اقتصاد

هل اخترقت إسرائيل سوق الفلاحة المغربية؟

الرباط اليوم: محمد السبتي

جميعنا نتذكر واقعة اعتقال الناشط الحقوقي أحمد ويحمان في معرض التمور بأرفود شهر أكتوبر الماضي، وذلك على خلفية احتجاجه على الوجود الإسرائيلي في المعرض ممثلا في شركة (نيتافيم)، التي تعتبر حسب موقعها على الإنترنت رائدا عالميا في إنتاج معدات الري بالتنقط. وقبل شهور من ذلك، نظم نشطاء مغاربة مناهضون للتطبيع مع إسرائيل وقفة احتجاجية للتنديد بشركة إسرائيلية للنقل واللوجستيك تحمل اسم (زيم) وتنقل السلع علنا بين ميناءي حيفا في فلسطين المحتلة والدار البيضاء، وبينها منتجات زراعية وبذور ومبيدات.

لعلنا لسنا في حاجة إلى ذكر مزيد من الأمثلة التي هي بالمناسبة كثيرة ومتنوعة، لإثبات كم هو حقيقي ومتشعب واقع التبادل الاقتصادي المغربي الإسرائيلي ، وفي صلبه الاختراق الحاصل لقطاع الفلاحة المغربية التي هي الرقم الأضعف في المعادلة غير المتكافئة. الفلاح المغربي الفقير بات مهددا في عقر داره بأخطار حقيقية تمس رزقه وصحته وتحمل علامة “صنع في إسرائيل”. والمستهلك المغربي مهدد في صحته بتناول فاكهة وخضروات مصدر بذورها هو إسرائيل.

حرب حقيقية لكن صامتة

رسميا، لا يوجد المغرب في حالة حرب عسكرية مع إسرائيل، فهو لا يقع ضمن “بلدان المواجَهة” التي لها نزاعات ترابية مع الكيان الإسرائيلي . لكن مع ذلك فإن تضامن المغرب الشعبي والرسمي مع القضية الفلسطينية خلق وضعا معقدا يجعل العلاقة المتعددة الأبعاد القائمة بين البلدين ملتبسة ودائمة التأرجح بين السر والعلن. ومن تجليات ذلك الالتباس مثلا، أن مواجهة المغرب لسياسة إسرائيل مع الفلسطينيين في المحافل الدولية لم تمنع أبدا قيام علاقات اقتصادية متجذرة لم ينفك المناضلون المغاربة ضد التطبيع مع إسرائيل يفضحونها بالأدلة والحجج ويطالبون بوقفها.

هكذا، وفي سياق مداخلة سابقة له في ندوة تضامنية عقدت قبل أشهر بالدار البيضاء، وكان موضوعها: “ماذا بعد المسيرات التضامنية مع قطاع غزة؟”، عاد المناضل اليساري المغربي سيون أسيدون الذي يقود حربا ضد تطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلى كشف مزيد من الصلات الخفية ─الظاهرة التي تربط الكيان الغاصب لفلسطين ببلدنا؛ إذ وجه اتهاما صريحا إلى أطراف مغربية لم يكشف عنها بالتستر على التطبيع الاقتصادي القائم، والذي يعتبر جسرا له شركة النقل البحرية الإسرائيلية [زيم]. وكشف أسيدون أن المغرب يستورد 70 صنفا من الحبوب الزراعية من إسرائيل، كما أن شركات إسرائيلية تعرض منتجاتها الزراعية في معرض مكناس الفلاحي. ولم يخف خيبته من عدم تجاوب القطاعات الحكومية المغربية التي راسلها [بينها وزارة الفلاحة] مع مطالبته بوقف التطبيع بكل أشكاله مع إسرائيل. المجتمع المدني يتكتل ويحتج ضد التطبيع، فيما المغرب الرسمي لا يعلق..

يقول الواقع إن إسرائيل لا يمكن أن تكون “شريكا” حقيقيا في مجال معقد وحساس مثل نقل التكنولوجيا الزراعية المتقدمة إلى بلدنا. لا فقط لأن هوى المغاربة فلسطيني، ولكن أيضا وبالأساس لأن الزراعة المغربية منافس حقيقي للمنتوج الإسرائيلي في أسواق العالم، وفي مقدمتها الأوربية. وبالنتيجة، وكما يكشف هذا التحقيق، فمن تسويق بذور الخضر والفاكهة المشبوهة إلى استنساخ شجر أرگان المغربي وغرسه في إسرائيل والمتاجرة في زيت أرگان المغربي على أنه أنتج بإسرائيل. إلى إغراق السوق المغربية بالتمر الرخيص المهرب، وإنشاء ضيعات عملاقة في جنوب شرق المغرب لإنتاج أغلى تمر في العالم ثم تصديره تحت علامة”صنع في إسرائيل”، وصولا إلى مزاحمة منتجي المزروعات الأصليين المغاربة في السوق المحلية والعالمية والتهديد بقطع أرزاقهم.. لا يبدو أن ثمة رادعا لشهية مختبرات الأبحاث ولجشع رجال الأعمال والتجار الإسرائيليين إلى سرقة واستغلال المنتجات المغربية المتوطنة وتخريب الزراعات وتهديد صحة المستهلكين. على الأقل هذا ما تبدو عليه الحرب الإسرائيلية على بعض أشهر المنتجات الزراعة المغربية ذات القيمة المضافة المرتفعة.

إنها حرب حقيقية لكن صامتة، وما يكشفه هذا التحقيق من مظاهرها لا يمثل سوى الجزء الظاهر من جبل الثلج العائم، وما خفي كان أعظم !
وخلاصة للموضوع، فإننا عندما نقول بأن فلاحتنا مخترقة إسرائيليا، فنحن لا تعبث بالكلمات بحثا عن إثارة رخيصة. والحقائق التي يوردها هذا التحقيق ناطقة بنفسها. ففلاحتنا مخترقة لأننا لا ننتج بذورنا، ونرتهن في الحصول عليها على فنوات تجارية مشبوهة.

وفلاحتنا مخترقة ثانيا، لأن قطاعا رئيسيا من اقتصادنا الزراعي [أركان] الذي يعيش منه ملايين الفقراء في إطار الاستغلال الأسري والتعاوني تعرض ويتعرض للسطو من الإسرائيليين.

ثم فلاحتنا مخترقة ثالثا، لأن الاستثمار الإسرائيلي في القطاع الزراعي يشتغل علنا بين ظهرانينا منذ سنوات بعيدة. ولا أحد يعلم من رخص له لكي يستحوذ على أراضي بسطاء المغرب العميق، ويضيق على الفلاحين المحليين.

الموضوع خَطِرٌ فعلا على أكثر من صعيد ومستوى. نحن من جانبنا فتحنا الملف، وعلى المسؤولين أن يخرجوا عن صمتهم أخيرا لإغلاقه!

إسرائيل تُنهي “الاحتكار المغربي” للأرگان!

ارتبطت شجرة أرگان واسمها العلمي argania spinosa))، على مدى ردح من الزمان بالمغرب. فهي شجرة متوطنة فيه منذ آلاف السنين. ورغم وجودها بشكل محدود في جنوب غرب الجزائر إلا أنها تعتبر شجرة مغربية بامتياز، حيث تمثل حاليا ثاني نوع من الأشجار في البلد بواقع حوالي 20 مليون شجرة تنتشر في مناطق جنوب غرب المغرب على مساحة شاسعة، حيث تغطي أكثر من 800 ألف هكتار.

ويعتبر حماة البيئة أرگان معجزة الطبيعة المغربية، لأن هذا الصنف العجيب من الأشجار الذي يقاوم الجفاف والشيخوخة (يصل متوسط عمرها إلى قرنين) يعد آخر جدار طبيعي يرد عن سهول الوسط والشمال الغربي للمغرب شبح التصحر الزاحف منذ عقود طويلة.

ولزمن طويل ظل الفشل ينهي كل محاولات نقل شجرة أرگان إلى بيئات جغرافية أخرى. فتندر البعض بأن الشجرة رمز للوطنية إذ ترفض مغادرة المغرب واستكانوا إلى الوهم، إلى أن استفاق الجميع مصدومين قبل ثلاث سنين على أخبار تفيد بأن إسرائيل أنهت أسطورة الاحتكار المغربي لأرگان. فقد أعلنت شركة إسرائيلية تحمل اسم “سيفان” عن تطوير نموذج مستنسخ عن الشجرة المغربية أطلقت عليه “أرگان 100”. كيف تم لها ذلك؟

تعود الحكاية إلى أكثر من ربع قرن، عندما ثم نقل بذور الشجرة من المغرب إلى إسرائيل حيث أخضعت للدراسة ثم الزرع في المختبرات. وتطلب الانتظار ثماني سنوات للحصول على أولى الشتلات لأن أرگان بطيء النمو. ثم بعد ذلك جرى انتقاء الأفضل بينها لتستنسخ بمعدل ألف نسخة من الشتلة الأم. وانتهى المختبر إلى توفير 20 ألف شتلة أرگان للمزارعين الصهاينة الذين غرسوها في مناطق صحراء النقب القاحلة وأشكلون وعرابا.

قد يبدو العدد هزيلا بالمقارنة مع غابة أرگان المغربية المكونة من 50 مليون شجرة، لكن خبراء الشركة الإسرائيلية إياها يزعمون قدرة شجرة “أرگان 100” على إنتاج عشرة أضعاف ما تنتجه جدتها المغربية، فضلا عن كونها أكثر مقاومة للأمراض والطفيليات والحشرات. ولا يخفي الباحثون الإسرائيليون غبطتهم من قرب إنتاج إسرائيل لتلك الزيت “التي يكثر عليها الطلب والمرتفعة الثمن”. ونشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية تصريحات مغرقة في التفاؤل لبعضهم من أن نقل شجر أرگان بنجاح من سوس إلى صحراء النقب “ليست سوى بداية المغامرة”. فما زال أمامهم انتظار حوالي عشر سنوات من الآن حتى تشرع غابات أرگان الإسرائيلية في إنتاج أول الغلال بواقع 100 كيلوغرام من الثمار للشجرة الواحدة، ينتظر أن تعطي بعد العصر (الصناعي) لترين من الزيت.

“مستوطنتان” إسرائيليتان لإنتاج تمر المجهول بالراشيدية!

في عمق الجنوب الشرقي للمغرب، وعلى بعد 24 كيلومترا من مدينة الراشيدية في اتجاه گلميمة، تمددت في الفلاة ضيعة زراعية نشرت نخيلها غير بعيد من الطريق الوطنية الرابطة بين الرشيدية وورزازات وترامت على امتداد أسفل سفح الجبل. على مدخلها كتب بأحرف لاتينية “بوروك تافيلالت 2″، إشارة إلى اسم الشركة المالكة للضيعة. بعض أبناء المنطقة يتندرون في أحاديثهم الخاصة بإطلاق اسم “مستوطنة الراشيدية” على الضيعة باعتبارها مملوكة لمستثمرين إسرائيليين، ويقولون إنها شاسعة جدا بشكل تبدو معه أكبر من قطاع غزة الفلسطيني. كما يجري الحديث عن توأمها ضيعة “بوروك تافيلالت 1” التي لا تقل عنها شساعة والموجودة في المنطقة نفسها.

أبناء المنطقة يتحسرون من جهة أخرى على كون الأرض التي أقيمت عليها “المستوطنتان” انتزعت من قبائل الرحل آيت حديدو، وآيت مرغاد، وآيت يزدي، وآيت سغروشن المنتمية جميعها إلى كونفدرالية آيت يفلمان وكذا قبائل رحل الكونفدرالية القبلية أيت عطا بكل تقسيماتها؛ هذه القبائل التي سالت عليها دماء أجدادهم في معارك مجيدة كتب عنها ضباط الاستعمار الفرنسي وأسهبوا في الحديث عن بطولاتهم، هذه الأرض تم تفويتها في الأخير وفي ظروف غامضة لمستثمرين إسرائيليين من أجل إقامة مشاريع زراعية لا تستفيد منها في النهاية لا المنطقة ولا المغرب، عدا كون من يديرهما هو رجل أعمال مغربي من سوس (ع ـ ق)، يمتلك مصنعا لإنتاج صناديق التلفيف البلاستيكية بالدار البيضاء( يقال إنه توفي قبل فترة).

وفي وقت تستعد الضيعتان لإنتاج محصولهما الثامن عشر هذا العام من تمر المجهول الفيلالي الشهير، يبدو أن السر الكامن وراء اختيار المستثمرين الإسرائيليين قد ظهر أخيرا. فإذا كانت إسرائيل قد سطت على نخل المجهول من خلال استيراده من أمريكا، فإن المحاصيل التي تجنيها لا تماثل جودة تمر المجهول المغربي، بسبب ملوحة الفرشة المائية التي تستقي منها نخلها. ولسبب ذلك على ما يبدو تم التفكير في إنتاج ذلك التمر الفاخر في بيئته الأصلية، حيث يروى بماء عذب ويحظى بظروف مثالية للنمو والإنتاج.

طماطم إسرائيلية في الأسواق تدمر الكبد وتسبب السرطان

ظهر في الأسواق المغربية في المدة الأخيرة نوع رخيص من الطماطم شديد الحمرة من الخارج لكنه أخضر من الداخل. وكان هذا النوع نفسه أثار ضجة كبرى في مصر قبل سنوات قليلة من اليوم، عندما نشرت بوابة جريدة الأهرام مقالا وصورا مقلقة حول الموضوع، فتفاعل الباحثون المصريون مع الموضوع وأشار بعضهم إلى كون تلك الطماطم تنتجها بذور تسربت إلى مصر عبر التهريب، بعد أن جرى تعديلها وراثيا في المختبرات الإسرائيلية لكي تكون شديدة الحمرة من الخارج فتغري المستهلكين، لكن عند فتحها تكون خضراء وغير ناضجة.

وأوضح باحثون آخرون بأن سبب خضرة الطماطم من الداخل هو احتواؤها على مادة السولانين السامة، وهي شديدة الضرر بكبد الإنسان على الأمد الطويل ويصعب على الجسم التخلص منها. وكشفوا بأن استهلاك تلك الطماطم يسبب السرطان.

وبعد نشر المقال القنبلة، تحركت وزارة الزراعة المصرية للتحقيق في الموضوع تحت ضغط الرأي العام، ثم أصدرت بلاغا تكذب فيه مضمون المقال وتطمئن الرأي العام المصري بأن العينات التي تم جمعها وتحليلها من الأسواق خالية من المادة المذكورة. لكن ذلك لم ينه الجدل في أرض الكنانة، واستمر الوضع في التفاعل إلى أن انتهى بسجن وزير الزراعة.

في المغرب، تنتشر الطماطم نفسها في الأسواق دون أن تثير ضجة. وفي مقابل تكتم الطرف المغربي حول حجم ونوع بذور الطماطم الإسرائيلية في بلادنا، لا يجد “الشريك” الإسرائيلي غضاضة في كشف المستور. فقد كشفت معطيات رسمية إسرائيلية أن 80% من بذور الطماطم المزروعة في المغرب مصدرها إسرائيل. وما دامت القنوات التجارية مقطوعة رسميا، فقد وجهنا السؤال إلى الناشطين المغاربة في رصد للنشاط الإسرائيلي في المغرب، حول مسالك استيراد تلك الكميات الكبيرة من البذور.

يرد ويحمان بأن الجانب الرسمي المغربي كان في مرحلة ما “متواطئا في هذا الموضوع. لكننا صرنا نسمع الآن عكس ذلك من بعض الوزراء الذين سألناهم في هذه الحكومة، حيث ينفون أن تكون هناك أية علاقة مع الكيان الصهيوني”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى