RABATTODAYالرئيسيةسياسة

والدة الزفزافي: ابني يملك حتى 10 دراهم للجلوس في المقهى

mere-zefzafi
الرباط اليوم: متابعة
بدون موعد مسبق، توجهنا لبيت أسرة ناصر الزفزافي الذي أصبح معلمة في مدينة الحسيمة، سائق سيارة الأجرة الصغيرة التي أقلتنا للمكان المعلوم بمجرد أن أخبرناه عن الوجهة، بدأ يتحدث دون أن نسأله عن الزفزافي، مبديا إعجابه به وحزنه على اعتقاله.

وصلنا للحي المعروف بمسجد محمد الخامس، وهو المسجد ذاته الذي كان الزفزافي قد قاطع خطيبه وهو يلقي خطبة الجمعة، المكان عبارة عن حي شعبي، تغلب عليه منازل صغيرة مثل الدكاكين، متكونة من طابق أرضي وسطح بدون جدران. ملامح الحي تعطي انطباعا للذي يزوره أول مرة أنه وسط حي بسيط وسكانه بسطاء.

منزل الزفزافي لا يختلف عن باقي المنازل، لكن ما يميزه عن غيره أنه مسكن أشهر قيادات الحراك، و وريث “المقاوم عبد الكريم الخطابي”، وقفنا أمام باب المنزل، واتصلنا بوالده الذي كنا نتوفر على رقمه مسبقا، أخبرناه أننا في مهمة ونريد مقابلته، رحب بذلك وخرج لاستقبالنا بعدما أخبرناه أننا بالقرب من المنزل.

دلفنا للمنزل، أول ما يمكن ملاحظته هو الباب المكسور، الذي حسب ما صرحت به الأسرة تم كسره من طرف قوات الأمن يوم محاولة اعتقال الزفزافي، مساحة البيت صغيرة، سقفه لازال بالإسمنت، ومرافقه متداخلة في ما بينها، من جهة وسط الدار يتواجد صالون صغير يقابله مطبخ وغرفتان ضيقتان لا تتسعان لشخصين.

كان المكان غاصا بالزوار، صادفنا هناك نوال بنعيسى، الوجه النسائي الأشهر في الحراك، والتي كانت بصدد إجراء حوار مع جريدة ألباييس الإسبانية، والدة الزفزافي كانت تتخذ لنفسها مكانا على كرسي بلاستيكي بالقرب من المطبخ، وتراقب كل ما يحدث بعينين غارقتين في دموعهما، كانت تبدو عليها علامات الأسى والحزن.

في بداية الأمر رفضت والدة الزفزافي الحديث إلينا بدعوى أنه بعد تسجيلها لمقابلة صحافية مع أحد المواقع، منعها أبناؤها وزوجها من الخروج للإعلام مرة أخرى، وطلبت منا أن نتحدث إلى زوجها، فهو المتحدث الرسمي باسم العائلة.

توجهنا حيث يجلس الأب، الذي كان يجلس مطأطأ الرأس، كسير الفؤاد، وبصوت مبحوح قال بدون حتى أن نوجه له السؤال “مخصومشي يعملونا هكذا حرام عليهم، ولدي معمل والو”، كان الانفعال باديا عليه، صمت ثم عاد ليقول “ناصر قاد الحراك لـ 7 أشهر بسلمية محضة، كان حريصا على أمن وسلمية الوقفات، وكانت المطالب التي يرفعها هي مطالب الساكنة”.

“ناصر كان شخصا يعتمد على نفسه، كانت له هفوات وأخطاء، لكن لم تكن تشكل خطرا، وابني استطاع أن يخرج فئات للحراك لم تكن يوما لتخرج، مثل نساء السلفيين المنقبات، لكن حس المسؤولية الذي كان يتمتع به هذا الأخير جعل الناس يثقون به ويأمنونه على أولادهم وعائلاتهم، يردف والد الزفزافي، ويضيف “الناس هنا كانوا بحاجة إلى قائد، فهذه المنطقة عاشت الويلات لقرون، أعترف أن ناصر كان يمارس الدكتاتورية في الحراك، لكنها دكتاتورية وطنية، جعلت العالم يتخذه قدوة في قيادته للحراك بسلمية وبطريقة حضارية”.

الوجه الآخر للزفزافي

عاش ناصر الزفزافي ظروفا صعبة، وواجه مصاعب شتى منذ أن غادر مقاعد الدراسة، يحكي والده عن الأسباب التي جعلت ناصر ينقطع عن الدراسة بالقول “إن الضائقة المالية التي نعيشها، خصوصا وأن أجرتي لم تكن تكفي لسد جوع 6 أفراد، جعلت ناصر يريد الخروج للبحث عن العمل لتوفير حياة أفضل، في البداية كنت رافضا انقطاعه عن الدراسة، لكنه كان عنيدا”.

وحسب والده فناصر لم يكن ذلك الشاب المثقف، بل كان عاديا، فخزانة الكتب التي كانت تظهر خلف الزفزافي في أغلب المحادثات المباشرة له كانت لوالده، “ناصر لم يكن قارئا، والكتب المتواجدة في رفوف المكتبة هي لي، في بعض الأحيان كان يسألني عن بعض الأمور فأدله على بعض العناوين ليطالعها”، يقول المتحدث، ثم يضيف “خطابة ناصر هي موهبة، لم يعمل على صقلها، واستشهاده بالقرآن والسنة راجع لكونه درس في الثانوي العلوم الشرعية التعليم الأصيل”.

ومن الصفات التي حدثنا عنها والده، أن الزفزافي كان شخصا عنيدا ومندفعا منذ طفولته، حيث اعتبر أن ابنه في بعض الأحيان يقوم بأشياء باندفاع وحماس زائد، غير أنه نفى أن تكون ملامح أو علامات القيادة بادية عليه منذ الطفولة، “فالمعروف عن ناصر شجاعته ووقوفه مع المظلومين، ناصر اكتسب ثقافته من المجتمع ووسائط الأنترنيت، كان دائما يستشيرني في كل الأمور، وأغلب الأحيان كان يأخذ برأيي”، يردف المتحدث.

والدة الزفزافي، التي وجدت صعوبة في التحدث عن معاناة إبنها مع البطالة والقهر الذي كان يعيشه، قالت وهي تغالب دموعها تارة وتتركها تنهمر تارة أخرى “نحن فقراء، كما ترين هذا البيت هو ما نملك، وقد اشتريته مؤخرا بعد أن بعت بقعة أرضية تركها لي والدي، ناصر كان مثل باقي شباب المدينة عاطلا عن العمل بعد أن جرب العمل في مهن كثيرة، كان آخرها بيع وإصلاح الهواتف”، صمتت لبرهة أخذت فيها أنفاسها واسترسلت “أكثر ما كان يحزنني أن أشاهد ابني وهو لا يجد حتى 10 دراهم للجلوس في المقهى، قلبي كان كيتقطع وأنا كنشوف ولادي بربعة مخدامنشي، واش هذا حال أشخاص تصلهم تمويلات من الخارج؟”.

للزفزافي ثلاثة إخوة ذكور، الولد البكر متزوج، وهو عاطل عن العمل، والأخ الأصغر تزوج بإحدى المهاجرات في الخارج على أمل أن يجد له تذكرة سفر لحياة أفضل، أما الأخ الثالث فليس أفضل حالا، فهو أيضا يعيش كابوس البطالة. الإخوة الأربعة انقطعوا مبكرا عن الدراسة، ويعود سبب ذلك حسب والد الزفزافي إلى الوضعية الهشة التي يعيشون فيها، كما أنه قال إنه كان صارما وقاسيا في تربيته لأبنائه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى