سياسة

هل يكمل أخنوش ولايته؟

الرباط اليوم: أمين الركراكي
درجت الحكومات المغربية في السنوات الأخيرة على تقديم حصيلتها الأولية خلال مائة يوم من توليها تدبير الشأن العام، وإذا كانت مدة ثلاثة أشهر غير كافية لأخذ فكرة وافية عن التزام أحزاب الأغلبية بالبرنامج الحكومي والوعود الحزبية فإن مرور سنة يمكن أن يعطي ملامح أوضح عن مدى تقدمها في هذا الاتجاه.

تحملت حكومة أخنوش المسؤولية في سياق عالمي مضطرب لم يتخلص بعد من تبعات جائحة كورونا حتى دخل في نفق مظلم آخر زادته ظلمة الحرب الروسية الأوكرانية. “الأيام” تقدم في الملف التالي قراءة في حصيلة الحكومة الحالية خلال السنة الأولى من ولايتها وأبرز الملفات التي طبعت ساحة النقاش الراهن.

 

ارتفاع درجات الحرارة الصيف الماضي سبقته حرارة أخرى ألهبت جيوب المغاربة وألحقت بها ثقوبا عديدة أثرت على ميزانياتهم ومخططاتهم لمواجهة تحديات مرحلة ما بعد كورونا، مشكّلة ملفات حارقة على طاولة الحكومة أشبه بكرة ملتهبة تتقاذفها أيدي الأحزاب المكونة لها في محاولة للحد من تداعياتها على الاستقرار الاجتماعي.

 

لقد استحوذ الجانب الاقتصادي على الحيز الكبير من النقاش العمومي ليس على الصعيد المحلي فقط، بل على المستوى العالمي لانعكاساته الواضحة على باقي مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.

 

حصيلة سنة

 

«الفترة الحالية لا تتجاوز السدس من عمر الحكومة التي تصل ولايتها إلى 60 شهرا ومع ذلك فإن الحكومة في هذا الظرف الوجيز، وأخذا بعين الاعتبار السياق الصعب الذي يعيشه العالم، حققت الكثير من الإنجازات التي وعدت بها على المستوى التشريعي والمؤسساتي في مجال تنزيل البرنامج الحكومي القائم على مرتكزات الدولة الاجتماعية، والأهم من ذلك هو ما تتخذه الحكومة كل يوم بل كل دقيقة من قرارات حاسمة للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن»، يقول محمد غيات رئيس الفريق البرلماني لحزب التجمع الوطني للأحرار في حديثه لـ»الأيام».

 

وفي المقابل، يقول المحلل السياسي عبدالرحيم العلام في قراءته لأداء الحكومة منذ تعيينها في شتنبر من 2021: «بناء على الوعود الحزبية قبل الانتخابات، فالنتيجة تكاد تكون صفرية من حيث الزيادات في الأجور، وإدماج بعض الفئات مثل المتعاقدين (ما حدث أن عددا منهم اعتقلوا وحوكموا…) وتطوير المنظومة الاقتصادية ونسبة النمو. ومن حيث البرنامج الحكومي فقد حاولت الحكومة المضي في تطبيقه لكنها لم تكن محظوظة بشكل كبير لأنها جاءت في مرحلة صعبة، وهذا كان متوقعا. ففي اللحظة التي كانت تشكل فيها الأحزاب برامجها تساءل المراقبون ونحن منهم: على ماذا تراهن هذه الحكومة؟

من الأشهر الأولى لكورونا كانت توقعاتنا تنصب أكثر على الوباء الأكبر وهو الاقتصادي، وقلنا حينها إن انتهاء الوباء الفيروسي سيليه وباء خاص بالتغذية. إذن الحكومة تشكلت بعد أزمة وبائية أثرت على السياحة والمداخيل والاقتصاد، إضافة إلى مشكل الجفاف ومنسوب المياه المتراجع ومعاناة الفلاحين وفوق كل ذلك الأزمة العالمية المتمثلة في الحرب الأوكرانية التي أثرت بشكل كبير على وفاء الحكومة بالتزاماتها».

 

لكن غيات يدافع عن الحصيلة الأولية للحكومة الحالية بقوله: «بضعة أشهر غير كافية لتقييم موضوعي لهذه المرحلة مع ما تخللها من صدمات وتشويش وتضليل، فهناك مجموعة من الإنجازات الأولية التي ظهرت في عدد من المجالات، وأخص بالذكر إطلاق مشروع أوراش وبرنامج فرصة والرفع من الميزانية المخصصة للتعليم والصحة بـ800 مليار سنتيم إضافية، واعتماد 22 مرسوما للحماية الاجتماعية ودعم قطاع السياحة وقطاع النقل والفلاحين لمواجهة آثار الجفاف وغيرها من الإنجازات المهمة التي ستبقى مسجلة في سجل الحكومة».

 

الأحرار واثقون

 

رغم الانتقادات الحادة التي تعرض لها حزب التجمع الوطني للأحرار بخصوص الوعود المغرية التي قدمها للناخبين خلال الحملة الانتخابية، والمشكّلة لركائز الحكومة الاجتماعية كما تراهن عليها أحزاب الأغلبية، فإن محمد غيات رئيس الفريق البرلماني لحزب الحمامة يبدي تفاؤله بالمضي قدما في الالتزام بالوعود إذ يقول: «قدم حزبنا تعهدات انتخابية واقعية ودقيقة ومحددة بأجندة زمنية، وتلك الوعود تشكل اليوم العمود الفقري للبرنامج الحكومي الحالي لا سيما في مجال إصلاح منظومات التعليم والصحة والتشغيل والإدارة العمومية، وهذا في حد ذاته مؤشر جيد فلم يكن من اليسير في ظل الحكومات السابقة أن تترجم الوعود الانتخابية إلى برنامج حكومي، لكن هذا الأمر وإن كان نقطة تحسب لحزبنا فهي غير كافية ما لم تترجم الوعود إلى قرارات وسياسات وتدابير عمومية. نحن أمام تحدي تفعيل برنامجنا الانتخابي وبدون تحيز في ظل وضع وطني ودولي صعب ومتسم باللايقين نجحت الحكومة في مواجهة تحديات التدبير اليومي المكلفة والمرهقة. وفي الوقت نفسه العمل على تنزيل المشاريع الاستراتيجية المتعلقة بالتعليم لا سيما الأولي وإصلاح منظومة التكوين بالإضافة إلى العمل الجبار الذي يجري على مستوى المنظومة الصحية في انتظار موافقة جلالة الملك على القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية.

 

لا ينبغي أن ننسى المجهودات الجبارة التي تقوم بها الحكومة في مجال محاربة البطالة عبر مشاريع أوراش وبرنامج فرصة وغيرها بالإضافة إلى المجهودات الكبيرة في مجال تنزيل مشروع الحماية الاجتماعية وتحسين وضعية الدكاترة الأطباء والممرضين…».

 

الوضع الدولي

 

لا يختلف اثنان حول حقيقة واحدة تتجلى في الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي يواجهها العالم بأسره وليس المغرب فقط. ظروف أربكت حكومة عزيز أخنوش وأجبرتها على تغيير مقاربتها للعديد من الملفات.

 

وهكذا اشتغلت الحكومة على واجهتين كما يقول محمد غيات: «الأولى ذات طبيعة استعجالية تقتضي تأمين الطلب الداخلي مع الحفاظ على القدرة الشرائية للأسر المغربية بسبب أزمات مستوردة تطلبت فاتورة مالية غير مسبوقة لتأمين الطلب الاجتماعي وفي الوقت نفسه الحفاظ على توازن المالية العمومية، الثانية ذات مفعول بعيد ومتوسط المدى، تتعلق بتأمين حاجياتنا من القمح والذرة خلال السنوات المقبلة دون الاختباء وراء شح المطر، فبفضل الإنجازات الاستراتيجية للمخطط الأخضر في القطاع الزراعي تقلصت نسبة ارتباط القيمة المضافة الفلاحية بزراعة الحبوب من الثلث إلى 12% وإليه يرجع الفضل في ازدهار الزراعات المثمرة ذات القيمة المضافة العالية. إذ عرفت صادرات الخضر ارتفاعا يقدر بـ18%، وصادرات الحوامض ارتفاعا يقدر بـ37%، لكننا أمام أزمة غذائية خطيرة. فضلا عن ذلك لا أحد يستطيع أن ينكر المجهودات الجبارة التي قامت بها الحكومة في مجال دعم أرباب النقل للتخفيف من ارتفاع أسعار المحروقات أو الدعم المخصص لغاز البوطان أو الماء والكهرباء رغم أنها تطلبت ميزانية هائلة لم تكن متوقعة».

 

الأمن الطاقي

 

الحكومة دبرت ملف أسعار المحروقات وتأمين الاحتياجات الوطنية بكلفة مالية غير مسبوقة -يقول غيات-، ولكن في نفس الوقت عالجت الموضوع على المدى المتوسط والبعيد، والمثال واضح في هذا المجال هو تصويت مجلس النواب على مشروع قانون تنظيم نشاط الإنتاج الذاتي للطاقة الكهربائية لأغراض الاستهلاك الذاتي، الذي يقدم آليات جديدة لإمدادات الطاقة في بلادنا خارج نطاق نموذج المشتري الوحيد الذي تُنَظَّم السوق حاليًا بموجبه.

 

وفي الحقيقة، فإننا لا نبالغ إذا قلنا إن هذا القانون الذي يمر دون أضواء إعلامية أو ضوضاء سياسية، هو بمثابة ثورة تشريعية بدلالات استراتيجية، بكل بساطة لأنه أحد المداخل الكبرى للأمن والسيادة الطاقية اللذين دعا إلى تحقيقهما الملك خلال افتتاح السنة التشريعية الحالية.

لذلك فإن حرص الحكومة على إحالة عدد من المشاريع المتعلقة بالأمن الطاقي هو رسالة كبيرة حول الأهمية الاستراتيجية التي يلعبها قطاع الطاقة في الاقتصاد الوطني والدور الذي يكتسيه في التنمية الاجتماعية ببلادنا.

 

في المقابل، ينتقد عبدالرحيم العلام الأفق الاستراتيجي للسياسات العمومية في المغرب سواء تعلق الأمر بهذه الحكومة أو غيرها، مشبها إياها بربّ أسرة مهمل لا يفكر في الادخار ولا يستطيع ذلك وإن كان يرغب فيه. وزاد موضحا: «لم تقم الحكومة بإجراءات في هذا الصدد وهذا طبيعي لأن الدول التي بادرت في هذا الاتجاه اعتمدت على الاحتياطات المتوفرة لديها من التغذية والأموال والمواد الطاقية، في حين أن الدولة المغربية لا تتوفر على احتياطي لذلك فالحكومة تدبر اليومي فقط في غياب احتياطي كبير من العملة الصعبة والبنزين والغذاء، فأقصى ما نتوفر عليه من القمح هو أربعة أشهر مقابل 26 يوما من المواد الطاقية حسب وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة».

 

صمود الحكومة

 

يربط عبدالرحيم العلام صمود الحكومة حتى نهاية ولايتها بمجموعة من الاعتبارات أهمها الدعم الذي تلقاه من قبل مؤسسات الدولة بشكل عام فضلا عن الانسجام داخل أحزاب الأغلبية وقدرتها على إيجاد حلول طويلة المدى.

 

«تابعنا عددا من المسيرات والوقفات لكنها لم تكن بالكثافة الكبيرة وتفسيري لها أن الناس يتفهمون الأسباب الموضوعية التي ساهمت في المشاكل الحالية لكننا شاهدنا مؤخرا احتجاجات عارمة في أمريكا اللاتينية وأوروبا وتونس والجزائر وليبيا، هذه الأخيرة احتج فيها المتظاهرون على حكومتي بنغازي وطرابلس معا. الفكرة أن الظروف الاجتماعية قد تدفع بالناس للمطالبة بالإصلاحات وإن لم تكن الحكومة تملك أجوبة فيمكن أن تتعرض لهزات. فإلى أي حد يمكن للناس أن يتفهموا؟ الأزمة الأوكرانية قد تطول ولابد للحكومة أن تفكر في حلول وهذه وظيفتها وليس من حق مسؤوليها أن يتخذوا موقف المواطن العادي، فبريطانيا مثلا في إطار الحد من تأثير أزمتها مع روسيا ابتكرت حلولا لتشجيع السياحة الداخلية ولجأت للفحم الحجري لإنتاج الطاقة».

 

عودة الشعبوية للخطاب السياسي

 

ما إن أحكم حزب الحمامة قبضته على دواليب إدارة الشأن العام في المغرب حتى وجه سهام نقده لحليفه بالأمس ممثلا في حزب العدالة والتنمية، بل ظل يأخذ مسافة ويتبرأ منه كلما سُئِل عن حصيلة التدبير الحكومي في السنوات الماضية.

 

صراع وصل لمرحلة غير مسبوقة بلغت حدا وصف فيه رشيد الطالبي العلمي حليفه السابق عبدالإله بن كيران بالذئب فلم يتردد الأخير في الرد عليه ونعته بـ»الحْمِيِّر» فيما اعتبر عودة للشعبوية في الخطاب السياسي المغربي.

«هكذا تورطت الأغلبية الحكومية في هذا الأمر، يقول عبدالرحيم العلام، بعدما كانت تنتقد مثل هذه الخطابات. الأكثر من ذلك أن الحزب الذي يقود الحكومة يرد على المعارضة بأنه وجد 10 سنوات عجاف وهو أمر غير مقبول من الناحية الأخلاقية لأنه كان مسؤولا عن وزارات مهمة فيها مثل المالية والفلاحة، ففي ذلك احتقار لذكاء المواطن. أمر يمكن أن نقبله من الأصالة والمعاصرة ومن حزب الاستقلال رغم أنه كان مشاركا في حكومة ابن كيران الأولى في حين لا يمكن تقبله من حزب التجمع الوطني للأحرار الذي كان متواجدا في جل الحكومات المغربية مع استثناءات قليلة. وإن كنا سننتقد الدولة طوال السنوات الماضية فإن حزب التجمع هو أكبر من يتحمل المسؤولية في هذا المجال. هذه مسألة غير مقبولة ونحن نتحدث عن التخليق».

 

ماذا بقي لإعداد «الخبز وأتاي»؟

 

يواجه المغرب اليوم مشاكل في تدبير حاجيات مواطنيه الأساسية، خاصة تلك التي لطالما شكلت مكونا رئيسيا في وجباتهم اليومية مثل السكر والشاي، حيث كان التعفف والقناعة مرتبطين في ذهن المغربي بوجبة «خبز وأتاي».

 

معطى يعكس حجم الخطر المحدق بالأمن الغذائي كما يقول العلام: «كيف يعقل أن يواجه بلد مثل المغرب أزمة قمح؟ بل إننا في بعض الأحيان استوردنا البصل. كان المغربي يقول إنه يستطيع العيش بالخبز والشاي لكننا اليوم نستورد السكر من البرازيل وتونس والشاي من الصين والقمح من روسيا وأوكرانيا، فأين «الخبز وأتاي» ونحن لا نتوفر على ما نعدهما به؟».

الأدهى من ذلك أن الأمر ينسحب على مادة حيوية أخرى على المستوى الاستراتيجي وهي الماء «فالسدود اليوم ممتلئة بالأوحال وليس هناك اشتغال للبحث عن حلول، مثل تحلية المياه المرتبطة أساسا بالطاقة النووية، وفي المقابل نشتغل على اليومي وتزيين الواجهة، مثل المشاريع الضخمة كالمسرح الكبير بالرباط ومثله في الدار البيضاء. لست ضد الثقافة لكني أتحدث هنا عن نظام الأولويات» يضيف العلام.

 

انقراض رجال الدولة

 

يرصد عبدالرحيم العلام أبرز التحولات التي يعرفها المشهد السياسي المغربي وأكثرها دلالة والمتمثلة في ما يسميه بانقراض رجال الدولة.

 

«للأسف، أصبحت نخب الأحزاب السياسية تراهن على قضاء بعض الأيام في المنصب الوزاري، فلم يعد لدينا مفهوم رجالات ونساء الدولة الذين لا يهمهم المنصب الحكومي بل بقاء الدولة ومستقبلها سواء ظلوا في المنصب شهرا أو سنتين أو عشر سنوات. لم نعد نرى سوى مجموعة من الأشخاص الحزبيين المنشغلين بإكمال ولايتهم ويكتفون بدحرجة الكرة الملتهبة التي تكبر شيئا فشيئا ثم تسليمها لخلفائهم. فكل من يأتي يستمر في دحرجة الكرة حتى تنتهي ولايته». يوضح العلام.

 

يستطرد المتحدث نفسه في تحليل هذه الظاهرة بقوله: «لم نعد نتحدث عن حكومات وأشخاص سياسيين لأن السياسي يهمه الوطن بأفقه البعيد وليس بمنظور لحظي قريب، يعتمد تدبيرا يوميا وشهريا وسنويا. هذا هو الإشكال الذي نواجهه اليوم لأن هذا النوع من الرجال بدأ ينقرض عندنا في الحياة السياسية والحزبية في المغرب. فلو كنا نتوفر على رجالات الدولة فإن لاسامير لن تضيع ولكنا نتوفر اليوم على مخزون استراتيجي من الغازوال يكفي لستة أشهر واحتياطي كبير من العملة الصعبة لا تطاله الأيدي إلا في الأزمات الكبرى واحتياطي من المواد الغذائية ومنتوج فلاحي كاف من المواد الأساسية مثل القمح والزيتون والزيوت والتمور وليس الرهان على المنتوجات الفلاحية الموجهة للتصدير لجلب العملة».

 

والنتيجة، كما يقول العلام، أن الساحة تخلو من رجال الدولة الذين يراهنون على مشاريع بعيدة الأمد وذات أفق مثل مشروع أنفاق الدار البيضاء خلال 50 سنة مثلا، وبدلا من ذلك يميلون إلى مشاريع قصيرة المدى تضمن لهم نتائج سريعة يستميلون بها الناخبين.

 

الأمير يفسد السوق

 

يعتبر قطاع المحروقات من أبرز الكرات الملتهبة التي تدبرها حكومة أخنوش منذ شتنبر الماضي بطريقة جرّت عليها الكثير من الانتقادات لاعتبارات كثيرة، أبرزها كون رئيس الحكومة مستثمرا في القطاع الذي يؤدي المغاربة ثمنا باهضا للأزمة التي تضربه.

 

لا يجد المحلل السياسي عبدالرحيم العلام وصفا للحالة الراهنة سوى العبارة الشهيرة لابن خلدون «الأمير يفسد السوق» معتبرا أن ملف المحروقات يطرح مرة أخرى قضية تخليق الحياة السياسية.

يقول العلام عن هذه النقطة: «الأمر لم يعد يتعلق فقط بالمحروقات بل تجاوزها إلى سن قوانين جديدة لفرض رسوم على التجارة الإلكترونية التي ستستفيد منها فئات وشركات بعضها تابع لرئيس الحكومة، فعدد من القوانين المرتبطة بالأعمال جزء منها يصب في صالح الباطرونا. اليوم لدينا حكومة رجال وسيدات الأعمال ولدينا مجالس رجال وسيدات الأعمال. الطبقتان المتوسطة والدنيا سيعصف بطموحاتهما وحقوقهما وهذا سيثير إشكالات ستنعكس على الاستقرار الاجتماعي، فلا يمر أسبوع دون احتجاجات ووقفات ومسيرات واعتقالات، في ظل مشاكل المنع الذي تتعرض له أنشطة بعض الجمعيات والأحزاب وتراجع الحريات كما تسجله عدد من المنظمات الحقوقية ويترجمه تصنيف المغرب بين الدول».

 

محمد غيات رئيس الفريق البرلماني للحمامة يتهم الخطاب الشعبوي بخلط الأوراق ودغدغة المشاعر وتحويل الحق إلى باطل بخصوص هذه الملفات. حيث يقول: «هذا الخطاب أصبح يجعل من النجاح في الأعمال والاستثمار جريمة لا تغتفر، ومن مشاركة رجال الأعمال في الشأن العام مؤامرة ومن رجال الأعمال الذين يساهمون في خلق فرص شغل ودفع الضرائب لخزينة الدولة مجرمين. والمصيبة أن الشعبوية قلبت الفشل في المسار المهني سواء في القطاع الخاص أو العام إلى عنوان للنزاهة. أما الخطاب الذي يحاول وضع الحكومة في الزاوية التي يريد من أجل اغتيالها الرمزي فنقول له إن خطابك تجاوزه الزمن ولعبتك أصبحت مفضوحة ومثيرة للشفقة».

 

رهان تخليق الحياة العامة

 

يعيب عبدالرحيم العلام على الحكومة الحالية أخطاء في تدبير جانب تخليق الحياة العامة، مثل الجمع بين المسؤوليات وتعيين الأقارب، والمشاكل الداخلية لحزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة.

 

«تطرح مجموعة من الإشكاليات في الحكومة الحالية مثل الجمع بين المهام، فبعض الوزراء يجمعون بين الوزارة ورئاسة الجهة بمن فيهم رئيس الحكومة، ومسألة تجويد العرض السياسي، فالتضخم العددي الذي حصلت عليه الأحزاب السياسية الأولى في الكيف كان خادعا حيث اتضح أن عددا من البرلمانيين يفتقدون للكفاءة ولا يستطيعون حتى طرح الأسئلة، لذلك لجأ البرلمان إلى الجلسات السرية من أجل التغطية على هذا النقص، ورأينا مقترحات لا يؤخذ بها، خاصة تلك التي يكون مصدرها المعارضة في ترجمة للنفس الاستحواذي. وعدا هذا، فبعض البرلمانيين في السجن حاليا أو متابعون، ومنهم من يواجه أحكاما نهائية، فضلا عن اعتماد الأحزاب على وجوه قديمة. وعموما فالمجلس الأعلى قدم عددا من التقارير بخصوص سرقة المال العام فيما لم يعرض على القضاء إلا حالات قليلة.

والخلاصة أننا استيقظنا على وجه آخر لنتيجة الانتخابات. ولازالت الحكومة إلى اليوم بدون كتاب دولة والنتيجة أن بعض الوزراء يجمعون أكثر من قطاع وهذا فيه تأثير على مردودية العمل. نقابات التعليم العالي لم تخض الإضراب منذ سنوات لكنها مؤخرا عادت للإضراب مشتكية من عدم تجاوب الوزارة. دون أن ننسى ما حدث في وزارة الصحة عندما عينت وزيرة لمدة 48 ساعة ثم حل مكانها وزير آخر. كما تابعنا كيف أن وزراء ووزيرات عينوا أقاربهم في دواوينهم بل إن عمدة إحدى المدن عينت زوجها نائبا لها ثم تراجعت، وهي كلها أمور كان بإمكان الحكومة أن تتجاوزها لأنها بسيطة غير مرتبطة لا بأوكرانيا ولا كورونا ولا بالجزائر».

 

حول هذه النقاط، رد غيات رئيس الفريق البرلماني للحمامة على مسألة تعيين الأقارب واصفا إياها بكونها حالات معزولة لا ترتقي إلى مرتبة الظاهرة العامة «فالتعيينات التي أشر عليها رئيس الحكومة إلى حدود اليوم، بعيدا عن لغة التضليل، تتم وفق مسطرة محددة بقانون تنظيمي ومرسوم تطبيقي، وترفع الاقتراحات لرئيس الحكومة بعد إجراء مباريات انتقاء أمام لجان ووفق مشاريع تنافسية بين المرشحين، لذلك أتحدى أن يقدم لنا أي شخص دليلا أن رئيس الحكومة قبل بالتعيين في منصب عال أحدا من أقربائه أو أقرباء الوزراء، أما إذا كنت تقصد التعيين في الدواوين الوزارية فتلك المناصب سياسية لها مسطرتها الخاصة المحددة في الظهير الملكي لسنة 1975 الذي يعطي للوزراء كامل الصلاحية لانتقاء أعضاء دواوينهم كما يشاؤون دون مباراة شريطة احترام التجرد والمروءة والكفاءة. أما بخصوص كتاب الدولة، فهذا الملف له مؤسساته الدستورية وقنواته المعهودة التي يشرف عليها جلالة الملك الذي يحدد من ومتى وكيف سيتم التعيين إذا دعت الضرورة لذلك».

 

محمد مستعد: تدبير الأزمات تطبعه الآنية

 

أشهر قليلة على تشكيل الحكومة قبل حتى مرور سنة من عمر الحكومة وبعيد انتخابات مثيرة للجدل، ظهرت الانتقادات لحصيلة الحكومة حتى قبل مرور 100 يوم من فترة السماح التقليدية، وهي ظاهرة بنيوية، كما يفسر ذلك المحلل محمد مستعد في حديث لـ»الأيام»، تطرح مسألة ثقة المواطن في الشأن السياسي وطبيعة علاقة المغاربة بالسياسة وتأرجحهم بين النقد والنفور أحيانا، وهو ما لا يمكن مساءلة الفريق الحكومي لوحده عليه.

 

ويستطرد مستعد في تحليل الوضع من هذه الزاوية: «الشأن السياسي المغربي يطبعه نوع من التيه والتردد منذ سنوات سابقة لتشكيل هذه الحكومة. ويبدو أن السبب في ذلك هو محاولات التدبير المتسرعة لمرحلة ما بعد الربيع العربي ولما بعد الدستور الجديد. بحيث كانت هناك محاولات للخروج من هذه المرحلة بأقل الخسائر على مستوى الاستقرار، وبجميع الوسائل الممكنة. فالحكومات ليست إلا إحدى تلك الوسائل، وذلك من خلال تثبيت أو زعزعة استقرار الحكومات، أو تنظيم الانتخابات في مواعيدها… لكن سرعان ما تعود مظاهر عدم الثقة وعدم الاستقرار الحكومي إلى البروز».

 

يتميز الأداء الحكومي عند تدبير هذه الأزمات، حسب مستعد دائما، بغلبة التدبير اليومي الآني، وبضعف التدبير ذي الأبعاد الاستراتيجية. الرؤية اليومية هي ما يتجلى، مثلا، في تقديم دعم مالي ومساعدات لبعض القطاعات الاقتصادية المتضررة أو معالجة ظاهرة البطالة. أما ما هو استراتيجي مثل الحماية الاجتماعية وغيرها، فتهم أوراشا سبق أن أطلقها الملك في عهد ولاية حزب العدالة والتنمية قبل مجيء هذه الحكومة. وينطبق ذلك على تدبير العلاقات الدولية وغيرها حسب ما هو منصوص عليه في الدستور. هناك سياق جهوي ودولي صعب يتميز بكثرة التحديات الأمنية، وهو ما أنتج نوعا من التدبير السلطوي الليبرالي.

 

ويرصد المحلل السياسي التواصل عند الحكومة باعتباره أحد أبرز نقاط ضعف الحكومة «فعندما تظهر الأزمات الاستثنائية، مثل التضخم والوباء وعجز الميزانية والاستعدادات للعيد، تكون الحاجة قوية إلى تدبير خاص للأزمات على مستوى التواصل. هناك حاجة إلى تواصل سياسي قوي بل وبسيكولوجي مع المواطن. وخروج الناطق الرسمي للحكومة مرة في الأسبوع لا يكفي. هناك ضعف في التواصل وهذه من صفات الحكومات التقنوقراطية التي «تفضل العمل على التواصل مع الصحافة» حسب ما قاله رئيس الحكومة، لكن الحكومة في الحقيقة لديها استراتيجية خاصة للتواصل تقوم نوعا ما على عدم التواصل. وعكس ذلك، فإن التواصل عند الحكومات الحزبية لا يكون مفكرا فيه بشكل كبير، ومخططا له بل يكون طبيعيا نوعا ما ونابعا من جينات العمل الحزبي، لأن السياسة هي في الأصل وفي الجوهر، تواصل وكلام. ومن بين نتائج قلة التواصل، ضعف ثقة المواطن كما تبين بعض دراسات المعهد المغربي لتحليل السياسات».

 

التواصل والحوار عاملان حاسمان من وجهة نظر محمد مستعد تحتاجهما الحكومة من خلال «تقوية تواصلها مثلا مع البرلمان، وهو الفضاء الدستوري الذي يفترض أن يكون مجالا للنقاش وتبادل الأفكار والرقابة. كما تحتاج إلى الحوار في الفضاء العمومي مع أحزاب المعارضة ومع الجمعيات والنقابات. وهذا يفترض بطبيعة الحال فتح قنوات التواصل مع الإعلام الرسمي ومع الإعلام الوطني لتعزيز الثقة شبه الضائعة في هذا الباب من خلال تقوية الحريات العامة. إن تدبير السلطة للتواصل عبر الأخبار الزائفة والمؤثرين لم يعد مجديا وهو سيف ذو حدين، ومن الواضح أنه لم يعط نتيجة. ولذا فإن ضخ جرعة من الليبرالية، وهو أحد شعارات الحكومة، سيسمح لها بتمرير خطابها الخاص، بنجاحاته وإخفاقاته، وأيضا بالاستماع إلى كل الآراء لأن ذلك هو الذي يساعد على إيجاد الحلول للأزمات، ولأن هذه الوسائل تبقى هي الآليات الوحيدة الممكنة والناجعة اليوم لتدبير الشأن العام».

 

عبد الخالق التهامي: الظرفية العالمية بعثرت الفرضيات المتفائلة

 

«الله يكون في عوانهم» بهذه الكلمات المعبرة لخص الخبير الاقتصادي عبدالخالق التهامي في حديثه لـ»الأيام» التحديات الاقتصادية التي واجهتها الحكومة الحالية منذ توليها تدبير الشأن العام بسبب الظرفية العالمية التي بعثرت التوازنات الاقتصادية للمغرب وبقية دول العالم بشكل غير مسبوق منذ 40 سنة.

 

«لا يمكن اقتصاديا للحكومة أن تلتزم بوعودها سواء في البرنامج الانتخابي أو البرامج الانتخابية للأحزاب المشكلة كلها لظروف أقوى منها تتمثل في استمرار الأزمة الصحية وارتفاع أسعار البترول والتضخم والحرب الروسية الأوكرانية. الأكثر من ذلك أن الحكومة لم يكن لديها هامش للتحرك منذ البداية. هامش تقلص بعد ذلك بسبب معطيات بنوية في الاقتصاد المغربي تتعلق بالمديونية وكتلة الأجور المرتفعة وغيرها من العوامل. الوعود الانتخابية كانت مبنية على فرضيات متفائلة أكثر من اللازم مثل التوقع الخاص بسعر البترول، لذلك كانت الصدمة أقوى من تلك الفرضيات». يوضح التهامي.

 

الأكثر من ذلك أن الوضع يزداد غموضا بخصوص استشراف المستقبل، والمقروئية كما يقول الخبير الاقتصادي «ضعيفة جدا نظرا للايقين السائد، فلا يمكن لأحد أن يقول اليوم إن الوضعية في نونبر أو دجنبر ستكون أفضل سواء بخصوص سوق النفط والغاز أو الحرب الأوكرانية الروسية أو الوضعية الوبائية والسنة الفلاحية وسقوط الأمطار وغيرها من العوامل. كل الأسئلة المتعلقة بهذه الأمور تظل بدون جواب. وهذا اللايقين يفرض على الحكومة تدبير الوضع يوما بيوم لأنها يمكن أن تتخذ قرارا بخصوص ملف معين في الشهر المقبل لكن عندما يحين الوقت قد تتراجع عنه وتغير قرارها، وخير مثال في هذا الباب هو الدعم الذي خصصته حاليا لقطاع النقل. فإلى أي مدى ستستمر في تقديم هذا الدعم؟ هذا غير ممكن فالميزانية ستنضب».

 

وعن دور سياسة الحكومات السابقة في تراكم هذه الأزمات أو استفحالها يقول عبدالخالق التهامي: «ظهرت الحاجة للاحتياطات الطاقية والغذائية والدوائية بعد كورونا وعادت إلى الواجهة بعد الأزمة الحالية، فقد كنا نفتقد لهذه الاحتياطات في السابق. قبل أسابيع أعلنت وزيرة الطاقة أن احتياط بلدنا من البترول لا يتعدى 26 يوما وهذا وضع خطير، فالحكومة لا تتكلف بالمخزون الاستراتيجي للطاقة لأنه قطاع محرر يخضع لمنطق السوق ومن يتولى ذلك هي شركات المحروقات وفق دفتر تحملات، وهذا تلزمه حلول أخرى، علما أن تخزين الاحتياطي مسألة مكلفة بالنسبة لها من حيث التمويل والتخزين والتوزيع فالمسألة ليست سهلة، لذلك فالإشكالية في هذا القطاع بنيوية والتفكير في حلها يجب أن يتم بطريقة سليمة على جميع المستويات بما فيها التقنية والاقتصادية والمالية.

 

عندما نقترح تخزين احتياطي استراتيجي علينا أن نتساءل أين ستبنى هذه المخازن هل في الجرف الأصفر أم الناظور أم الداخلة؟ ومن سيتكلف بالبناء والتمويل، القطاع العام أم الخاص؟ ومن سيدفع كلفته؟ وغيرها من الأسئلة الحرجة التي تؤكد أن تدبير هذا الملف ليس سهلا كما يبدو».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى