سياسة

لماذا لا تتوحد أحزاب اليسار في المغرب؟

الرباط اليوم

مع اقتراب الانتخابات بالمغرب، المزمع تنظيمها في 8 شتنبر المقبل، يزداد زخم المشهد السياسي تحضيرا لهذا الاستحقاق.

PUBLICITÉ

زخم تتنوع معالمه بين تحالفات حزبية هنا، وانشقاقات أخرى هناك، من أجل خوض غمار المحطة السياسية الأهم بالنسبة للأحزاب في البلاد.

ومع احتدام المنافسة بين بعض الأحزاب من جهة، وتكوين التحالفات بين بعضها الآخر من جهة أخرى، يبقى مشهد الأحزاب اليسارية موسوما باستمرار التشظي والتشتت، الذي علت معه العديد من الأصوات المتسائلة عما يمنع تكتل هذه الأحزاب ذات المرجعية الواحدة في قوائم انتخابية موحدة.

** “نموذج للتشتت”

عبد المنعم لزعر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط، يقول إن ظاهرة التشظي التي تعرفها أحزاب اليسار مرتبطة تاريخيا بظهورها.

ويوضح لزعر، في حديث للأناضول، أن “ظهور أحزاب اليسار كان بالأساس نتيجة انشقاقات حزبية، بعدما كان ممثلا بقائمة محدودة من الأحزاب”.

ويضيف: “مع توالي الانشقاقات، أصبحت أسرة اليسار نموذجا للتشتت والبلقنة، الأمر الذي نتج عنه كثافة في الناطقين باسم اليسار، ومحدودية على مستوى الفعالية”.

وبحسب المتحدث، فإن هذا التاريخ السياسي، “بمختلف أعطابه”، ما زال يغذي العوائق التي تقف أمام أي وحدة محتملة أو تحالفات منشودة بين مختلف تعبيرات (تشكيلات) اليسار.

من جانبه، يعتبر عبد الصمد بنعباد، المختص في التواصل السياسي، أن اليسار في البلاد يعاني من “انقسامات فكرية حادة، تجعل تشظيه لا يرجع إلى أسباب سياسية فقط”.

ويضيف بنعباد، للأناضول، “إن هذه الانقسامات أثرت حتى على ما هو أبعد من الجانب السياسي لدى أحزاب اليسار، لتصل حتى إلى الجانب العلائقي (العلاقات) الإنساني والاجتماعي بين أفراد هذه الأحزاب”.

كل ذلك جعل – بحسب المتحدث – سياسيي هذه الأحزاب غير مقتنعين بجدوى التوحد في تكتل واحد.

** “بيئة غير مشجعة”

إلى جانب الانقسامات الفكرية والخلفية التاريخية للأحزاب اليسارية، والتي تحول دون انصهارها في بوتقة واحدة، فإن هناك عوامل أخرى غير مرتبطة بذات اليسار تصب في سبيل عدم تحقيق الوحدة المنشودة.

عوامل ترجع بالأساس، بحسب لزعر، إلى القواعد الانتخابية المعمول بها في البلاد، خاصة المتعلقة بنمط الاقتراع.

ويوضح أن طبيعة الاقتراع لا تشجع على التحالف عبر لائحة واحدة وبرنامج انتخابي واحد، على عكس نمط الاقتراع الأحادي، الذي يناسب هذه الصيغة من التحالف.

ويعتبر لزعر، أن هذه الحجة أبرز مبرر تقدمه الأحزاب لتبرير امتناعها عن الدخول في تحالفات عبر لوائح مشتركة.

إلى جانب ذلك فإن التكلفة المحتملة للفشل والنجاح، تعد من عوامل رفض الأحزاب؛ يسارية كانت أم غير ذلك، دخول مثل هذه التحالفات، بحسب المتحدث.

ويبيّن أن النجاح يقوي رصيد الحزب الذي ينتمي إليه المرشح الفائز باسم التحالف، وذلك على حساب باقي مكونات التحالف، والفشل يقوم باستنزاف رصيد الجميع.

ويرى لزعر، أن “الفشل في صياغة تحالفات على أرضية مرجعية جامعة يكون دائما بتوجيه من رسائل مصدرها بنية العقل السياسي، بينما لا زال الفاعلون في تلك البنية يستثمرون في الشخصنة بدل المأسسة، وفي البلقنة بدل التوحيد”.

** “تجارب وحدة يسارية فاشلة”

وبالرغم من كل ما يعترض طريق توحد اليسار من عوائق، إلا أن ذلك لم يمنع من تشكل تكتلات يسارية من عدة أحزاب، غير أن هذه التجارب بحسب العديد من المراقبين، تبقى بعيدة عن النجاح.

وتعد “فيدرالية اليسار الديمقراطي”، أبرز تجربة للوحدة اليسارية، التي تشكلت خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة (2016)، من تحالف بين الحزب الاشتراكي الموحد، وحزبي الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والمؤتمر الوطني الاتحادي.

وعن سبب تشكل هذه التحالفات وفشلها، يقول بنعباد، إن “تجارب الوحدة اليسارية كانت تجارب شعبوية تحت ضغط جمهور اليسار المحتقن من قياداته”.

ويعتبر بنعباد، أن هذه التحالفات قامت على العديد من المتناقضات والاختلافات، التي لم يستطع معها المتحالفون تذويبها، الأمر الذي أفشل هذه التجارب.

كل هذه الأسباب إلى جانب تجارب “غير ناجحة” للتحالفات اليسار، تنذر باستمرار وضع هذه الأحزاب على ما هي عليه من تشتت، وعدم إمكانية تشكل تكتل مستقبلي بينها.

الأيام24+الأناضول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى