RABATTODAYالرئيسيةوطنية

“غضبة” وراء متاعب محسن بناني كريم؟

bennani_karim_moh_ghadba

الرباط اليوم
فجأة إختفى المدافعون عن الحرية الفردية والحياة الشخصية الشديدي النشاط كلما تعلق الأمر بقضية أخلاقية، وذلك حين إنبرت بضعة مواقع إعلامية (مخابراتية) إلى نشر أنباء حول إعتقال رجلي أعمال (هند عشابي و محسن كريم بناني) يوم الخميس الفارط (11 غشت). التهمة الرسمية التي أُلبست لهذين الشخصين، هي “الخيانة الزوجية”، رغم كون هند عشابي مُطلقة منذ مدة (بحسب ما أكدته عدة مصادر متواترة) و توجد في نزاع قضائي مع زوجها السابق (دبلوماسي كويتي) حول أبوية الإبنة التي أنتجتها علاقتهما.

المثير في هذه القضية هو كيف إنخرطت بحماسة (وتنسيق كبير) المنابر المخابراتية المذكورة للترويج لهذا الخبر (مستخدمة في ذلك حتى الإشهار المدفوع الثمن)، رغم كون الشخصين المعنيين ليسى شخصيتين عموميتين أو ذوي نشاط سياسي معلوم، وبالتالي فحياتهما الشخصية، و الشبهات و التهم التي قد تواجههم، ليست بمادة صحافية تخص العموم، ولا يجوز في جميع الأعراف الصحافية بأبجدياتها، حينما يتعلق الأمر بأشخاص غيرءعموميين أو غير ذوي نشاط سياسي، أن يتم تعمد التشهير بتهم في حقه لم تثبت بعد، بل هذا هو صميم تعريف “التشهير” في قوانين الصحافة في الدول التي تحترم نفسها.

هذا التصرف يؤشر بقوة على أن الحملة، مقصودة و مطبوخة من “جهة ما”. وإذا ما إهتممنا بمعرفة الشخصين موضع الإتهام تتضح بعض معالم أصل الإستهداف. من جهة هند عشابي، بنت ذات أصول جد متواضعة و تكوين تعليمي لا يقل تواضعا و هزالة (مضيفة طيران)، تسنمت “عالم الأعمال و الثروة” عبر طريق سلكتها أخريات قبلها، و هو طريق أسرة أثرياء خليجيين و زيجات معهم. وهي في هذا ليست إستثناء فهناك أمثلة كثيرة من “نساء أعمال” أو “نافذات” مغربيات في شركات كبرى إنتهجن نفس الأسلوب، لعل أشهرهن، عشيقة رئيس المخابرات السعودية السابق كمال أدهم، والتي خلقت زوبعة إعلامية مؤخرا بعد أن طردها إبنه من الفندق الذي سمح لها أبوه بإدارته بتارودانت (Lا Gازيللي ذور). و هذا يعني أن إستهدافها من طرف “الأجهزة” سواء أكانت إعلامية أو غير ذلك هو، مبدئيا، “حلال” لكونها، وإن كانت تتوفر على ثروة لا يستهان بها، لا تنتمي لدائرة النفوذ (سéرايل) سواء عائلة أو صداقة.

في المقابل الطرف الآخر، رجل الأعمال محسن كريم بناني، له خلفية أكثر أهمية. فهو ليس إلا الشريك المغربي في مشروع Lح إڢياتيون الميت الذي زعمت وإدعت و روجت المنابر المقربة من القصر على أنه “مشرع تصنيع طائرات في المغرب”.

محسن كريم بناني يوجد في صراع مع شركائه في شركة Lح إڢياتيون الفرنسية، فبعد أن إستثمر عدة ملايين يورو في هذا المشروع، الذي يتصف بجميع أوصاف “مشاريع السراب” و يذكرنا بحلقات بترول تالسينت و كازينوهات ماكاو و مؤخرا مشروع “نور”، وجد نفسه شيئا فشيئا أمام الواقع، مما دفعه إلى تجميد إنخراطه في المشروع وأدى إلى إلغاءه نهائيا من طرف الجانب الفرنسي الذي رفع عدة دعاوى قضائية في باريس ضد شريكه المغربي بداعي عدم الإلتزام ببنود العقد.

التفاصيل الصناعية لمشروع Lح إڢياتيون:

المشروع الذي رُوج له سنة 2014 في الصحافة الرسمية على أنه تصنيع طائرات في المغرب، مع الإدعاأت التي إعتدنا عليها من قبيل أول مرة في إفريقيا أو العالم العربي، و على أن الطائرات سيتم تصديرها لبعض الجيوش الإفريقية و كذلك في الإمارات، هو في الواقع، و كما يمكن أن نتوقع دائما عندما تقوم الصحافة الرسمية بالتصفيق والتطبيل، مشروع جد تافه و الطائرات هي ليست حتى طائرات حقيقية.

طائرات Lح إڢياتيون هي ما يسمى بال “خيت Pلاني”، أي طائرات مصغرة تركب بناء على خيت جاهز من طرف أي شخص حتى و إن كان فقط هاويا، والمبدأ هو في الواقع موجه ليس نحو المجال المهني و الصناعي وإنما نحو هواة الطياران و “البريكولاج”. طائرة Lح إڢياتيون لا تتوفر حتى على شهادة ال إير وورتهينيسس في الإتحاد الأوروبي، مما يعني أنها لا يمكن أن حتى أن تطير في المغرب أو في أي مكان آخر خارج مجال “التجريب”.

فالواقع إذن أن المشروع الذي رُوج له، ليس مشروع تصنيع وإنما فقط تركيب أجزاء جاهزة و مجهزة على شكل خيت لطائرة مصغرة لا تتوفر على شواهد موافقة المعايير التي تمكنها من التحليق خارج إطار التجارب. ف “المصنع” الذي روج له بالنواصر هو إذن هو فقط مرآب أو ورشة لتركيب أجزاء بسيطة لطائرة هواة، يمكن لأي هاوي أن يركبه بنفسه في منزله. بل يمكن إقتناء ال خيت من الأنترنيت في الولايات المتحدة (بل أن الموديلات الأمريكية أكبر حجما و أكثر تطور تكنولوجيا) و لا حاجة لا لشركة فرنسية و لا لمهندسين و لا لإستثمار و لا تكنولوجيا أو مصنع، فالمسألة كلها لا تعدو نشاطا “ترفيهيا” بجهاز يشبه جهاز ال ضروني.

يمكن أن نتخيل أو نصدق أن المشروع كله هو فقط مبادرة شخصية من محسن كريم بناني و أنه لم يلعب فيه دور الواجهة، و أنه فقط شخص ساذج و محدود الفهم، صدق أن طائرات كارتونية تافهة يمكن لأي هاوي ضىى أن يركبها، هي مشروع إستثماري تكنولوجي عبقري يتوجب صرف عدة ملايين يورو فيه، و أن الإعتقال الذي يتعرض له الآن، و الترويج الإعلامي (التشويهي) في منابر مخابراتية، هو أيضا صدفة و لا علاقة له بهذا المشروع، و إنما فقط نتيجة لجو يسود فيه “فرط حرية الصحافة و نباهة الصحافة الإستقصائية” في المغرب.

كما يمكن أن نرجح بناية على المعطيات أعلاه، سيناريو أقل موافقة ل “الصدف”. فكل حيثيات هذه القضية تتشابه إلى حد يصعب فيه إحتمال الصدفة مع حلقات سابقة لمغامرات الملك محمد السادس أو محيطه في إستثمارات صناعية أو إقتصادية ساذجة إلى درجة تُكاد تُصدق. فلدينا سلسلة طويلة من هذا النوع من “السذاجة الملكية” بدأ بتالسينت ثم إستثمار أمول السيديجي في أسهم Cلوب Mيد ثم مشاريع مازاكان و السعيدية و كازينوهات ماكاو، و مؤخرا مشروع نور. و لدينا حلقة أخرى مع منير الماجيدي لديها أوجه شبه أكثر دقة مع هذه القضية لكونها في نفس المجال. و هي القضية التي كان خصها الصحفي أحمد رضي بنشمسي بمقال في جريدة لوموند رفع على إثره منير الماجيدي دعوى قضائية (خسرها وإدعت صحافته وصحافة القصر بأنه ربحها)، ففي هذه القضية كان أيضا الأمر يتعلق بمجال الطيران و بضخ عشرات ملايين الدولار (هذه المرة بإستخدام لارام) في مشروع مشكوك و مشبوه لتخصيص “كاراج” (سيسمى بالطبع مصنع…) بالنواصر بغرض تجهيز الأثاث الداخلي لطائرات فخمة. المشروع من جهة يكتسي جميع الأوصاف التي تصب في قالب البروباغندا الملكية حول “صناعة الطيران” (التي لا وجود له بالإطلاق في المغرب رغم إدعاء الملك الكاذب بذلك)، و إفريقيا و التصدير لإفريقيا و الإمارات. مشروع فارغ لكن له حمولة دعائية ممتازة و يمكنه أن يخلق عدة عناوين جذابة ولما لا ربما حتى تدشينات و صور ملكية تملأ أجندة الملك…السيناريو الثاني يعطي سبب منطقي للمتاعب التي يتعرض لها محسن كريم بناني حاليا، ف “غضبة ملكية” (أو غضبة ماجيدية)، كفيلة بأن تخلق للمغضوب عليه و تجر عليه سيلا من المتاعب القضائية والإعلامية ولدينا لائحة طويلة عريضة من السوابق أبرزها كريم الزاز و خالد الودغيري. و يزداد ترجيح هذا السيناريو إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن المحامي الذي إختاره الشركاء الفرنسيين للترافع ضد بناني ليس إلا محامي الملك محمد السادس هشام الناصري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى