RABATTODAYالرئيسيةوطنية

إبن: هكذا ساهم أبي في إنقاذ الملك من انقلاب الصخيرات

1487239883_650x400
الرباط اليوم: سارة الشملي
حين قرأت مقتطفات من كتاب مجنون الملك لصاحبه ماحي بينبين، أحسست بالكثير من الالم في سيرة رجل، و كانت مهمته الاساسية أن يضحك ملك البلاد، ويسليه عن هموم الحكم و أحزانه، وهو الذي لم يكن يغادر القصر، إلا مرة في السنة لمدة 15 يوما، كان ينتشلها من أجل رؤية أسرته..

في سيرة الماحي ببين الكثير من التمزقات، سخرية القدر وسطوة حوادث التاريخ التي تسير بخطوات عمياء أحيانا في بيت أكبر مبسط كان يمنح البهجة للسلطان، ويتقاضى أجرا ليبيع الأوهام الجميلة التي تغذي ذاكرته وتنشط خياله السياسي، ولكنه طلق زوحته و تنكر لابنه الذي شارك في انقلاب الصخيرات في يوليو 1971 حيث كان أبوه محمد مختبئا في القصر الملكي إلى جانب الحسن الثاني وفي عز انتظار الموت قال محمد ببين للملك في قمة رعبهما المحض إنساني “سيدنا عفاك إلى من تدخل لي عندهم وترجاهم ما يطلقوش الرصاص على راسي راه ما داير والو مسكين، راه سباب البلا هي كرشي اللي جابتني الهنا وحصلاتني فهاد المصيبة معاك أسيدنا و استطاع أن يضحك ملكا ينتظر الموت في أس دقيقة.

هل مضي الزمن وبعد المسافة عن زمن وقوع الاحداث، جعل الماحي بينبين يعيد تأثيث صورته بشكل واضح مع نفسه، و مع أبيه مبسط ؟

لقد مرت حوالي 25 سنة من خروج أخي من تازمامارت، وتوفي أبي رحمة الله عليه، لقد مكنني بعد المسافة مع الاحداث من أشيد علاقة جديدة مع الوقائع والتمزقات التي عشت في قلبها لقد كان عمري 12 سنة، حين وقع انقلاب الصخيرات و تنكر أبي لأخي عزيز وتبرأ منه عام 1971، وكان طبيعيا أن انحاز على ما تمليه على العواطف الانسانية إلى جانب أخي الذي غاب عنا طويلا دون أن نعثر له على طريق، لقد عشنا تمزقات عائلية خطيرة، لكن بعد الزمن يجعل من روايتي مجنون الملك نوعا من المصالحة العائلية، فلذلك اخترت أن يكون السارد في هذه الأحداث على لسانه..لقد اقتربت من الستينات، لم يعد القلب يحتمل أي حقد على أبي.

الكتاب إذن يشكل نوعا من التطهير أو الكاتار سيس بتعبير أرسطو حين حديثه عن وظائف التراجيدية؟

تماما لقد قمت في كتابي مجنون الملك بنوع من المصالحة العائلية 25 سنة تكفي للنسيان، نسيان الماضي و جراحاته.

في كاتبك يبدو أنك تريد أن تطرد الالم من ذاكرتك، وتسير على درب عفا الله عما سلف؟

لقد قاطعت الوالد لمدة 15 سنة، حين أعلن أبي عزيز بينبين، أخي مسخوط وعاق، وتبرأ منه، لم أزر أبي و اصطفت إلى جانب أمي و أخي، ومن غرائب الأمور أنني في الوقت الذي كنت أنتظر أخي بمدينة الجديدة بعد الافراج عنه من معتقل تازمامارت، أول ما قال لي هو ديني للرباط نشوف با توحشتو بزاف، تأملت هذه المفارقة العميقة، وأنا الحر الطليق عير المحروم من متع الدنيا و مباهجها قاطعت أبي بسبب تنكره لأخي، الذي عاش في معتقل رهيب للموت، و أخي الذي كان في غياهب الجب، أكبر دمل للجرح على جسد المغرب المعاصر اسمه تازمامارت يرغب في رؤية الأب الذي تبرأ منه (يضحك)، قلت له بنرفزة “آش بغيتي تشوف فيه، عندك ما تشوف فيه، لكنه قال لي بإصرار “ديني نشوف الوليد توحشتو بزاف…” كان المنتظر حزينا ومليئا بالعواطف الهشة ولكن العميقة، و لما حملت عزيز إلى الرباط في سيارتي، وتعانقا بحرارة أذهلتني، الفقيه يبكي وأخي عزيز يبكي يضحك بسخرية مرة، لقد أحسست بمشاعر عميقة بقمة التناقض وأنه خاصمت أبي و قاطعته من أجل أخي وهو الآن فرح بلقاء أبيه الذي بكى بحزن شديد حين التقاها وأحسست أنني لا يمكن أن أكون أكثر ملكية من الملك، و انخرطت في مسلسل المصالحة العائلية.

في سيرتك الذاتية هناك قدر أحمق وأعمى، أب مبسط للملك مهرج السلطان، وابن ضابط ساخط، يحمل رشاشا ويدخل القصر الملكي من أجل قتل الملك، كان يمكن أن تصدر من رشاش طلقة تصيب اباه في مقتل كيف تتصور معي الامر؟

كان أبي مختبئا مع الملك الراحل صحبة سبعة أشخاص في طابق تحت أرضي، وفي عز الرعب والخوف من الموت،أحس أبي الفقيه بنبين أن الحسن الثاني دهشر ما بقاش قاد يفكر، فقال للملك بسخرية”عفاك أسيدنا بغيت نطلب واحد الطليبة، فرد عليك الملك بنرفزة، واش بان ليك الفقيه، حنا فالحالة اللي طلب مني شي حاجة قال له” والو أسيدنا عافاك تدخل لي عند هاد اللي باركين يقتلو فالناس، الله يخليك أسيدنا إلى ما توسط لي عندهم باش ما يضربونيش للراس، راه راسي ما دار والو، وصيهم يضربوني لكرشي راه هي السبب اللي جابتني لعندك وخلاتني نشوف هادشي، راه كرشي هي المصيبة الكحلة، و انخرط حينها الملك الحسن الثاني في ضحك هستيري وهو في مواجهة الموت، ويبدو أنه في لحظتها استعاد الكثير من حيويته و استيفظ من أثر الصدمة، فقال للمختبئين معه، يجب أن نغادر هذا المكان، ونرى ما سيحدث لقد كان أثر المهرج هنا ايجابيا، ليس فقط للتسلية والمزاج، بل لانقاد ملِك ومُلك من الانهيار.

كان أبوك الفقيه بنبين آخر من يغادر غرفة الحسن الثاني يغادر غرفة نوم الحسن الثاني، يظل يحكي له الطرائف التي سمعتها على لسان أبيك في هكذا موقف؟

كان أبي مفضلا كمبسط و مؤنس للملك الراحل الحسن الثاني، لذلك لم يكن يسمح له أبدا بمغادرة القصر الملكي إلا مرة واحدة كل سنة، يسمح له بأخذ عطلة خمسة عشرة يوما، ليأتي عندنا كان تيجي باش يخلع أي يصنع الخليع ويرى أسرته، أما باقي الأيام فيقضيها بين يدي الملك الحسن الثاني في قصره بالرباط، كان لا يغادر فراش نومه حتى يتأكد من نومه، وهناك كانت تحدث الكثير من الطرائف، حين يعلو شخير الحسن الثاني كان أبي يعرف أن الملك قد نام فيغادر غرفة النوم بحذر، ولكن أحيانا كان يحكي ويروي نوادره ولا يعرف ما إذا كان الملك لازال مستيقضا فكان بذكائه يلجأ لبعض الحيل للتأكد من صحو الملك، فيقول له مثلا و أخذ هارون الرشيد لاسانسور أي المصعد، فإذا لم يضحك الحسن الثاني يتأكد أبي بأن الملك قد نام.

كيف دخل أبوك القصر الملكي، وكيف تعرف عليه الحسن الثاني؟

كانت أم كلثوم قد أتت إلى المغرب والتقى بها الفقيه بنبين، وبدأ يقرأ عليها أشعار شاعر الحمراء التي يحفظها عن ظهر قلب، فقالت له سيدة الطرب العربي أريد نسخة من دواوينه ، فرد عليها بنين، بأنه لا توجد أي نسخة مكتوبة ولما التقت الحسن الثاني، قالت له باستغراب جلالة الملك لقد استمعت إلى قصائد لعمر الخيام المغرب، واسغربت عدم وجود أي كتاب له فأمر الحسن الثاني بجمع أشعار محمد بن ابراهيم وطبعها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى