RABATTODAYالرئيسيةوطنية

ماذا يحدث بين الملك و رئيس حكومته بنكيران؟

2c31964e6fe6b20e692169f338579e

الرباط اليوم: علي انوزلا
تواترت التسريبات في الفترة الأخيرة عن مصادر تصف نفسها بأنها مقربة من القصر الملكي في المغرب تتحدث مرة عن “قلق” الملك ومرة أخرى عن “غضبه” و”استيائه” من رئيس حكومته الإسلامي عبد الإله بنكيران.

هذه التسريبات صدرت عن وسائل إعلام مغربية وأجنبية مقربة من أصحاب القرار في المغرب، ولم يصدر أي تكذيب أو نفي لما جاء فيها عن القصر الملكي. وهذه تعد سابقة في تاريخ تواصل القصر الملكي في المغرب الذي لم يكن يلجأ إلى مثل هذه الأساليب التواصلية لإرسال رسائل سياسية إلى من يهمهم الأمر.

في عهد الملك الراحل الحسن الثاني كان الملك نفسه يتوجه في خطابات مباشرة إلى من يريد أن يبلغهم رسائله، ولم يكن يتردد نقل رسائله بوضوح عبر وسائل الإعلام الرسمية إلى من يهمهم الأمر مباشرة. وفي حالات أخرى كان ينوب عنه مقربون من القصر يعبرون عن رأيه بوضوح في مقالات مباشرة وواضحة كانت تحمل توقيع مستشاره أحمد رضى كديرة ووزيره الذي بقي في منصبه حتى وافته المنية أحمد العلوي، وأحيانا كان يبلغها بلغة فجة عبر وزيره في الداخلية إدريس البصري، حسب مستوى الرسالة ودرجة المعني بالأمر.

كان ذلك أسلوب الحسن الثاني الذي قضى أكثر من ثلثي عهده الذي استمر زهاء 38 سنة في صراعات سياسية مفتوحة وبطرق مباشرة وغير مباشرة مع أحزاب الحركة الوطنية عندما كان على رأسها شخصيات كبيرة مثل علال الفاسي وعبد الله إبراهيم والمهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وعلي يعتة ومحمد بوستة ومحمد الدويري ومحمد بن سعيد أيت إيدر.

ومع تولي الملك محمد السادس المٌلك قبل سبعة عشر سنة اعتقد المغاربة أن عهد الصراع بين الملكية والأحزاب السياسية قد انتهى إلى غير رجعة، فالخلاف الذي كان قائما في عهد والده بينه وبين أحزاب الحركة الوطنية كان كل مرة يتخذ له لُبوسا جديدا حسب المرحلة وسياقاتها التاريخية، مرة حول الشرعية، ومرة حول المؤسسات ومرة أخرى حول الاعتراف المتبادل، لذلك كانت الرسائل المتبادلة يطبعها التشنج وأحيانا تجنح إلى العنف من كلا الطرفين. وكل هذه المواضيع كانت قد حسمت في نهاية حكم الملك الراحل لصالح القصر وسلمت بها الأحزاب التي ورثت تركة الحركة الوطنية.

لكن ظهور فاعل جديد على الساحة السياسية ممثل في الحركة الإسلامية سيعيد إيقاظ “العفاريت” لفتح جبهة جديدة بين القصر والإسلاميين ممثلين في الحزب الوحيد الذي اعترف به الملك الراحل قبيل رحيله عن هذه الحياة. لذلك يعتقد الكثير من المراقبين أنه لو لم يحصل هذا الاعتراف في مرحلة انتقالية دقيقة فاصلة في تاريخ المغرب لكانت البلاد قد شهدت احتقانا سياسيا شبيها بذلك الذي عاشته بعد استقلالها بين القصر والحركة الوطنية، وهذه المرة كان سيكون بين القصر والحركة الإسلامية. لكن كما يقال”قدر الله ولطف”.

وبالرغم من أن الصراع الذي كان يريد بعض أصحاب المصالح أن يٌشعلوه خمدت ناره في الكانون الذي لم يَعدم من يأتي لينفخ في رماده، وما يحصل اليوم بين الملك ورئيس حكومته هو أشبه بعملية النفخ في الكِير التي كانت وما زالت موكولة إلى من يسمون بـ “عبيدات العافية” داخل القصر، حسب التقاليد والطقوس المخزنية المرعية.

الأكيد هو أن الملك نفسه سبق له أن عبر في لقاء مع سيناتور أمريكي عن عدم ثقته في “الإسلاميين”، حسب ما روته عنه إحدى قصاصات “ويكيليكس”، ولم يصدر أي بيان من القصر ينفي صحتها أو يكذبها كما لم يكلف القصر آنذاك أي “مصدر مقرب منه” لتوضيح موقفه كما تنقل لنا ذلك اليوم بعض وسائل الإعلام.

والمرة الوحيدة التي قرر فيها الملك محمد السادس أن يٌبلغ امتعاضه من تصريحات أحد السياسيين، فعل ذلك بطريقة مباشرة وواضحة وعبر بيان أصدره الوزير الأول السابق عباس الفاسي عام 2009. كان ذلك عندما أراد الملك أن يحتج على تصريح لبنكيران نَسَبَ إليه فيه قوله بأنه هو من كان وراء مبادرة الملك آنذاك لفتح حساب للمغاربة للتبرع لصالح القضية الفلسطينية.

وحتى لو لم نصدق صحة “التسريبات” الأخيرة المنسوبة إلى القصر والموجهة إلى رئيس الحكومة، كما يدفع بذلك أنصار بنكيران، إلا أنها تحمل في طياتها رسائل سياسية مبيتة. فهي أولا تسعى إلى الطعن في كل رصيد بنكيران الذي بناه خلال فترة ولايته على موضوع واحد هو بناء الثقة بينه وبين القصر مقدما كل التنازلات المطلوبة وغير المطلوبة منه. والرسالة الثانية تأتي في سياق الاستعداد للانتخابات المقبلة وهي موجهة إلى شريحة عريضة من أعيان الانتخابات الذين يقدمون ولاءهم إلى الحزب الأقرب من السلطة، وتستهدف شريحة من الطبقة المتوسطة، وهي في غالبيتها طبقة انتهازية وصولية، مفادها أن القصر لم يعد يثق في بنكيران وحزبه.

أما إن صحت هذه التسريبات، وكل المؤشرات تؤكد صحتها، فالقصر لم ينفها أو يكذبها وبنكيران تجنب الرد عليها، فهي تأتي لتؤكد أمرين: الأمر الأول هو أن بنكيران وضع بيضه كله طيلة السنوات الخمس الماضية في سلة واحدة وعليه أن يتحمل مسؤولية قراره. والأمر الثاني هو أن الصراع السياسي في المغرب بين القصر والأحزاب السياسية، الذي يريد البعض أن يوهمنا بأنه ما زال متقدا انتهى مع موت الحسن الثاني، على الأقل ذالك الذي كان قائما حول الشرعية والاعتراف، لكن المستفيدين من ريعه ما زالوا أحياء يرزقون وينفخون في مَجْمَرِهِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى