RABATTODAYالرئيسيةوطنية

“ناصر الزفزافي”.. عندما يحول حراك الريف البسطاء إلى قادة

12573hr_-e1496738554430
الرباط اليوم
ما يزال الحراك الريفي في أوج اشتعاله، رغم كلِّ الجهود التي بذلتها الدولة في محاولة إخماد الفتيل، لاسيَّما عبر إرسال بعثةٍ رسميَّةٍ مكونة من عددٍ من الوزراء، بقصد لقاء الساكنة والتعرُّف على همومها، بل حتى إطلاق وعودٍ بإنجازِ مشاريعٍ تنموية ستعود بالنفع على المنطقة وأهلها.

بيد أن رجلًا واحدًا لا زال يأبى كلّ هذه المحاولات الحكوميَّة. البعض يراه رفضًا للحوار والتفاوض، حيث وصف «ناصر الزفزافي»، الوجه البارز والقيادي بـ«حراك الريف»، بأحد تدويناته على «فيسبوك» الوفد الحكومي بـ«العصابة»، معتبرًا حلوله بمدينة الحسيمة «محاولة لنسف الحراك الريفي». فيما يراه البعض الآخر، رمزًا للمبدئية والثبات على المواقف إزاء النظام المغربي. فمن هو ناصر الزفزافي؟ وما الذي يريده؟ وكيف استأثر شابٌ ثلاثينيٌّ بكلّ هذا الاهتمام وتمكَّن من قيادة حراك احتجاجي بكل هذا الزخم؟

حين يتحول البسطاء إلى قادة

لعلّ ما يميز قادة كل الأشكال الاحتجاجية التي شهدها المغرب، منذ أفول نجم حراك 20 فبراير (شباط)، كون أغلبهم من خريجي مدرسة «حركة 20 فبراير»، الحركة التي تأسست بالمغرب سنة 2011 كامتداد مغربي لموجة «الربيع العربي». لم تفلح الحركة في قلب النظام بالطبع كما حدث في عددٍ من الدول العربية، لكنها أفرزت عدَّة قيادات ووجوه نضالية شبابية، لا زالت تناوش السلطات بين الفينة والأخرى بجلّ مناطق المغرب. بخلاف ناصر الزفزافي، ذاك الشاب الريفي ذي الواحد وثلاثين سنة، والذي جاء من المجهول، باعتبارهِ لا يعد وجهًا فبرايرًا مألوفًا.

قبيل ميلاد «حراك الريف» بقليل، كان ناصر الزفزافي شخصًا مجهولًا، إلا لدى بضعة عشرات من الأشخاص، كانوا يتابعون فيديوهاته على يوتيوب، حيث كان يمارس «النضال الافتراضي» عبر تقنية «البودكاست» كما يفعل الكثير من الشباب. لم يتحوَّل الزفزافي إلى مناضل على أرض الواقع سوى ليلة مقتل بائع السمك «محسن فكري» طحناً داخل شاحنة أزبال. كان الزفزافي أول الواصلين إلى عين المكان، وبمجرد أن أخذ الكلمة، تجمهر الناس حوله وأخذوا يستمعون لأقواله باهتمامٍ شديد.. هناك فقط، ولدت أسطورة الزفزافي، ومنذ ذلك الحين، لم يتخلَّف عن حضور وقيادة أي وقفة احتجاجية أو مسيرة بمدينة الحسيمة.

ما الذي يصنع «نجومية» الزفزافي النضالية؟

تتباين مواقف المغاربة حيال الزفزافي كثيرًا، بين من يراه زعيمًا ومناضلًا شهمًا، وآخرون يرتابون في أمره، فيما يعتبر البعض الآخر بأنَّه أقلُّ من أن يستحقَّ قيادة حراك بذاك الحجم. لاسيَّما أن مؤهله العلميّ محدود، بحيث غادر مقاعد التعليم باكرًا واشتغل في مهنٍ بسيطة، غير نخبوية. لكنّ ما لا يختلف حوله اثنان، هو أن الزفزافيّ يتمتَّع بعدَّة خصال صنعت مجده وشهرته، وخوَّلت له التربع على عرش الحراك وكسب ود الفاعلين فيه والمتعاطفين معه، في وقتٍ وجيز جدًا.

ويحلل الصحافي المغربي الشهير «علي أنوزلا» شخصية الزفزافي التي نال بفضلها الزعامة، حاصرًا إياها في ثلاث نقاط؛ أولها: كون خطابه بسيط وشعبي، فهو يحدِّث الجمهور بلغةٍ عربية فُصحى وبلهجةٍ عربية مغربية وأخرى أمازيغية هي لغة أهله وسكان منطقته، منتقلاً بينها بتلقائيةٍ وسلاسة. كما لا يبدو بأنّ الزفزافيّ يبحث عن كلماته ومصطلحاته في قواميس اللغة، بل ينحتها من متداول الناس اليومي، بعفويةٍ وتلقائيةٍ وارتجالية غير مفتعلة.

بساطة وخطابة وكاريزما، عززتها طبيعة خطابه ونوعيته، فهو يوظف خطابًا دينيًا، بكلّ ما للأخير من قوةٍ ونفاذٍ في نفوس المغاربة، يستشهد فيه بالصحابة وعدلهم وبالأحاديث النبوية، ثم ينتقل إلى خطابٍ يساريٍّ عفويّ خالٍ من المفاهيم الكبيرة والتنظير والإيديولوجيا، خطاب يكتفي فيه بتحريك المشاعر الطبقية لدى فقراء الريف.

كما أن الزفزافي لا يغفل أهمية الإحالة في كل مرة على رموز المنطقة التاريخية، وعلى رأسهم «محمد عبد الكريم الخطابي»، أمير الريف المقاوم خلال عشرينيات القرن الماضي. هذه العناصر الثلاث يرى أنوزلا بأنها من صنعت نجم الزفزافي، إلا أنه يعتبر بأنّ ما يصنع من الزفزافي زعيمًا لا يتكرَّر، هو جرأته وشجاعته، فالشاب يتحدث بلغةٍ تتجاوز كل «الطابوهات» السياسية في المغرب، بلا «خطوط حمراء».

«زعيم» ولكن

خصال الزفزافي وفضائله التي أثنى عليها الصحفي علي أنوزلا وعددًا من المراقبين والمتعاطفين مع حراك الريف، توازيها انتقاداتٌ بالجملة، تجعل كثيرًا من المغاربة يرتابونَ في أمره. ففي حوارٍ أجراه مع مجلة «تيل كيل» الفرنكوفونية، أحصى«نبيل ملين» المؤرخ المغربي والاختصاصي في العلوم السياسية عيوب وأخطاء الزفزافي، التي يرى أنَّها قاتلة وحرمت الحِراك من الانتقال من الصعيد الجهوي المحلي (منطقة الريف) إلى صعيدٍ وطني.

يعتقد مُلين، بأنّ أغلب الفاعلين في الحقل الاحتجاجي المغربيّ، يعانونَ نقصًا في التكوين والتأطير السياسيَّين. وهو ما يجعلهم يلجئون للارتجال ولـ«خبط العشواء»، وتوظيف أيّ سلوك أو خطاب سياسي من شأنه تجييش الناس. الزفزافي من جهته لا يشذُّ عن هذه القاعدة، بحيثُ أنَّ خطاباته غارقة في الشعبوية.

ويضيف الباحث المغربي، بأن شعبوية الزفزافي تتجلَّى في عدم انسجام خطابه على المستوى المعجمي والمرجعي، فهو خطابٌ يساريٌّ تارةً، حين يتحدَّث عن معاناة الفقراء والمضطهدين بمنطقة الحسيمة والريف، وديني/محافظ تارة أخرى، حين يحيل على عدل الصحابة والخلفاء الراشدين بهدف الاحتجاج ضد لقب «أمير المؤمنين» الذي يتمتَّع به الملك محمد السادس.

كما ينهل من «العرقية/الإثنية» عبر التشديد على تفوق الإنسان الريفي والأمازيغي حيال باقي مكوِّنات الشعب المغربي. هذا النوع الثالث من الخطاب على وجه الخصوص – وفقًا لـ ملين – هو الذي أفقد حراك الريف تعاطف شريحة واسعة من المغاربة، وحرمه من إمكانية التحوُّل لحِراكٍ وطنيّ. بتعبيرٍ آخر: فالزفزافيّ بقدر ما أغنى الحراك الريفيّ بشجاعته وخطابته وبساطة أسلوبه، بقدر ما أساء إليه بوعيه السياسي المحدود، وببعضٍ من تصرفاته الطائشة، التي كان آخرها مقاطعة إمام مسجد خلال خطبة الجمعة، بعد أن شرع في الدعاء للملك وأسرته الحاكمة، ما دفع السلطات إلى تحريك مذكرة بحث في حقه من أجل اعتقاله بتهمة عرقلة طقس ديني، وهو ما يمنعه القانون الجنائي المغربي.

ما الذي يريده الزفزافي وهل تحرِّكه أيادٍ خفيَّة لضرب استقرار المغرب؟

«وعود بإغراق المنطقة بالمشاريع التنموية وفرص الشغل والاستماع لهموم الناس…» هذا ما حمله الوفد الحكومي الذي زار الحسيمة منذ أيام قليلة ماضية. لكنّ الزفزافيّ ومن معه يرفضون الموافقة ولا يكفُّون عن تصعيد لهجة خطابهم ضد «المخزن» – الاسم الذي يطلقه المغاربة على السلطة السياسية القائمة -. ما دفع وزارة الداخلية المغربية إلى التلميح في اجتماعها مع قادة الأحزاب السياسية، إلى كون قادة الحراك يتلقون تمويلًا خارجيًا، وهو ما يمنعه القانون المغربي. إلا أن الزفزافيّ يرفض هذه «الإدعاءات» جملة وتفصيلاً، ففي حوارٍ أجراه مع صحيفة «إيل إيسبانيول» الإسبانية، أعطى الزفزافي التحليل التالي للتُّهم التي توجهها له السلطات: «إذا سلمنا بحقيقية الطرح المخزنيّ، فإن كل الريفيين ينبغي أن يكونوا وراء القضبان الآن. فالريف فقير لدرجة عدم قدرته على العيش لولا تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج المالية، والتي تأتي من هولندا وإسبانيا وغيرها من المناطق التي تشهد تواجد جالية منحدرة من المنطقة». وزارة الداخلية، تدَّعي من جهتها امتلاك دلائل قاطعة على تلقِّي الحراك الريفي لتمويلاتٍ خارجية مشبوهة، تعدُ الرأي العام المغربي بالإطلاع عليها في أقرب وقت.

وإلى حين ظهور هذه الأدلَّة التي تدَّعي الداخلية امتلاكها، يصرُّ الزفزافي على عدم انتماءه لأيِّ تيارٍ سياسيّ، كما ليست له أي نية «مغرضة»، بقدرِ ما يطمح إلى وضع حدٍّ للظلم الذي يطال أبناء شعبه من طرف النظام القائم وفقًا له.

«إذا تركنا حادثة طحن أخينا محسن فكري تمرُّ مرور الكرام، فسيأتي الدور علينا جميعًا لا محالة، وهذا ما أرفضه جملةً وتفصيلا»، يقول الزفزافي قبل أن يضيف: «المخزن رغم كل وعوده لا يمكن الوثوق به، فهو لا يتوانى حتى عن خرق الدستور المنبثق عنه سنة 2011. أليس الدستور من يمنع في فصله 22، المسّ بالسلامة الجسدية لأيِّ شخص وفي أيِّ ظرف ومن قبل أي جهةٍ كانت؟ حادثة محسن فكري، تدل على أن رجال المخزن أنفسهم يعتبرون دستورهم مجرد حبر على ورق».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى