وطنية

هل يتعاون الجيش المغربي والإسرائيلي في مواجهة البوليساريو ؟

الرباط اليوم: الأسبوع الصحافي

((أهلا وسهلا ومرحبا بكم))، عريف حفل الاستقبال الرسمي يرحب بضيف جيش الدفاع الكبير، المفتش العام للقوات المسلحة المغربية الجنرال الفاروق بلخير، على وقع الأغنية الإسرائيلية “وجئنا إليكم بالسلام”، عنوان مرحلة الانفتاح والسلام.

((حللتم أهلا ووطئتم سهلا)).. هكذا تحدث الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي على “تويتر”، وقد كتبت الصحافة الوطنية الاستقبال الحافل الذي خصص للجنرال بلخير.

ورغم أن الكثير من وسائل الإعلام سلطت الضوء على زيارة الجنرال فاروق بلخير، إلا أن الأمر لم يكن يتعلق بزيارات ثنائية، بل بالمشاركة في مؤتمر، حيث أشار بلاغ للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية، إلى أن ((المغرب سيشارك في مؤتمر عسكري دولي في تل أبيب، بين 12 و15 شتنبر الجاري، بوفد يقوده الفاروق بلخير، المفتش العام للقوات المسلحة))، وحسب نفس المصدر، فإن ((المشاركة في هذا المؤتمر الدولي المخصص للعديد من قادة الجيوش ووكالات التجديد في مجال الدفاع، تندرج ضمن إطار متعدد الأطراف يروم تشجيع تبادل المعارف والخبرات بين الجيوش المشاركة)).

بالنسبة لخصوم المغرب، فقد حملوا هذه الزيارة أكثر مما تحتمل، كما جرت العادة، حيث قالوا، على سبيل المثال، ((إن إسرائيل لم تستقبل ضيفها المغربي في المطار كما جرت العادة بالنسبة للضيوف الكبار، حيث تم استقباله بمقر قيادة الجيش الإسرائيلي))، والواقع أن مثل هذا الكلام ينم عن جهل كبير بترتيبات السلطة في المغرب، حيث أن قائد الجيش ورئيس أركان الحرب العامة هو أمير المؤمنين الملك محمد السادس، فضلا عن كون المناسبة هي عبارة عن مؤتمر، ما يجعل الاستقبال في عين المكان جزء بمثابة استقبال في المطار أو غيره.. لأن المناسبة شرط(..).

تتمة المقال بعد الإعلان

وطبعا.. أهملت جل وسائل الإعلام المعطيات الثقيلة التي حملها المؤتمر المشار إليه، فالجنرال الفاروق بلخير كان واحدا من بين قادة 9 جيوش عبر العالم حضروا هذا اللقاء، بل إن اللقاء ضم ما يزيد عن 1500 ضابط من رتبة مقدم وما فوق، وأكثر من ذلك، فالأمر يتعلق بمشاركة 25 بعثة عسكرية و200 من قياديي الجيوش رفيعي المستوى دوليا، و18 دولة، إضافة إلى حلف شمال الأطلسي..

في وسائل الإعلام الدولية، التي تركز على المضمون وليس على الشكليات والخزعبلات، يمكن أن تقرأ ما يلي: ((يعد هذا المؤتمر فريدا من نوعه من حيث محتواه، ويقام لأول مرة في مقر الجيش الإسرائيلي ويشارك فيه قادة جيوش وكبار القادة العسكريين من مختلف جيوش العالم.. ويعد مؤتمر التطوير الابتكاري أساسا مهما لتعزيز الشراكة بين الدول، بغرض تبادل المعرفة والتعلم المتعمق في تفعيل وبناء القوة، مع إنشاء البُنى التحتية للشركاء المستقبليين في التحولات العسكرية))، ويقول الجيش الإسرائيلي: ((إن التطور والتجديد العسكري سيكونان من صلب أعمال المؤتمر الدولي بقيادة قادة الجيش الإسرائيلي، ومن شأنه أن يعزز الشرعية الدولية في مجال توسيع حرية العمل وخلق عمق استراتيجي مع إبراز دور إسرائيل كقوة إقليمية وجسر بين الشرق والغرب))، وقال رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، في المؤتمر: ((يمر الجيش الإسرائيلي بعملية تغييرات للتكيّف مع الميدان الحالي والمستقبلي))، وتابع: ((تم بالفعل إدخال قدرات فريدة وهامة في مجال الاستخبارات والنيران، والدخول البري في وحدات الجيش الإسرائيلي، كما تم تطوير القدرات التكتيكية والقيادية وتكييفها مع الوحدات العملياتية على مستوى الكتيبة واللواء)) (المصدر: وكالات).

استقبال الجنرال الفاروق بلخير في إسرائيل
هذا من حيث المضمون المصرح به، أما الدعاية الإسرائيلية، فقد تجنبت ذكر أسماء الدول الحاضرة، مقابل التركيز على حضور المغرب، ما يعني حجم الرهانات بين البلدين في زمن أصبحت فيه وجوه أعداء المملكة بارزة للعيان عبر العالم(..)، كما أن المؤتمر ليس مجرد محطة عابرة أو بضعة مشاريع فقط، بل إن قائد أركان الجيش الإسرائيلي قال إن الأمر يتعلق بـ((رؤية شاملة تتمحور حول مبدأ شل قدرات العدو مع زيادة القدرة على كشفه وسحقه..)).

من هو عدو إسرائيل؟ من هو عدو المغرب؟ أليس منطقيا أن يكون هناك تنسيق طالما أن العدو واحد.. على الأقل في المرحلة الراهنة، بعيدا عن الشعارات الجوفاء والتحالفات “الكلامية” التي لم يجن من ورائها المغرب وعدة دول عربية واعدة، سوى المشاكل(..)؟

ولأن بعض وسائل الإعلام لا تمتلك سوى ذاكرة السمك(..)، فزيارة الجنرال الفاروق بلخير لم تكن إلا ردا لزيارة إسرائيلية من نفس النوع، حيث سبق أن حضر للمغرب رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي، وقام بالترحم على روح الملك الحسن الثاني والملك محمد الخامس، وزار القاعدة العسكرية في بنجرير، بل إن حضوره إلى المغرب كان مباشرة بعد لقائه قائد القيادة الأمريكية المركزية “سنتكوم”، الجنرال مايكل كوريلا في تل أبيب، وكان الهدف هو تطوير السلاح الجوي (..).

إن الذين يواصلون اليوم الدعاية لزيارة الجنرال بلخير إلى إسرائيل، نسوا الشق الأهم، وهو استقبال كوخافي هنا في الرباط.. أيهما أصعب، استقبال كوخافي في الرباط، أم استقبال بلخير في تل أبيب؟ وحتى نذكر الذين نسوا أو تناسوا، فقد قالت وسائل الإعلام عن زيارة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي للمغرب ما يلي: ((التقى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، بالوزير المغربي المنتدب المكلف بالدفاع، عبد اللطيف لوديي، وذلك خلال زيارة الأول للمغرب على رأس وفد أمني، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ استئناف العلاقات بين الرباط وتل أبيب في شهر دجنبر 2020.. كما التقى كوخافي بالمفتش العام للقوات المسلحة الملكية، بلخير فاروق، ومن المقرر أن يلتقي كذلك برئيس شعبة المخابرات، إبراهيم حسني..

وذكر الجيش الإسرائيلي في بيان مقتضب، أنه خلال الاجتماعات، تمت مناقشة فرص التعاون العسكري، في التدريبات، وفي المجالات العملياتية والاستخباراتية.. وبدأت زيارة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بصفة رسمية باستعراض رسمي لحرس الشرف، قبل أن يستقبل من قبل لوديي وفاروق، ومسؤولين أمنيين آخرين، في حين ينتظر أن تستمر الزيارة الأولى لكوخافي إلى المغرب ثلاثة أيام.. ويتصدر التعاون الأمني والعسكري بين الرباط وتل أبيب المحادثات التي أجراها كوخافي، الذي حل بالمغرب مرفوقا بوفد أمني رفيع المستوى، في حين لا يستبعد مراقبون أن تكون الزيارة مناسبة لمناقشة صفقات أسلحة جديدة بين البلدين)) (المصدر: موقع عرب 48).

إن فكرة التعاون العسكري بين المغرب وإسرائيل، هي نفسها الفكرة التي تسبب هلعا كبيرا لدى الجزائر وجبهة البوليساريو، لا سيما وأن عدة تقارير تشير إلى الدور الإسرائيلي في بناء الجدار الأمني الذي وضع حدا لتحركات البوليساريو في الصحراء، حيث أصبحت الميليشيات منذ بنائه، أسيرة رمال الصحراء التي لا ترحم، بحيث لم يعد هناك أي منفذ نحو المدن المغربية، وهو ما أدى إلى قتل فكرة الهجومات العسكرية من طرف البوليساريو، وهو نفسه الجدار الذي جعل الميليشيات تظهر كأضحوكة أمام العالم، حيث لم يعد ممكننا تجاوز هذا الجدار، الذي يرابض فوقه الجنود المغاربة بشجاعتهم المعهودة منذ زمن بعيد، والجنرال الفاروق بلخير واحد من أصحاب معارك الصحراء، بل إنه يعرف الكثير من أسرار الصحراء، حتى أنه عرف بـ”بطل معركة الكركرات”، وهو ما أهله للانتقال من منصب قائد المنطقة الجنوبية إلى قائد القيادة العليا(..).

الجدار الأمني بالصحراء المغربية
قصة الجدار الأمني، باعتباره منجزا عسكريا مغربيا، وعلاقته بإسرائيل، يمكن اعتبارها أساسا للتعاون التاريخي بين البلدين في مواجهة عدو مشترك هو الجزائر والبوليساريو.. فـ((ما زال الجدار الأمني الذي بناه الملك الراحل الحسن الثاني في الصحراء، لغزا يستقطب الاهتمام الإعلامي والسياسي بين الحين والآخر، في حين تضرب المؤسسة العسكرية المغربية جدارا من الصمت على مجمل التاريخ العسكري للحرب في الصحراء، تتسرب بين الفينة والأخرى أخبار عن ظروف بناء الجدار الأمني الذي حد من مجال المناورة العسكرية لمقاتلي البوليساريو، وفي هذا الإطار كشفت مجلة “لوبوان” الفرنسية في عددها الأخير، أنه إذا كان ما راج إلى حدود الأمس مجرد إشاعات بخصوص الدور الخفي لإسرائيل في بناء جدار الرمال الواقي، فإن ذلك أصبح مستندا إلى وقائع صحيحة تبين أن المغرب لجأ إلى خبرات تل أبيب وواشنطن في بناء جدار رملي بطول 2720 كلم بين سنتي 1980 و1987.

واستنادا إلى ذات المجلة، فإن المغرب لجأ إلى خبراء عسكريين إسرائيليين وأمريكيين لبناء جداره الأمني الواقي من اختراقات العناصر المسلحة لجبهة البوليساريو، وهذا الجدار لا زال يكلف خزينة المملكة ما قيمته 2 مليون أورو يوميا (2 مليار و200 مليون سنتيم).

وحسب علي نجاب، الطيار الحربي الذي قضى 25 سنة أسيرا لدى جبهة البوليساريو، فإن فكرة بناء هذا الجدار كانت لدى الجيش المغربي منذ سنة 1976، مفندا، في السياق ذاته، ما قالته مجلة “لوبوان” الفرنسية من أن هذا الجدار أقيم بدعم أمريكي وإسرائيلي.

ويبلغ طول الجدار الأمني العازل بمنطقة الصحراء 2720 كيلومترا، وهو عبارة عن مرتفع رملي يصل علوه إلى نحو 3 أمتار ويربط بين مواقع محصنة مزودة برادارات تبتعد عن بعضها البعض بحوالي 2 إلى 3 كيلومترات تجوبها دوريات، وتنحصر وظيفته – حسب نجاب – في الحد من حرية التحرك للمقاتلين الصحراويين ومنعهم من التقدم داخل المناطق والمدن المغربية.

فقد تم تشييد هذا الجدار، يقول علي نجاب، بداية الثمانينيات، بحفر خنادق رملية، وبعد ذلك، تم تعزيزها بالحجر والرادارات التي تكمن وظيفتها في الإشعار بتحركات مقاتلين الجبهة قبل الاقتراب من الحزام الأمني، وبالتالي، الحد من عملياتهم المباغتة، مضيفا أن القيمة العسكرية لتشييد هذا الجدار كانت تكمن في ربح مزيد من الوقت، وبالتالي، محاصرة مقاتلي العدو وكبح عملياتهم الهجومية. إلى ذلك، كشفت مصادر من جبهة البوليساريو، أن الدعم الذي لقيه المغرب من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لبناء هذا الجدار، كان ثمن الدور الذي لعبه الراحل الحسن الثاني في الوصول إلى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل سنة 1978 والمشهورة بـ”اتفاقية كامب ديفيد”، وقالت المصادر ذاتها، أن المغرب وجد دعما مماثلا من طرف الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي قدم مبالغ مالية مهمة كمساهمة في بناء الجدار)) (المصدر: جريدة المساء/ 16 يناير 2008).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى