رياضة

مدرجات مركب محمد الخامس.. متنفس الشعب!

الرباط اليوم: عمر الشرايبي

على امتداد تاريخ 14سنة عن انطلاق حركية “الالتراس” في ملاعب كرة القدم المغربية، عاش الشباب الحامل لهذا “الفكر” والمؤمن بمبادئه، على فترات الميلاد العسير، مرورا بالمقاومة ثم البحث عن الاستمرارية، في مشهد يوازي ما يعيشه المجتمع المغربي من وضع، دون البحث عن إسقاط أو نسخ تجارب أخرى، عالمية منها أو مجاورة.

اليوم، وقد أصبحت “الالتراس” مبدأ قائم الذات، رغم محاولات طمسه المتكررة، قاوم “الشغب” بالإبداع وفرض على الدولة أن تغير من مقاربتها في التعامل معه، رغم أن الكيان “فائق للعادة” ولا يعترف في ديباجة تأسيسه بـ”الإطار المنظم”، كما هي جمعيات المجتمع المدني أو الأحزاب السياسية.. الأخيرة التي أصبحت “الألتراس”، عمدا أو من غير قصد، تلعب بعض الأدوار المنوطة بها وتحمل رسائل من صلب مؤتمراتها، جعلت البعض يضع “الالتراس” في خندق “التسييس”.

لماذا يخشى الأمن من رسائل “الالتراس” في المدرجات المغربية؟ هل يتم استغلال الحركية لمآرب سياسية؟ وكيف يقاوم شباب “الالتراس” رقابة جهاز الدولة؟ أسئلة بين أخرى تسيل المداد كلما تحول إبداع “التيفو” إلى رسالة مستوحاة من مخيلة الأدب، الفلسفة أو الشعر!

الالتراس والأمن.. مقاومة التسييس؟

تعود بنا ذاكرة الأحداث إلى تاريخ 27 أكتوبر 2009، حين تدخلت عناصر الأمن المغربية لمصادرة “تيفو” فصيل”الترا ايكلز”، المساند لفريق الرجاء الرياضي، لإعتبارات رأتها الأجهزة الأمنية سياسية، إلا أن “التيفو”، حسب القائمين على إعداده، كان يدعو فقط إلى نبد الخلافات بين الشعبين المغربي و الجزائري بعبارة مستوحاة من أغنية للفنان الشاب خالد “لله يا جزاير”، بينما بررت عناصر الأمن قرار منعه بدعوى أن الرياضة لا يجب أن تتدخل في الأمور السياسية.

بعد مرور عشر سنوات على الواقعة، لم يتغير المشهد، رغم التطور الذي شهدته حركية “الالتراس” في المغرب ومساع الأمن لمسايرة عقليتها، حيث أضحى التواصل مع الفصائل منتظما في إطار تنسيق ثنائي، بعيدا عن سياسة شد الحبل ومقاومة “القمع”، لكن التاريخ أبى إلا أن يعيد نفسه مع أول تأويل وقراءة خاطئة لمضامين رسائل المدرجان، كما هو الشأن خلال مواجهة “الديربي” بين الرجاء والوداد، حين رفع فصيل “غرين بويز” المساند للفريق “الأخضر”، لوحة “تيفو” تستدل بـ”الغرفة101″. رائعة البريطاني جورج أورويل التي ترمز للاعتقال السياسي والتعذيب.

وبالرغم من أن عرف “الالتراس” كان يستوجب انتظار الـ”CR)”Compte Rendu) الخاص بمضامين وفحوى الرسائل المرفوعة خلال المباراة، إلا أنه بمجرد أن التقطت عدسات “الكاميرا” للوحة “الغرفة 101″، حتى شرع المحللون في إبداء تصوراتهم حول المغزى من “التيفو”، إلى أن تم الزج به في خندق الرسائل السياسية، كما تداوله الإعلام الأجنبي كذلك.

فصيل “غرين بويز”، من خلال بلاغ رسمي، حذر من “الركمجة” ووضع حدا لما يشاع، مزكيا ابتعاده عن أي خطاب سياسي ومجنبا “تيفو” المجموعة من تأويلات غير تلك التي سردها في سطرين، إلا أن الـ”Feedback” لم يسر في الاتجاه السليم، حين ردت مصالح الأمن على فصائل الرجاء بمنع “التيفو” المقبل، في الوقت الذي كانت تستعد فيه لرسم لوحة جديدة على هامش المباراة أمام فريق الترجي التونسي.

هو امتداد تاريخي لمحاولات الزج بـ”الالتراس”في خندق السياسة، ففي فبراير 2015، على سبيل الذكر ليس الحصر، ناشد “التراس وينرز” جماهير الوداد بتجاهل ما نشر في الاعلام من تبادل للاتهامات بين حزبين سياسيين معتبرة ذلك “ﻻ يعدو كونه مجرد حملات تشويه مضادة بينهما”، كما أن بلاغات جل المجموعات تسير في هذا المنحى، بالرغم من أنها تتخد من مدرجاتها منصات لرسائل مجتمعية دات حمولة قوية، موجهة “عن قصد” أو “غير قصد” للنخب السياسية في البلاد، كما هي شعارات من قبيل “فبلادي ظلموني” و”صوت الشعب”.

كروية السياسة.. هل تبقى المدرجات في منأى؟

“كروية السياسة”، وضع قائم الذات في المغرب، رغم أن القوانين تمنع الجمع بين الرياضة والسياسة، وهذا ما تنص عليه الفيفا في الفصل 13 و16 من قانونها الأساسي اللذان ينصان على “إدارة شؤون جامعات كرة القدم بشكل مستقل و ضمان أن لا يتدخل طرف ثالث في شؤونها “. فهل تبقى المدرجات المغربية في منأى عن هذه القطبية؟

يتذكر الرأي العام الكروي المغربي أنه في يوليوز 2013، تدخلت “فيفا” لتأجيل جمع عام الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، نظرا لتدخل السياسة في الرياضة، وظل الوضع قائما حتى بعد انتخاب رئيس جديد لجامعة كرة القدم، حيث اجتمع هذا الأخير برئيس الحكومة المغربية في فبراير 2015، الأخير حذره من إقحام الصراعات السياسية في شؤون كرة القدم، فوزي لقجع كان قد هدد، حينها، بإيقاف الأنشطة الكروية بعد تصريحات اعتبرها تمس بجوهر التداخل السياسي ـ الرياضي.

وضع المغرب يعيدنا إلى النموذج الإيطالي، في إيطاليا خلال ستينيات القرن الماضي، جرى استغلال مجموعات “الألتراس” من قبل الساسة الإيطاليين، حيث أن في العاصمة الإيطالية روما تحول “ديربي” كرة القدم التقليدي بين فريقي العاصمة “لاتسيو وروما”، إلى مواجهات ذات نكهة سياسية، لكون الغالبية من مناصري “آس روما” ميالين إلى اليسار وإدماج الأجانب في المجتمع الإيطالي، بينما تميل غالبية مناصري “لاتسيو روما” إلى اليمين وبعضهم يتبنى الفكر العنصري، وبناء عليه، اتجهت روابط المشجعين، حقا، من ملاعب الرياضة إلى المنابر السياسية، وبسبب تداخل السياسي في الرياضي، تدخلت “الفيفا” لإعادة المياه إلى مجاريها.

“إلتراس” المغرب.. الاتحاد الاشتراكي والـPJD

“لشكر بولحناك.. اتقوا الله قبل أن ينزل عليكم الهلاك”. رسالة نسبت إلى فصيل “غرين بويز” ذات أمسية من سنة 2014، في خضم الصراع بين التيار الإسلامي، الذي يقوده حزب “العدالة والتنمية” وحزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، باعتباره حزبا حداثيا يتبنى الفكر اليساري الاشتراكي، حيث انخرطت المدرجات، حينها، في حملة “تكفيرية” ضد ادريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، بناء على تصريحاته حول مسألة “الإرث”، وهو مشهد تكرر في أكثر من مناسبة، لتستغله بعض الأطياف في صراعاتها “الانتخابوية”، في غياب ما يتبث إن كانت فعلا لها علاقة في توجيه مجموعات الأنصار أو غير ذلك.

الالتراس في مصر.. بين الثورة واستغلالها

سبع سنوات مرت على أحداث ما سمي بـ “مذبحة بورسعيد”، والتي وقعت أثناء مباراة بين فريقي “المصري” و”الأهلي”، راح ضحيتها 72 قتيلا ومئات المصابين… مازالت شوارع القاهرة تحتفظ بتلك الذكريات الأليمة، لكن الحديث عنها أمام الأضواء يظل عصيا، في ظل الوضع القائم هناك والتضييقات التي تشهدها الحركية منذ اندلاع ثورة ساحة التحرير.

صادفت ذكرى “مجزرة” بورسعيد، الأولى لموقعة “الجمل”، عندما اقتحمت الخيول والجمال قبلها بسنة، ميدان التحرير بوسط القاهرة، محاولة لإيقاف شرارة الثورة المصرية، حتى أن البعض تساءل عن الأسباب والدوافع الحقيقة وراء تلك الأحداث وتفاصيلها، حول تمكن مشجعي فريق المصري من اقتحام الملعب بمجرد انتهاء المباراة في ظل غياب وانسحاب أفراد الأمن الموجودين طوال 90 دقيقة وعدم تدخلهم واختفائهم عقب أحداث الشغب وغلق الأضواء الكاشفة والبوابات عليهم، فضلًا عن شهادات عدد من المشجعين والناجين من الموت بأن الأمن الذي يراقب البوابات.

إلى غاية اليوم، تظل فرضية ضلوع أطراف في النظام وقوات الشرطة المصرية، وقتها، لتدبير عمل انتقامي من مجموعات “الألتراس” أو تواطؤهم على تمرير ضربة قوية تجاههم، قائمة، لاسيما أن نبض الثورة كان يتجسد في الدور الذي لعبه أفراد روابط “أهلاوي” و”وايت نايتس” في إسقاظ نظام حسني مبارك، بالرغم من أن الفصيلان قد أعلنا عدم انخراطهما، انسجاما مع مبدأ الحركية ذات البعد الرياضي.

مدرجات مركب محمد الخامس.. متنفس الشعب!

“فبلادي ظلموني”.. “بقلب حزين”، و”الحبيبة يا فلسطين”.. إنها ليست بعناوين مذكرات معتقلين سياسيين ولا هي شعارات شارع أحمد بورقيبة بتونس أو ميدان التحرير بمصر، وإنما يكفي أن تحجز لك مكانا في مدرجات ملاعبنا المغربية، حيث تدوب الألوان والانتماءات الكروية وراء إبداع من نوع آخر، لتلتقط آذانك رسائلها القوية.

تعدى صدى الكلمات نطاق جغرافيا المكان، ليتحول إلى واجهة مدرجات ملاعبنا المغربية، فاقتسمها العرب رغم صعوبة فهم اللهجة، إلا أنها مدلولها كان يسيرا في الاستيعاب وحفظه الملايين عن ظهر قلب، في الوقت الذي استسلمت الدولة وحكومتها لحناجر عشرات الآلاف بمدرجات مركب محمد الخامس.

ترددت في فترة سابقة، شائعات حول منع ترديد أغنية “فبلادي ظلموني” تزامنا مع مباريات الرجاء، إلا أنها عادت أكثر قوة وهي تجتاح شاشات التلفاز عبر محطات تلفزية أجنبية..”أمّة مريضة بالمشاكل وفساد الحكومات ومستقبل كله ظلمات”، هكذا يصورون المشهد في لوحة جميلة، تحمل بين ثناياها صرخة شعب يشارك إخوانه العرب ذات الهموم، من الشمال إلى الجنوب.. يستغل منصته ليوصل صوته، هذا الأخير الذي لقب باللاتينية “Vox Populi” قبل عقد من الزمن، ليظل كذلك في محاكاته للواقع المعاش.

في الماضي البعيد، كانت السلطات الأمنية ترتعش من صدور جريدة “المحرر”، حيث تسارع الزمن من أجل مصادرتها قبل الطبع، لتتطور الأزمنة، وتصبح رسائل مدرجات “دونور” أشبه بخطابات زعماء اليسار من معارضي النظام، ليظل الهاجس قائما حول مدى استيعاب أكبر تجمع أسبوعي؛ في الملاعب المغربية تحوي ما تعجز عنه تجمعات الأحزاب، النقابات وجمعيات المجتمع المدني، أنها شعارات لأكبر “صحيفة” مقروءة في الهواء الطلق!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى