سياسة

لسعد الدين العثماني ومحمد أمكراز.. المخزن “يُكيِّف ولا يُكيَّف”

مراد بورجى

لابد أن نُحيّي اليوم سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، ورئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، ذي المرجعية الإسلامية، على إشرافه على توقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل باسم المغرب.
لن نقول إن توقيع العثماني لهذه الاتفاقية أملته صفته كرئيس للحكومة، فكان لابد أن يوقعه هو بتلك الصفة.
بل لأن سعد الدين العثماني، بكل الصفات، لم يكن يعلم البتة بما يجري ويدور حوله بشأن هذا التطبيع، حتي فاجأه القصر ووزيره في الشؤون الخارجية بهذه الاتفاقية، التي تطلبت ثلاث سنوات من المفاوضات لينضج التوقيع عليه هذا اليوم.
والدليل على ما أقول هو أن سعد الدين العثماني، الذي مهر بتوقيعه وبقلمه “اتفاقية التطبيع” هاته المندرجة ضمن “صفقة القرن”، هو نفسه الذي خرج علينا بتصريح، يوم الأحد 23 غشت الماضي، خلال كلمة ألقاها بمناسبة الملتقى 16 لشبيبة حزبه “الغرّاء”، بعد أن انتقد بشدة التطبيع مع “إسرائيل”، في إشارة إلى “تطبيع الإمارات”، يقول فيه إن “كل عملية تطبيع مع الكيان الصهيوني هي دفع له وتحفيز كي يزيد في انتهاكه لحقوق الشعب الفلسطيني والالتفاف على هذه الحقوق التي تعتبر الأمة الإسلامية كلها معنية بها وبالدفاع عنها”.
وتابع وسط تهليلات شبيبته التي كان أغلبها يتلحّف بكوفيات فلسطينية، قوله بلهجة واثقة: “موقف المغرب ملكا وحكومة وشعبا هو الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى المبارك، ورفض أي عملية تهويد أو التفاف على حقوق الفلسطينيين والمقدسيين وعروبة وإسلامية المسجد الأقصى والقدس الشريف”.
وهنا أخذت منه الحماسة مأخذها، وجاءت تهليلات وتكبيرات شبيبته ليزيد في “تزنيد” خطابه، حتى قال متباهيا متعاليا متشامخا: “هذه خطوط حمراء بالنسبة للمغرب ملكا وحكومة وشعبا، وهذا يستتبع رفض كل التنازلات التي تتم في هذا المجال، ونرفض أيضا كل عملية تطبيع مع الكيان الصهيوني”.
ثارت وقتها ثائرة الصحافة الإسرائيلية، التي هاجمت العثماني، الذي حشر الملك محمد السادس، والشعب المغربي، في تصريحه، وبدا بذلك وكأنه يتكلم بصفته رئيسا للحكومة وليس رئيسا للحزب فقط.
كانت وقتها حرب المنافسة بين ترامب وبايدن مستعرة، ربما بعض بوادر انهزام ترامب وقتها قد أغرت العثماني لدرجة أنه استغل تحفظ ديبلوماسية القصر إثر زيارة كوشنير صحبة زوجته ابنة الرئيس الأمريكي ترامب للمغرب، وشرع يدخل ويخرج في تصريفه مواقف حزبه الإخواني.
ما كان يثير الاستغراب هنا هو أن الملك محمد السادس سبق أن أبعد العثماني من الدبلوماسية بإعفائه من وزارة الخارجية التي كان يتقلد حقيبتها في النصف الأول من ولاية رئيس الحكومة “المُقال” عبد الإله بنكيران.
كنتُ خرجت، مباشرة بعد هذه الخرجة العثمانية، وبالضبط يوم 26 غشت 2020، بمقال على ضوء هذه المعطيات قلت فيه إن “إسراع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني لإصدار تصريح يرفض فيه التطبيع مع إسرائيل ليس إلاّ هروبا إلى الأمام”. وقلت إن تصريح العثماني ليس رسميا، ولا يُمثل إلاّ نفسه، كما استرسلت في القول إن العثماني لا يُمثل الدبلوماسية المغربية، التي أوكل القصر تمثيليتها لوزير الخارجية ناصر بوريطة، الذي رفض نهائيا التعليق حول دور المغرب في مخطط صفقة القرن، أو ما سمي بحل ملف الصحراء الغربية المغربية مقابل قبول المغرب بالمخطط الأمريكي الكبير القاضي بفض النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي بدأ تطبيقه على الأرض بضغط القوى العظمى منذ الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفتح سفارات بها.
فهمت وقتها أن “مالين الوقت” لن يغفروا للعثماني هذه الزلة، التي كادت أن تفسد على القصر ثلاث سنوات من الجهد لحل مشكل الصحراء المغربية، مستغلاً صفقة القرن “المفروضة” به أو بدونه.
واليوم، يزيد سعد الدين العثماني “بلّة” أخرى، بخلق أزمة ديبلوماسية جانبية هذه المرة مع الجارة الإسبانية، بسبب تصريحه في الوقت غير المناسب حول احتلال مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين.
ولهذا ربما تكون هذه الزلات هي السبب التي دفعت القصر ليأمر رئيس الحزب الإسلامي الحاكم سعد الدين العثماني ليقوم بالتوقيع بصفته رئيس الحكومة وباسم الملك والشعب هذه المرة على اتفاقية التطبيع، التي ظل هو وحزبه وإخوانه يحاربونها طوال حياتهم، بدل أن يوقعها وزير الخارجية، ناصر بوريطة، الذي يمثل الديبلوماسية، وساهم في بلورة هذه الاتفاقية، وعاش أدق تفاصيلها.
ولا يفوتني هنا أن أقول لوزير الشغل والإدماج المهني والكاتب العام لشبيبة حزب العدالة والتنمية، محمد أمكراز، الذي صرّح أنه “لا يتفق” مع تطبيع المغرب مع إسرائيل بصفته رئيساً لشبيبة حزبه، وفي نفس الوقت “يتفق” مع الحكومة على هذا التطبيع بصفته الأخرى كوزير فيها: “إنك تعيش حالة مرضية من ازدواجية الشخصية”!
فالوزير محمد أمكراز، بهذا التصرف الانفصامي، كان يعتقد أن “مالين الوقت” سيتخذون قرار الإقالة في حقه، قراراً قد يجعل منه بطلاً يتمكن، بواسطته، من سحب البساط من تحث قياديي حزب العدالة والتنمية التقليديين بالحزب.
واليوم، والتاريخ يسجل أن حزبه الحاكم، الذي ترنح باسم شبيبته “الثائرة على الحزب بسبب مشاركته في الحكومة”.
اليوم، يسجل التاريخ أن حزبهم هو من كان له “شرف” التوقيع على اتفاقية التطبيع مع اسرائيل بواسطة رئيسه.
واليوم، أيضا، سأُردد على مسامعه ما قاله الملك محمد السادس في خطاب العرش 18 لعبد الإله بنكيران حينما كان يتلكأ:
“عوض أن يبرر عجزه بترديد أسطوانة (يمنعونني من القيام بعملي)، فالأجدر به أن يقدم استقالته، التي لا يمنعه منها أحد”.
وحتى تفوت الفرصة على الوزير أمكراز، لماذا لا يقدم استقالته من الوزارة إذا كان فعلاً لا يتفق على التطبيع من أصله، تيمنًا بما فعله شرفاء الشبيبة الاتحادية عندما لم يتفقوا مع الراحل عبد الرحمان اليوسفي حول دخول الحزب حكومة التناوب، عندما كان يعتقد أنه سيقوم بالتغيير من الداخل.
وكما قال صديقي خالد الجامعي مستعيراً كلمة “التكييف” من القضاء:
“المخزن يُكيِّف، ولا يُكيَّف”!
أمكراز، يالله نوض على سلامتك، سالينا!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى