رياضة

وفاة مارادونا.. لماذا عم كل هذا الحزن العالم العربي؟

الرباط اليوم: متابعة
حزن عميق انتشر في أرجاء العالم العربي مع وفاة أسطورة كرة القدم الأرجنتيني مارادونا، حتى أن البعض وصف مشاعره بعد معرفة الخبر بأنه شعر وكأنه تقدم في العمر عشر سنوات على الأقل.. فما سبب كل ذلك الحزن ؟
مع انطلاق مونديال المكسيك 1986 بدأ النجم الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا في الصعود .. لم يكن لاعباً عادياً .. ليس مجرد شخص لديه القدرة على المحاورة والمراغة .. بل كان يفعل ذلك بأكثر الطرق دهاء وكأنه يستمتع تماماً بما يفعل بل يرغب في نقل تلك المتعة إلى من يشاهده .. تبدو الكرة معه وكأنها قد التصقت بمغناطيس قوي، ولا تفارق أقدامه إلا إذا سمح هو بذلك.

تلك القدرات الخارقة صاحبتها خارج الملعب شخصية لا تقل جدلاً عما كان عليه داخل المستطيل الاخضر .. قضى مارادونا حياته طولاً وعرضاً ودخل في عشرات الأزمات ولم تغب الكاميرات عنه لحظة ولم تخفت متابعة الملايين حول العالم لأخباره خاصة في العالم العربي.

لكن « يد الله » اختارته بعد رحلة طويلة حافلة، ليعم الحزن الأرجنتين والعالم.

علي بن ناصر يتذكر

« يد الرب » .. كلمة كلما ذُكرت استحضر الجميع وصف مارادونا عند حديثه عن هدفه المثير للجدل الذي أحرزه خلال مباراة بلاده مع المنتخب الانجليزي في ربع نهائي مونديال 1986 .. تلك اللحظات يتذكرها جيداً الحكم التونسي علي بن ناصر والذي احتسب هدف مارادونا الذي سجله بيده في مرمى بيتر شيلتون.

يقول بن ناصر الذي أصبح أول حكم تونسي يدير مباراة على هذا المستوى: « لم أشاهد لمسة اليد، لكن شككت بذلك ».

يضيف الحكم التونسي (76 عاما) في تصريحات صحفية: « بمقدوركم رؤية المشاهد، تراجعت لأخذ رأي مساعدي البلغاري دوتشيف، وعندما أكد الهدف احتسبته »، ويقول متابعاً: » حصل لغط، قال مساعدي البلغاري لاحقا إنه شاهد ذراعين، ولم يكن يعرف إذا كانتا لشيلتون أو مارادونا ».

بعد المباراة، اعترف مارادونا بأنه استعمل يده للتسجيل معتبراً أنها « يد الرب » .

يقول الحكم التونسي: « أنا فخور بالمشاركة في هذه التحفة، ومارادونا تذكر جيداً عندما زارني عام 2015 » في إطار حملة دعائية. أهداه « الفتى الذهبي » انذاك قميصاً موقعاً « إلى صديقي الأبدي علي » أمام عدسات المصورين.

شرح بن ناصر « أمضينا وقتاً رائعاً، قلت له إن يومذاك لم تكن الأرجنتين التي فازت إنما هو، مارادونا »… »هذا عبقري، أسطورة كروية، أنا كحكم لم يكن بمقدوري أن أغمض عيني للحظة وأنا اتابعه، لأنه كان قادراً على القيام بأي شيء ».

حنين إلى الأيام الخوالي

يتذكر الكثيرون ممن عاصروا مونديال المكسيك 1986 ألبوم الصور الشهير الذي كان يضم صور كافة اللاعبين المشاركين مع منتخبات بلادهم .. كان الصغار في هذا الوقت يتبادلون الصور كل بحسب قيمتها .. كان أغلاها بالطبع صورة مارادونا .. إلى جانب صور أخرى لبوروتشاغا وسقراط وفالكاو ورودي فولر وغيرهم.

واليوم، يتذكر هذا الجيل الذي تابع ذلك المونديال بشغف شديد تلك الأيام .. تملتئ مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات يصبغها حزن عميق من هذا الجيل لوفاة لاعبهم الأشهر وأيقونتهم الكروية .. حتى أن بعضهم بكي فعلياً حين علم بخبر وفاة الفتى الذهبي.

في هذا السياق يرى الناقد والمعلق الرياضي الجزائري حفيظ دراجي أن الحزن على رحيل مارادونا لم يكن في العالم العربي فقط ولم يصب مشجعي نابولي ولا الأرجنتينين وحدهم، وإنما عم الحزن العالم لرحيله، « فالمتعة التي منحها لعشاق الكرة في العالم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي لا تدانيها متعة .. حزن على الكيفية التي رحل بها دييغو بعد معاناة طويلة للغاية .. حزن على فقدان براعة ومتعة لم يعوضها ميسي أو رونالدو أو زيدان أو رونالدينهو ».

يضيف دراجي في حواره مع DW عربية أن « دييغو ارماندو مارادونا يبقى لعشاق الكرة حول العالم رمزاً وقيمة كبيرة للغاية، فالكثير من عشاق الكرة من جيلنا بالدرجة الأولى أحبوا كرة القدم من خلاله لذلك كان الحزن كبيراً ».

صورة البطل

أما الناقد الرياضي المصري حسن المستكاوي فيرى أن الكثيرين في العالم العربي رأوا في مارادونا صورة البطل.

ويشرح الناقد الرياضي المخضرم قائلا: » كان العالم العربي محروماً الى حد ما من مشاهدة البطولات الكبرى في فترات الستينات والسبعينات، أما في مونديال 1986 فقد شاهد العالم بأسره مارادونا وهو يلعب على الهواء مباشرة وكيف يمارس دور البطل والقائد من ضمن هؤلاء المشاهدين طبعاً المتفرجين من العالم العربي » بحسب ما قال خلال حواره مع DW عربية.

ويقول المستكاوي إن الكثيرين الذين شاهدوا هذه البطولة رأوا في مارادونا صورة البطل الذي بدا وكأنه يمتطي حصاناً أبيض ويشهر سيفه ويهزم جيش من فريق منافس كالمنتخب الانجليزي، إضافة إلى أنه واحد من اللاعبين القلائل الذين كانوا في تاريخ كرة القدم على مدار فترة طويلة يحب الناس أن تذهب اليه الكرة هو تحديداً وليس أي أحد آخر.. كانوا يريدون أن يروه هو فقط وحده وهو يتلاعب بالجميع ويتحرك بالكرة هنا وهناك .. هذه هي قيمة مارادونا .. مهارته الفذة، خصوصاً أنه ظهر وتجلت مهارته في بدايات زمن الكرة الصعبة حيث الدفاع اللصيق والمساحات الضيقة ».

ويوضح المستكاوي أن أحد أهم أسباب تتويج مارادونا بطلاً قومياً في بلاده هو أن « هذه البطولة كانت تعني الكثير بالنسبة للشعب الأرجنتيني حيث اعتبرت أشبه بالرد على هزيمة انجلترا للارجنتين في حرب الفوكلاند، ولذلك عندما هزمت الأرجنتين انجلترا ثم توجت الأرجنتين بكأس العالم اعتبره الناس قائد لأمة وليس مجرد قائد لفريق رياضي وبأن مارادونا ثأر لهم ولبلاده من الهزيمة العسكرية، لذا بقي حتى لحظة وفاته الأسطورة الأكبر في بلاده بل وربما حول العالم ».

ويشير المستكاوي إلى افتقاد عشاق كرة القدم للاعب بمهارات مارادونا منذ اعتزال النجم البرازيلي بيليه « بفارق بلغ نحو 10 سنوات كان العالم فيها متشوق إلى البطل الأسطوري بنفس مهارات بيليه مع فارق الزمن الذي أثر على طريقة لعب كرة القدم نفسها لذا يراه العالم أحد أساطير اللعبة »

على مواقع التواصل الاجتماعي انتشرت الكثير من الصور لمارادونا وهو يرتدي الكوفية الفلسطينية ويتحدث عن القضية وأبدى أكثر من مرة دعمه للفلسطينيين، وهو ما يعزوا إليه الكثيرين تضاعف الإعجاب به في العالم العربي بشكل خاص.

فقير .. مثلنا!

عاش مارادونا في طفولته وشبابه حياة صعبة للغاية وسكن في منطقة شديدة الفقر في الأرجنتين ولعب الكرة مثل الكثيرين حول العالم في تلك الحواري الضيقة وهو ربما ما صقل موهبته بشدة. مع الوقت بدأ نجمه في الصعود وانتقل بأسرته إلى مكان أفضل لكنه لم ينس نشأته ولم ينس الفقراء.

يقول المعلق الرياضي الجزائري حفيظ دراجي إن « هناك الكثيرين في العالم العربي ممن تخرجوا في مدرسة الفقر نفسها التي تخرج فيها مارادونا، فصار بسبب ذلك رمزاً للفقراء والضعفاء وأصبح لهم مثالاً وقدوة على إمكانية التغلب على الظروف الحياتية الصعبة ».

يضيف دراجي أن مارادونا أصبح رمزاً لتلك الأحياء الفقيرة التي يمكنها أن تُخرج نوابغ في الكثير من المجالات ومنها كرة القدم ليفتخر به نظرائه وأمثاله، حتى هو نفسه بعدما صار مشهوراً كان كلامه عن الفقراء والضعفاء والمهمشين ومن يقطنون الأحياء الفقيرة، فبسبب ذلك ازداد عشق الجماهير له ».

ويرى الناقد الرياضي المصري حسن المستكاوي أن أحد الجوانب المميزة لمارادونا كانت شخصيته المستقلة والكاريزمية، « فقد كان صديقاً لرؤساء فنزويلا وكوبا في أوج أزمة البلدين مع الولايات المتحدة.. كان شخصية مستقلة تماماً .. رأينا ذلك وهو يعلم كاسترو لعب كرة القدم ويريه صورته كوشم على ساقه.. كلها أمور انتقلت إلى العالم العربي وصبغته بهذه الهالة من التقدير ».

ويختتم المستكاوي حديثه بالقول: « في النهاية تبقى المهارات الرائعة والعبقرية لمارادونا هي سبب حب الناس له .. بمنتهى البساطة هذا الرجل قدم لنا السعادة والبهجة والمتعة في ملاعب كرة القدم .. كل الأجيال التي كبرت اليوم مع لحظة وفاته هي تشعر بنوستالجيا لزمن شبابهم وصغرهم ومتابعته وهو يمتعهم في الملاعب لذلك كان التأثر بوفاته كبيراً « .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى