحدى أولويات الأمين العام الجديد حينها، أنطونيو غوتيريش، الذي أجرى مكالمة هاتفية مع الملك محمد السادس أفضت إلى قبول الرباط بعودة العاملين الأممين والانسحاب من المنطقة العازلة، وأساساً إلى استقالة روس بعد قضائه 8 سنوات في منصبه دون جدوى.

وأثار ذلك غضب الجزائر وجبهة “البوليساريو” الانفصالية، هذه الأخيرة التي تحدثت عن “عرقلة” المغرب لعمل المبعوث الأممي منذ سنة 2012، لكن ما تأكد بعد ذلك، خصوصا بعدما كان إجبار روس على الاستقالة بمثابة رصاصة رحمة تجاه مساره الدبلوماسي، أن هذا الأخير كان فعلا مُنحازا للجزائر، التي أضحى ضيفا دائما على وسائل إعلامها للهجوم على مغربية الصحراء.

ويظهر أن هذا السيناريو مطروح مُجددا على طاولة الرباط، لكن دون استخدامه، في ظل ظروف مختلفة تضع الطرح المغربي في موقع أكثر قوة بكثير لما كان عليه الأمر قبل عقد من الآن، حيث اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة المغربية على الصحراء، وأعلنت العديد من دول الاتحاد الأوروبي صراحة تأييدها لمبادرة الحكم الذاتي، أبرزها ألمانيا وإسبانيا وفرنسا.

ويمكن ربط هذا المعطى بما جاء على لسان وزير الخارجية المغربي الذي قال إنه لا يمكن إعطاء حجم لجنوب إفريقيا أكبر من حجمها في نزاع الصحراء، مضيفا أن بريتوريا اتخذت، منذ 20 عاما، موقفا معاديا للوحدة الترابية للمملكة، لكن ذلك لم يغير شيئا في الأمر، بل إن 27 دولة سحبت اعترافها بالكيان الوهمي، رغم تحركات جنوب إفريقيا، وفق تعبيره.

وكان بوريطة وجه كلامه لغوتيريش ودي ميستورا قائلا إن هناك 3 نقط يجب التأكيد عليها، وهي غير خاضعة للنقاش ولا للتفاوض ولا للتلاعب، سواء مع المبعوث الأممي أو مع الأمم المتحدة نفسها، وهي أولا، الأطراف المعنية بالنزاع الإقليمي حول الصحراء، وهي معروفة وحددها مجلس الأمن والواقع ولا أحد يستطيع تغيير الأطراف الحقيقية المعنية، وكل مساس بها هو مساسا بخط أحمر.

الأمر الثاني، وفق وزير الخارجية المغربي، يتعلق بآلية الاشتغال لحل هذا النزاع المفتعل، مبرزا أن مجلس الأمن والأمم المتحدة أكدا على الموائد المستديرة كإطار وحيد، وهذا أمر محسوم فيه بالنسبة للمغرب وغير قابل للنقاش أو التفاوض.

أما النقطة الثالثة فتتعلق بنتيجة المسار، مبرزا أنه بالنسبة للمغرب والمجموعة الدولية الأمور واضحة، حيث إن الحل لا يمكن أن يكون إلا داخل إطار مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية وفي ظل الوحدة الترابية للمملكة، وهو أيضا أمر لا يتفاوض فيه المغرب لا مع الأمم المتحدة وأمينها العام، ولا مع أي طرف آخر.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى