وطنية

هل يجوز للشرطة القضائية الاستماع واستنطاق قضاة التسريب الصوتي؟ لماذا جاء في بلاغ الوكيل العام للملك بالدار البيضاء خرق خطير للمادة 266 من قانون المسطرة الجنائية؟ هل محاباة المحامون تبرر خرق القانون ونسف صورة دولة المؤسسات ودولة الحق والقانون التي مازال الجميع يبحث عنها؟

الرباط اليوم

 

أصدر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، بلاغا حول ما أصبح يعرف بقضية التسريب الصوتي بين قضاة حول ملف رائج بإحدى المحاكم.

وحسب متن البلاغ فقد أعطى الوكيل العام تعليمات للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بإجراء بحث في الموضوع، ومن بين التعليمات: ” الاستماع إلى كل من له علاقة بالموضوع وإجراء جميع التحريات اللازمة لبلوغ ذلك”، مما يعد تعليمات شاملة وكاملة للشرطة القضائية للبحث الجنائي في الموضوع بما في ذلك استنطاق القضاة المعنيين بالتسريب، وربما تفتيش مقرات سكناهم وغيرها من إجراءات البحث والتحري المنصوص عليها في عمل ضباط الشرطة القضائية.

وقد أثيرت تساؤلات عدة حول مضمون هذا البلاغ الذي وصفه البعض بالخطير جدا والنكوصي، أمام ما يروم المغرب تحقيقه من تجويد لصورته في ممارسة حماية الحق والقانون، وفي تقوية المؤسسات وعلى رأسها القضاء. فإذا كان القضاة سيكون مصيرهم خرق القانون من أجل البحث معهم فماذا سيكون مصير مواطنين بسطاء او نشطاء حقوق الإنسان والإعلام في المغرب؟

إلى جانب هذا، ذكرنا بلاغ الوكيل العام بسابقة خطيرة عندما أمر وزير العدل الاسبق الراحل محمد بوزبع، حينها رئيسا للنيابة العامة، الفرقة الوطنية للاستماع إلى قضاة تطوان والتي انتهت باعتقالهم، رغم أن القانون يمتع القضاة بالامتياز القضائي طبقا للمادة 266 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على ما يلي: “إذا كان الفعل منسوبا إلى قاض بمحكمة استئناف أو رئيس محكمة ابتدائية عادية او متخصصة أو وكيل الملك بها او قاض بمجلس جهوي للحسابات، فإن للوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى أن يحيل القضية بملتمس إلى الغرفة الجنائية بالمجلس المذكور التي تقرر ما إذا كان الأمر يقتضي إجراء تحقيق. وفي حالة الإيجاب، تعين محكمة استئناف غير المحكمة التي يباشر في دائرتها المعني بالأمر مهمته.
ينتدب الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف المعينة لهذا الغرض قاضيا للتحقيق أو مستشارا بمحكمته لإجراء البحث في الوقائع موضوع المتابعة.

يجري التحقيق حسب الكيفيات المنصوص عليها في القسم الثالث من الكتاب الأول الخاص بالتحقيق الإعدادي.
يرفع قاضي التحقيق أو المستشار المكلف بالتحقيق بمجرد انتهاء البحث الملف إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف ليقدم ملتمساته.
إذا تعلق الأمر بجناية، يصدر قاضي التحقيق أو المستشار المكلف بالتحقيق امرأ بإحالة القضية إلى غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف.

وإذا تعلق الأمر بجنحة، يصدر أمرا بإحالة القضية على غرفة الجنح الاستئنافية.
تكون أوامر قاضي التحقيق أو المستشار المكلف بالتحقيق قابلة للطعن طبق الشروط المنصوص عليها في القسم الثالث من الكتاب الأول المتعلق بالتحقيق الإعدادي.
يمكن للطرف المدني أن يتدخل أمام هيئة الحكم حسب الشروط المنصوص عليها في المادتين 350 و351 بعده”.

هذا بالإضافة إلى ما تضمنه الفصل113 من الدستور الذي ينص على ما يلي: “يسهرالمجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولاسيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم”، وبما أن قضية التسريب هي موضوع تأديب واضحة، فكان لزاما تحرك المجلس الأعلى للسطلة القضائية قبل تحريك أي مساطر جنائية خارجة عن السياق.

إلى جانب ذلك هناك المادة 85 وما يليها، من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، التي أعطت، حصريا، اختصاص البحث وتأديب القضاة للمجلس بواسطة الآليات الكثيرة التي يتوفر عليها بما في ذلك التفتيش أو تسخير وسائل الدولة الأخرى للبحث مع القضاة.

وبذلك فإنه يتعين على الشرطة القضائية التي عودتنا منذ مدة طويلة على تدقيق البلاغات والمساطر، أن ترفض خرق القانون وأن تذكر الوكيل العام بمسطرة الامتياز القضائي، حتى لا تصبح جزءا من صراع غير مفهوم، وحتى تبقى صورتها كما تكرست في السنوات الأخيرة لاسيما أمام انتقادات الإعلام الأجنبي للأمن المغربي.

هذا ويلزم أيضا على المحامين ألا يسكتوا على هذا الخرق، وأن يطالبوا باعتماد المساطر القانونية في البحث مع القضاة، باعتبارهم شريكا اساسيا في حماية القانون والانتصار للعدالة.

وإذا كان قانون المسطرة الجنائية أعطى لقضاة النيابة العامة صفة ضباط شرطة قضائية سامون يمارسون، بشكل مباشر، كل اجراءات البحث والتحري في الجرائم ويسخرون القوة العمومية وغيرها من الإجراءات، وله من الصلاحيات بل القواعد القانونية الآمرة في المسطرة الجنائية للقيام بالبحث الجنائى في مثل هذه القضايا التي جعلها القانون حصرا على القضاة، فلماذا لجأ الوكيل العام للملك إلى الشرطة القضائية وخرق مقتضيات المادة 266، في الوقت الذي يسعى الجميع إلى إعادة الثقة في القضاء وفي أدوار النيابة العامة لاسيما أمام كثرة التهجمات الأجنبية على القضاء؟

هل كان ذلك في إطار صراع داخلي بين أضلاع القضاء، أم هو رضوخ فئوي محاباة للمحامين، وخوفا منهم في نفس الوقت، ضدا على القانون الذي قال عنه الدستور أنه أسمى تعبير عن إرادة الأمة كلها؟ وهل لازال يظن، من يظن، أن المغاربة قاصرون ولا يعرفون القانون؟ أم هل هي مساهمة غير واعية في إذلال القضاة وتشويه رمزية القضاء في مسلسل الإصلاح والتخليق؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى