سياسة

لماذا يستهدف اليمين المتطرف مؤسسات بعينها في المغرب

الرباط اليوم

يقف المتتبع لبرامج الأحزاب والتيارات اليمينية المتطرفة في أوربا على كون الهجرة والاخر هي النقطة المركزية لهذه البرامج ومعادات المهاجرين وفي مقدمتهم الحاملين للديانة الإسلامية هي محور وعود مرشحي اليمين لناخبيهم.
وهو النقاش الذي برز واضحا قبل وبعد اتفاق الأمم المتحدة للهجرة الذي احتضنه مؤتمر مراكش والذي كانت سمته الرفض لاعتماد هذا الاتفاق من قبل الحكومات والسياسيين المنتمين إلى اليمين المتطرف في أوروبا.
ففي بلجيكا، استقال عدد من الوزراء من بينهم وزراء الداخلية والدفاع والمالية بعد خلاف مع رئيس الوزراء شارل ميشيل بسبب توقيعه على اتفاق الأمم المتحدة للهجرة.
وفي سلوفاكيا استقال وزير الخارجية ميروسلاف لايتشاك احتجاجا على رفض الحكومة اليمينية والبرلمان المصادقة على اتفاق الأمم المتحدة للهجرة.
ومن إيطاليا وبولندا والمجر والتشيك، وحتى صولا إلى الولايات المتحدة ساد اتفاق الأحزاب والائتلافات اليمينية الأوروبية على رفض ميثاق الأمم المتحدة للهجرة. هذا الرفض كان دائما مشفوعا بخطاب الكراهية والتحريض ضد المهاجرين ورفض الآخرإذ تختصر كل الخطابات في الغالب في ظاهرة الإسلاموفوبيا.
ففي ألمانيا كشفت دراسة لجامعة دويسبورج-إيسن أن وصول أكثر من مليون طالب لجوء إلى ألمانيا تسبب في إحياء نزوعات عنصرية لدى المواطن الأوربي كان يعتقد أن الحرب العالمية الثانية قد أقبرتها. ويكفي أن حزب البديل لألمانيا اليميني المتطرف، أصبح اليوم ممثلا في برلمانات الأقاليم الستة عشر.
وفي بريطانيا فقد رصدت مؤسسة يل ماما الحقوقية، التي تتبع جرائم الكراهية وقوع 608 جريمة مرتبطة بالهجرة خلال ستة أشهر من أصل 685 حادثة مرتبطة بالعنصرية بالبلاد. وأشار التقرير إلى أن غالبية الإعتداءات مرتبطة بظاهرة الإسلاموفوبيا. وبحسب التقريرفإن 207 من الاعتداءات الإسلاموفوبيا المذكورة ارتكبت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهو ما يمثل أكثر من ثلث الجرائم، مما يفسر تحولا خطيرا نحو رقمنة الاعتداءات على المهاجرين.
وفي النمسا يعتبر هربرت كيكل أهم منظري اليمين المتطرف، وهو أحد الخبراء الإستراتيجيين لحزب الحرية النمساوي القومي ليصير وزيرا للداخلية قضيته الكبرى أن يعيد تشكيل سياسات أوربا وخطابها السياسي حول الهجرة بشكل جذري. فعلى سبيل المثال، بمجرد تقلده منصب وزير الداخلية غير أسماء مراكز معالجة بيانات اللاجئين لتصبح “مراكز المغادرة”، وهو صاحب شعار الوطن بدلا من الإسلام.
أما في اسبانيا لم يكن حزب فوكس الذي تأسس عام 2013 سوى حزب صغير يكاد لا يسمع به، لكنه تمكن في الانتخابات 29 أبريل2019 من الفوز بـ24 مقعداً في البرلمان الإسباني من أصل 350، أي ما يعادل نسبة 10%، ليعلن اليمين المتطرف نفسه لاعباً جديداً على الساحة السياسيةالاسبانية للمرة الأولى منذ انتهاء عهد فرانكو عام 1975. وكان قبل ذلك قد حصل حزب فوكس في دسمبر 2018 على 12 مقعداً في البرلمان المحلي بإقليم الأندلس.
زعيم حزب فوكس سانتياغو أباسكال في لقائه مع راديو إسبانيا أوضح أن وسائل الإعلام التقليدية “طالما قامت بتحريف رؤيتنا في الماضي، ونقلتها إلى الجماهير بطريقة سيئة”.
يتضح إذا أن الحرب على الهجرة أخدت عدة أبعاد وفتحت جبهة جديدة من خلال ضرب المؤسسات والأشخاص والمثقفين والصحف التي تمثل مقاومة ضد العنصرية والاسلاموفوبيا.
فالمغرب الذي نهج سياسة متعددة الأبعاد حول الهجرة قوامها المأسسة والتفاعل والتكاملية مع دول الإقامة يجد نفسه اليوم في الصفوف الأولى لهجمات اليمين الأوربي على رموزه ومؤسساته وتجربته.
ويبرز ذلك من خلال صراعات تدار أحيانا بالوكالة وأحيانا أخرى بشكل مباشر.
فعلى المستوى الديني وبالرجوع إلى التاريخ القريب نقف على ماعرف باتفاقية الجناح الشرقي بين بلجيكا والعربية السعودية والذي سمحت بموجبه بلجيكا للعربية السعودية بإدارة المسجد الكبير لبروكسيل مما جعله المنصة الأساسية لظهور التيار الوهابي وانتشاره في كل أوربا. واليوم تعمل دولتان خليجيتان على استنساخ التجربة مع اسبانيا مع تغيير الإسلام الوهابي بنموذج جديد، نموذج يحاول تهجير تجربة مؤمنون بلاحدود التي فشلت في الدول الإسلامية، محاولين نقلها لأوربا.
أمام هذه التحديات صمد النموذج المغربي باعتباره نموذجا حاملا لإمكانية العيش في اوربا ولكونه يقوم على محددات دينية تراعي السياق الثقافي والتاريخي لأوربا. صراع مع دول تملك إمكانيات مالية كبيرة وتغيب عنها المعرفة بالسياق الأوربي وتتقاطع مصالحها مع مصالح اليمين المتطرف الذي يرى في هذا النموذج الجديد حليفا مرحليا لضرب ما يمكن أن يصبح إسلاما أوربيا ثم بعد ذلك يسهل ضربه كما حدث للتجربة الوهابية الغريبة عن السياق الاوربي.
وعلى مستوى النموذج الأمني فالإجماع الدولي حول ما قدمته الأجهزة الأمنية المغربية وما راكمته من خبرة واستباقية في التعاطي مع قضايا الإرهاب وتفكيك الخلايا المتطرفة والاحترام والقبول الدولي لهذا النموذج، دفع ويدفع باليمين الأوربي إلى ضربه من خلال تقديم الأجهزة المغربية كخارقة وغير محترمة لقوانين وأعراف العمل الأمني الدولي.
هذا الاختراق اليميني المتطرف للإعلام والسياسة في أوربا تشتغل فيه بشكل كبير استراتيجيات متعددة لضرب المغرب باعتبار تجربته في الترافع وفرض مكاسب للمهاجرين عموما وللهجرة الإفريقية خصوصا، ومن ذلك اللجوء إلى خدمات ما يمكن أن يطلق عليهم مغاربة القذافي في أوربا لدفع النقاش والصراع أن يظهر كأنه داخلي وإما شن حروب ضرب صور المؤسسات التي تمثل هذه الخصوصية المغربية.
فمقال إلموندو وبالتدقيق في معطياته يتضح أنه يستهدف ثلاث مؤسسسات قاسمها المشترك أنها تشتغل على الدين والهجرة والتطرف.
فالإصرار على ذكر المديرية العامة للدراسات والمستندات في المقال أكثر من ثلاث مرات ووزارة الأوقاف لمرتين ومجلس الجالية لمرتين يستبطن خلفية دقيقة تشتغل على ضرب المصداقية والرمزية ويدخل ضمن استراتيجية خلق قضية لهذه المؤسسات تلهيها عن مهامها.
وبالتركيز على مجلس الجالية المغربية بالخارج يتضح أن اليمين المتطرف يضعه ضمن أولويات ضربه ليس فقط في هذا المقال ولكن ضمن تصور متكامل يقوم على تقديمه كمؤسسة لاتحترم قوانين دول إقامة الجالية وتقديم مسؤوليه وأطره كأشخاص مشكوك في ذممهم.
هذا الاستهداف من اليمين الاسباني على الخصوص ناتج لكون ما حققه مجلس الجالية (برغم كل الانتقادات والتحليلات التي قد يتفق معها وقد يختلف) فعلى المستوى الاستراتيجي استطاعت هذه المؤسسة أن تجعل قضايا الجالية داخل المغرب قضية أساسية للمجتمع وللسياسات العمومية وطورت من فهم المغاربة لموضوع الجالية، وعلى المستوى الخارجي استطاع المجلس على الأقل أن يلم ويجمع جهود الغالبية العظمى من أبناء الجالية المغربية، وأن يخلق وعيا جماعيا لدى الجالية وهو ما يقوض أسس وأهداف اليمين المتطرف في اوربا على الخصوص. بل وحتى المعطيات التي سردها المقال حول تجميع سبعين مسجدا بكتالانيا في اتحاد للجمعيات يجعل الصورة تتضح أكثر.
إن تركيز مقال إلمندو على صور نساء مرتديات للحجاب في مغالطة من ناحية أخلاقيات المهنة (فهو أدمج صورة مغلوطة ونسبها لشخص لاعلاقة له بها) وإدراج أسماء مسؤولين بعينهم يعرف صاحب المقال أكثر من كاتبه قدراتهم وكفاءاتهم وعطاءاتهم في موضوع الهجرة والأمن، هذا التركيز يستبطن خلفية ضرب الشخص أجدى من ضرب المؤسسة.
ضمن هذا السياق يتضح أن مصالح اليمين ومصالح بعض الدول الخليجية القادمة حديثا للمنطقة تتقاطع في كثيرا من قضايا الهجرة والتدين وكذا في خريطة القضايا السياسية للمنطقة المغاربية عموما، فأحداث ليبيا وتطور موقف فرنسا من حفتر والحراك الجزائري بالشعارات التي يحملها أحيانا ضد دولة خليجية وانتخابات موريتانيا وتداعيات استقالة وزبر الداخلية التونسي وما راج حولها، كلها عناصر تستلزم الجمع والترتيب من قبل المتتبع لتتضح صورة الصراع إلى أين. ولتتضح معها أبعاد الحروب بالمال الخليجي والفكر اليميني والموارد البشرية المرتزقة.

سعيد الخمسي


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى