RABATTODAYثقافة وفنون

“أنتيخريستوس” عصير الكتب.. الرواية التي أثارت الضجة

13249756_123852831364180_139558069_n
الرباط اليوم: سوفيا التازي
رواية أثارت مؤخرًا ضجة بين الكتَّاب ومحبي الكتب، بل حتى من لا يحب المطالعة قد أثارت اهتمامه.. كنت كلما دخلت مجموعة من المجموعات الفيسبوكية المهتمة بالقراءة والكتب، وجدت نقاشات حولها، لم أعر للأمر اهتمامًا كبيرًا في بادئ الأمر فخلتها رواية رعب من خلال الغلاف وصورة رجل أعور غريب الشكل أكثر منه مخيفا، والذي يبدو كمن يحدجك بعين واحدة.

لكنني بدأت أهتم لأمر هذه الرواية الذي تحمل ذاك العنوان الغريب لما زادت شعبيتها بين الصفحات والمجموعات، خصوصا بعد تطلعي على كمية كبيرة من التعليقات الإيجابية وفئة قليلة من التعليقات السلبية التي بدورها زادتني حماسًا لقراءتها.. مما دفعني لوضع “أنتيخريستوس” على رأس القائمة الشهرية للكتب.

كل ما يمكن لقارئة مثلي أن تقول.. قارئة لا يجذبها الصنف العادي من الروايات ولا تغريها الطرق التقليدية المملة في الحكي والسرد.. قارئة يجذبها كل ما هو مختلف، متميز، خارق للقانون الكلاسيكي لكتابة رواية إن صح القول.. كل ما اختلف حوله القراء والنقاد بشدة.. كل ما لفت حوله الرأي العام وأثار ضجة.. قارئة لا تغريها أغلفة الكتب الملونة ولا عناوينها المختارة بعناية.. ببساطة يمكن لهذه القارئة أن تقر وتعترف بدون إفراط أو تفريط بالتالي:

“أنتيخريستوس” من أفضل الكتب التي قرأت على الإطلاق شخصيًّا أجد أنه من المؤسف أن يهتم الروائي بالشكل أكثر مما يهتم بالمضمون أو يهتم بالمضمون أكثر من الشكل.. فنادرًا ما أتشرف برواية تجمع كلاهما كما الحال مع رواية الكاتب الشاب د.أحمد خالد مصطفى “أنتيخريستوس”.

فبالنسبة للشكل جعل الكاتب من الرواية محط تشويق وإثارة.. مستخدمًا أسلوب معالجة من أحسن الأساليب التي قرأتها مؤخرا بل أفضلها.. ذاك الأسلوب الذي يجعل من القارئ مخاطبًا فيحس أنه المقصود حين يكلمه الكاتب بصيغة غير مباشرة أو مباشرة أحيانًا.. بل يجعل شخصيات الرواية بإنسها وجنها وشياطينها هي من تخاطب القارئ بطريقة مستفزة في معظم الأحيان. أبدع بتجميع وحبكة متفننا في سحبِ القارئ وأسره بين قضبان الروايةِ.. أبدع كذلك في ربط الأحداث بطريقة سلسة تجعلك تحس أنك تبحر بين الأجزاء لترسي أخيرا على نهاية الضفة متحمسًا للإبحار ثانية في جزء آخر.

أما مضمونًا فسأسمح لنفسي أن أقدم -ولأول مرة- خلاصة تختزل المضمون طبعا دون الخوض في التفاصيل.. فأنا لا أجيد ثقافة حرق الأحداث للآخرين..

في البداية سيكون عليك حزم حقيبتك.. ليسافر بك الكاتب إلى الماضي.. الماضي البعيد.. 2000 سنة قبل الميلاد بمدينة بابل وبداية السحر على وجه الأرض.. من هناك ينطلق بك ليكشف لك عن قصص وأحداث شخصياتها حقيقية -كما يشير التنويه في أول الرواية- من خلال لعبة ورق مشوقة تلف بك حول نفسها بغموض أحيانا وبوضوح أحيانا أخرى لتزودك بقدر هائل من المعلومات والأسرار حقيقية بنسبة كبيرة.. هكذا يكون قد لقنك التاريخ المعلوم منه واللامعلوم.. المعروف منه والمجهول.

جعل الكاتب بطل الرواية “بوبي فرانك” يجول بك في ذاك الزمن القديم يصف لك ملحمة تاريخية تحكي قصة النمرود وزوجته سميراميس محبوبة الحمائم ويجعل من قرأ أمهات كتب التاريخ يستنتج أن النمرود هو نفسه الملك الضحاك الذي عاش في زمن النبي إبراهيم عليه السلام.. ثم ينتقل بك لقصة الملكين هاروت وماروت وقصة إنانا.. عاهرة الملوك.. فما تلبث أن تستوعب كنه تلك الأسرار حتى يأخذك في رحلة أخرى لمملكة سليمان عليه السلام لتكشف كيف قتل كل السحرة وتدري بعدها حقيقة تنظيم الفرسان.. “فرسان الهيكل”.. ثم يكشف لك عن سبب تغيير اسمهم إلى “البنائين الأحرار” freemasons بعد فرارهم الى سكتلندا فيجعلك الكاتب تحضر محافل ماسونية وتكتشف أسرارًا لم ولن تجدها في أمهات كتب التاريخ..

بعدها يأتي بك بدون إشهار أو سابق إنذار لميلاد وبعثة “محمد” آخر الأنبياء والرسل عليه الصلاة والسلام وقيام الدولة الإسلامية.. ليمر بك مرور الكرام على أحداث مهمة من السيرة النبوية الشريفة ثم يسرد بطريقة مختصرة ومحايدة لأحداث الصحابة والفتنة الكبرى بين “علي بن أبي طالب” و”معاوية بن أبي سفيان” رضي الله عنهما.. فيقدم لك أخيرًا صورة واضحة لخروج الطائفة الشيعية بعد استشهاد “الحسين بن علي” سبط رسول الله في كربلاء..

هنا يبدأ العد العكسي البطيء ترافقه مشاعر التشويق والإثارة التي تصاحبك منذ بداية الرواية ولا تفارقك حتى تمامها.. فبحركة ورق سحرية يأخذك الكاتب مرة أخرى لسنة 1450 قبل الميلاد وهذه المرة ليحكي لك قصة دراكولا الحقيقية.. مصاص الدماء الشهير وعلاقته بالتنظيمات الماسونية التي أجهزت حملات ضد الدولة العثمانية في تلك الفترة من التاريخ.. فتجد نفسك أمام الحدث العظيم “فتح القسطنطينية” على يد “محمد الفاتح”..

بإمكاني القول إنه في معظم لحظات قراءتك لسطور الرواية، تجد نفسك محاطًا بها من كل جانب وصوب.. وتتملكك رغبة في تدوينها على أوراق أقرب مذكرة؛ لتسرع بعد ذلك لإكمال مرحلة الأوج من الرواية.. غزو إنجلترا للقارة الأميركية وإبادة الهنود الحمر السكان الأصليين، والكشف عن النسخة الأصلية من القصة التي أخفتها أميركا عن العالم.. ثم يكشف لك عن أبرز المنظمات التي تفرعت عن الماسونية وعلاقة هذه الأخيرة بتوحيد صفوف المستعمرات الإنجليزية لتقوم بعدها الثورة الأمريكية والإعلان عن أول إنجاز للماسونية: استقلال أميركا سنة 1776 ميلادية.. نفس السنة التي تأسست فيها منظمة الأيلوميناتي والتي سيطلعك الكاتب على علاقتها بأميركا لاحقًا.. الدولة المستقلة.. فتخوض في الكشف عن أسرار قتل شخصيات مهمة منهم الرئيس “جون كينيدي” والملك “فيصل بن عبد العزيز” و”أنور السادات” وبعدها يعود بك إلى أوروبا لتعرف كيف أشعلت الماسونية ثورات كل من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وروسيا وغيرها من الدول الأوروبية.. فيحط بك الرحال في الغابة البوهيمية في شمال كاليفورنيا والاجتماعات السرية السنوية التي تجمع الرؤساء والوزراء وكبار رجال المال والأعمال والسياسة..

مهلا لن يقف بك الكاتب هنا.. فلن يكون للرواية معنى دون أن تعرف من هو “أنتيخريستوس”.. لذلك ستجده يخبرك الكثير في آخر أجزاء الرواية.. الأجزاء المهمة.. مرورًا ببروتوكولات حكماء صهيون.. مصورا لك مشهدًا للأندلس وحكامها المسلمين الكرماء وهم يستقبلون اليهود بعد أن اضطهدتهم أوروبا.. ثم لجوؤهم مرة أخرى للدولة العثمانية بعد احتلال الصليبيين للأندلس ليستقبلهم هذه المرة “سليمان القانوني” في “إسطنبول” العاصمة العثمانية للخلافة الإسلامية.. وسيرته الشهيرة التي بثت على القنوات كمسلسل تلفزيوني تحت عنوان “حريم السلطان”.. مبرزا أحداث أخرى لخلفاء العثمانيين منهم “عبد الحميد الثاني” و”مصطفى كمال أتاتورك” وكيف تسلل حكم اليهود للدولة العثمانية ليصل أخيرًا إلى فلسطين -أرض الميعاد- بعد عدة أحداث.. وظهور الصهيونية واحتلالها لفلسطين.. لتقوم ما سموه بدولة “إسرائيل”.

بعد هذا كله سيعود بك الكاتب للزمن الغابر وتحديدا سنة 1800 قبل الميلاد -زمن النبي موسى عليه السلام- ليظهر لك علاقة كل ما سبق بالشخصية التي سمى روايته باسمها.. شخصية “أنتيخريستوس” .. من يكون؟ كيف كانت بدايته؟ وكيف ستكون نهايته؟

حرصت بدقة أن أختصر قدر الإمكان مضمون “أنتيخريستوس” وفضلت أن لا أفصح عن معلومة واحدة تتعلق بهذا الأخير.. تاركة لمن ينوي قراءتها اكتشاف ذلك بنفسه.

في الأخير أريد أن أشكر الكاتب د.أحمد خالد مصطفى على روايته هذه.. أول عمل أدبي له 323 صفحة غنية بكم هائل من المعلومات والحقائق الجلية والأحداث التاريخية التي ذكر بعضها في أكثر من موضع هذا من جهة.. ومن جهة أخرى إبداع حقيقي على مستوى الشخصيات الخيالية التي أراد بها الكاتب إيصال حدث أو حقيقة ما.

فوُفِّق في تجميع هذه وتلك على شكل خلاصة بحث لشخص قرر أن يخوض في هذه البحور ويخرج منها فقط بالحقيقة تحت لواء الإبداع والفن السردي، وأشكره كذلك لاعتباره الرواية رواية دينية ذات هدف ديني سامي كما سبق وأشار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى