سياسة

هل يسقط المال العام المزيد من المفسدين؟

الرباط اليوم: مدار21

يشهد المغرب في الفترة الأخيرة ارتفاعا في عدد المتابعات القضائية في جرائم اختلاس الأموال والتلاعب في صفقات عمومية، آخرها بلاغ الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، حول وجود تلاعبات في صفقات قطاع الصحة، وتحريك مسطرة البحث القضائي وحجز ممتلكات المتورطين، إضافة إلى قضية رئيس جماعة ولاد الطيب المتابع في حالة اعتقال بتهم “اختلاس وتبديد أموال عامة والتزوير”.

وزارة الصحة في قلب العاصفة

وهزت فضيحة مدوية قطاع الصحة بالمغرب بعد بلاغ للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، أكد فيه أن الأبحاث والتحريات كشفت عن الاشتباه في تورط مجموعة من الأطر والموظفين والمهندسين العاملين بالمصالح المركزية والجهوية لقطاع الصحة وبعض أصحاب الشركات والمقاولات والمستخدمين فيها تمارس أنشطة تجارية ذات صلة بنفس القطاع، في ارتكاب أفعال منافية للقانون تمثلت في تذليل وتسهيل تمرير ونيل صفقات عمومية خلال السنوات الفارطة تهم عمليات توريد واقتناء أجهزة ومعدات طبية مخصصة لتجهيز مستشفيات القطاع العام، مقابل الحصول على عمولات وتلقي مبالغ مالية ومنافع عينية.

وأمرت النيابة العامة بعقل وحجز ممتلكات بعض المتورطين المشتبه في تحصلها من الأفعال المنسوبة إليهم، كما مكنت الأبحاث والتحريات من حجز مبالغ مالية مهمة لدى بعض المشتبه فيهم، وقد قدمت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية نهاية مارس الماضي 31 شخصا مشتبها فيهم، من بينهم 18 موظفا عموميا بقطاع الصحة و13 شخصا منهم أرباب شركات ومستخدمون، وأمر قاضي التحقيق، بعد استنطاق المعنيين، بالأمر بإيداع 19 منهم رهن الاعتقال الاحتياطي بالسجن، فيما قرر إخضاع الباقي لبعض تدابير الوضع تحت المراقبة القضائية تراوحت بين إغلاق الحدود وإيداع كفالات مالية بصندوق المحكمة ضمانا لحضور إجراءات التحقيق.

وفي ظل اللغط الذي رافق بلاغ الوكيل العام للملك حول ارتباط نتائج التحقيقات بالجدل المثار حول صفقات وزارة الصحة الخاصة بمكافحة تفشي فيروس كورونا، كان مصدر قد كشف لـ”مدار 21″ أن البحث الذي أسقط مجموعة من الأطر والموظفين والمهندسين العاملين بالمصالح المركزية والجهوية لقطاع الصحة، ليس حديثا و”بدأ منذ 2019، وقبل كورونا”.

وأوضح مصدر الجريدة أن بلاغ الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء “لا علاقة له بالشكاية التي تقدمت بها إحدى الجمعيات مؤخرا والتي تدور رحاها حول التمحيص في صفقات مثيرة للشكوك خلال فترة تفشي كورونا”.

وسبق للجمعية المغربية لحماية المال العام، أن طالبت بفتح تحقيق في المعطيات التي تضمنها تقرير المهمة الاستطلاعية الخاصة بالصفقات التي أبرمتها وزارة الصحة خلال زمن “كورونا”، إذ يمكن أن تشكل تلك المعطيات الواردة في التقرير جنايتي تبديد واختلاس أموال عمومية وتلقي فائدة، وهو ما نفته وزارة الصحة جملة وتفصيلا مؤكدة أن “الشكاية الموضوعة بالنيابة العامة، ضد وزير الصحة ومسؤولين بالوزارة وعدد من الشركات العاملة في قطاع الأدوية والصيدلة، تحمل الكثير من المغالطات والالتباسات، وتمارس ضغوطات غير مفهومة على القطاع”.

وتتوالى الفضائح

وتفجرت قضية اختلاس أخرى في 25 مارس الماضي، كان بطلها رشيد الفايق، النائب البرلماني ورئيس جماعة أولاد الطيب بإقليم فاس، المتابع في حالة اعتقال رفقة 6 متهمين آخرين.

ويُتابع الفايق على خلفية شكاية توصلت بها النيابة العامة، تفيد بأن المتهم كان يتلقى رشاوى مقابل منح رخص البناء والربط بالماء والكهرباء من طرف مواطنين ومنعشين عقاريين، تقدر بالملايين، إضافة إلى الاستيلاء على أراضي سلالية بالتواطؤ مع شقيقيه وأعوان سلطة ومسؤولين بالوكالة الحضرية، وانتزاع أراضي بالنصب والاحتيال بلغت حد الاستيلاء على مركز صحي تابع لوزارة الصحة.

وفي 26 مارس المنصرم، أحال المكتب الوطني لمكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية التابع للفرقة الوطنية للشرطة القضائية على أنظار النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بمراكش، عميد شرطة ممتاز ومسيرة لوكالة بنكية، بسبب شبهات اختلاس أموال عمومية من الوكالة التي كانت تتولى تسييرها بمدينة تيزنيت، وذلك قبل أن تسفر الأبحاث والتحريات المنجزة عن الاشتباه في تورط موظف الشرطة في ارتباطه بالمعنية بالأمر بعلاقة غير شرعية، وحصوله على مبالغ مهمة من الأموال المسروقة عن طريق الابتزاز.

وتم إخضاع المشتبه فيهما معا لتدبير الوضع تحت الحراسة النظرية على خلفية البحث القضائي الذي أمرت به النيابة العامة المكلفة بجرائم الأموال، لتحديد مستوى وحجم تورط كل واحد منهما في الجرائم المرتكبة، ودوافع وخلفيات اقتراف هذه الأفعال الإجرامية، قبل أن يتم عرضهما على النيابة العامة بمدينة مراكش بعد انتهاء مجريات البحث.

الغلوسي: هناك مؤشرات إيجابية لاكن لا ضمانات

ورغم توالي المتابعات القضائية في ملفات اختلاس الأموال العمومية، لا يرى رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، أن هذا الأمر يعد بالضرورة مؤشرا على أن ملفات أخرى ستأخذ طريقها إلى القضاء وبالتالي سقوط رؤوس أخرى في ملفات الفساد وجرائم الأموال.

وقال الغلوس في تصريح لـ”مدار21″ إن “تتبعنا لقضية النائب البرلماني في فاس، الذي ينتمي لحزب الأحرار، المعتقل رفقة مجموعة من المتهمين وكذلك ما يتعلق بوزارة الصحة، يجعلنا نتمنى أن يشكل ذلك بداية سقوط مفسدين آخرين”، مستدركا “من السابق لأوانه أن نحكم من الآن على أن هناك ملفات أخرى ستأخذ طريقها إلى القضاء”.

ويرى رئيس جميعة حماية المال العام أن الإجراءات المتخذة في ما يتعلق بصفقات وزارة الصحة وأيضا بملف جماعة ولاد الطيب بإقليم فاس، يشكلان مؤشرا إيجابيا، إذ إن القرارات التي اتخذت مهمة وشجاعة”، موضحا “فما يتعلق بوزارة الصحة اتخذت النيابة العامة قرارا يتعلق بحجز وعقل ممتلكات بعض المتهمين المشبه في علاقتهم بالجرائم موضع المتابعة، وبالتالي نعتقد أن ذلك إيجابي”.

وعبّر الغلوسي عن أمله في أن تتبع هذه الإجراءات “خطوات أخرى في ما يتعلق بمكافحة الفساد ونهب المال العام وتحريك قضايا وملفات أخرى لها صلة بجماعات محلية ومؤسسات عمومية، وملفات أخرى موضوع شكايات الجمعية المغربية لحماية المال العام”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى