وطنية

عبد الله بوصوف يكتب.. المغرب الذي نريده

الرباط اليوم

لم تغب عناصر التشخيص الواقعي و بُعـد النظر في طرح التصورات عن خطاب الذكرى الأربعة و الأربعين للمسيرة الخضراء ليوم 6 نوفمبر 2019 ، و حضرت روح مسيرة العطاء و رفع التحديات و فلسفة النهوض بتنمية كل جهات المملكة و التوزيع العادل للثروات بين جميع الجهات..

يُــقال ان المناسبة شرط ، وهو ما يجعل السرد الكرونولوجي السريع لملف الصحراء المغربية بين مسافة خطابي المسيرة لسنتي 2018 -2019 ، – يجعل منه – قـيمة مُضافة لكل غاية مفيدة ، من حيث الحصيلة الإيجابية لديبلوماسية مغربية قوية ومنسجمة و تتحرك على اكثر من واجهة ، و فوق أرضية صلبة عُـنوانها الإجماع الوطني علي قضية الوحدة الوطنية و الـترابية….
وهي مسافة زمنية و سياسية تميزت بمشاركة الآلة الديبلوماسية المغربية في موائد الحوار تحت مظلة الأمم المتحدة و برعاية الوسيط الأممي الجديد هورست كولر بكل من جنيف و لشبونة ، كما أشادت عدة تقارير دولية بتقارير حقوق الإنسان الصادرة عن فرعي المجلس الوطني لحقوق الإنسان بكل من الداخلة و العيون، بالإضافة إلى تقارير أخرى تشيد بالاستثمارات في الأقاليم الصحراوية المغربية.. وهو ما يعزز بالملموس مقولة المغرب في صحراءه و الصحراء في مغربها ، وهو ما تجاوب معه المجتمع الدولي في اكثر من حدث ، سواء من خلال عدم دعـوة مرتزقة البوليساريو لحضور القمم الاقتصادية لأفريقيا سواء مع اليابان أو الصين أو روسيا…أو من خلال التوقيع على اتفاقيات اقتصادية و تجارية تضم الأراضي الصحراوية المغربية .. أو من خلال قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2494 , ليوم 30 أكتوبر الماضي و الذي مدد مهمة المينورسو لسنة كاملة عوض ستة اشهر وأكد على المقاربة السياسية التفاوضية و الإسراع بتعيين وسيط اممي جديد . بـعـد أن قـــدم هورست كولر استقالته في شهر ماي 2019 ، وهو نفس اتجاه المغرب من خلال تسقيف مبادرة الحكم الذاتي وجعلها اطارا لكل حوار أو مفاوضات تجرى حصريا تحت مظلة أممية….
و بالتوازي مع هذه الحصيلة الإيجابية للدبلوماسية المغربية في ملف الصحراء المغربية وعدم اعتراف اكثر من 163 دولة بالكيان الوهمي و توقيع اكثر من ألـف اتفاقية تهم كل مجالات التعاون ، فلا يمكن ان تخطأ العين التغييرات و التحولات الجذرية لمسافة زمنية كبيرة من جهاد اصغر إلى جهاد اكبر يتمثل في البحث عن سبل التنمية و مناخ العيش الكريم للمواطن المغربي ليس بجهة دون الأخرى ، بل لجميع جهات المملكة ، هذا مع مساحة كبيرة من المراجعات و التعديلات و بدون أي مركب نقص سرد الانتقادات لمختلف النماذج التنموية التي عرفتها المملكة منذ الاستقلال….

المغرب يعرف ان الوصول إلى مُـبتغاه يتمثل في تفعيل جهوية متقدمـة على مقاسات حددها المشرع بدقة كبيرة في فصول 135 إلى 146 من دستور سنة 2011 ، سواء من حيث التدبير الحر و التعاون و التضامن و التعاضد بين الجهات أو إمكانية تآسيس مجموعات بين الجهات أو احداث صندوق التأهيل الاجتماعي أو صندوق التضامن بين الجهات…

وهو ما نبـه اليه خطاب المسيرة الخضراء ليوم 6 نوفمبر2019 ، حيث بسط تصور استراتيجي واقعي و عملي و أيضا دستوري.. يُـمكننا من خلاله تحقيق العدالة المجالية من خلال اعتماد جهوية متقدمة تهدف إلى تحقيق التنمية المحلية و تخلق فرص الشغل و تفك العزلة عن مناطق معينة و تقلص الهوة بين مستويات الجهات المغربية الاثنى عشر….

فخطاب يوم أمس لم يخل من لمسة العبقرية ، حيث طرح قـراءة جديدة لخريطة المغرب سواء على مستوى الجغرافيا أو على مستوى العدالة المجالية ضمن النموذج التنموي القادم ، و ما يمكن ان تلعبه جهة سوس ماسة مثلا ، باعتبار موقعها الجغرافي (في وسط المغرب ) من دور محوري في التعاون و التعاضد و التضامن خاصة مع جهات كلميم واد نون و جهة العيون الساقية الحمراء و جهة الداخلة وادي الذهب…حتى تتوفر هذه الجهات على مقومات بنية تحتية قـوية و مرافق اقتصادية و اجتماعية تمكنها من لعب دور بوابة المغرب نحو جنوب الصحراء و الساحل…
و بالإضافة إلى الموقع الجغرافي لجهة سوس ماسة فانها تتوفر على مقومات مهمة للإقلاع الاقتصادي و الاجتماعي ، و يكفي ان نذكر بعضها فهي تتوفر على مطار عصري و ميناء مهم و ملعب عصري و 8 سدود كبرى و 5 كليات و 2323 فندق مُـصنف و 10 مناطق صناعية و شبكة طرقية تعادل 8000 كلم…وهي ارقام تجعلها في وضع متقدم على جهات الجنوب المغربي..
لقد تعودنا من كل خطابات جلالة الملك التشخيص الواقعي و الجرأة في الطرح و أيضا السبق في طرح التصورات و الاستراتيجيات للاقلاع التنموي ، وهو ما جاء به خطاب الذكرى الأربعة و الأربعين للمسيرة الخضراء من خلال الإعلان عن ورش كبير يتمثل في مد الخطوط الحديدية من مراكش (جهة مراكش – تانسيفت ) إلى اكادير ( جهة سوس – ماسة ) ، و أيضا الربط الطرقي ( الطريق السريع ) بين اكادير و الداخلة..
وهـو الـورش الذي سيُسهل تنقـل الأشخاص و رؤوس الأموال و البضائع و السياح و سيخلق فرص الشغل و التنمية الاجتماعية و العدالة المجاليـة من خلال تحريك الاقتصاد و دعم التصدير و السياحة….
إن المغرب يعرف طريقه جيدا للحفاظ على الوحدة الوطنية و الترابية ،كما يعرف طُـرق و آليات النقد دون الوصول إلى جلد الذات ، و هــو في ذلك يحتاج الي طاقات كامل ابناءه سواء بالداخل أو من مغاربة العالم ، في نموذج متفرد للحمة وطنية تدافع عن نموذجها في التنمية و العيش الكريم و تدافع عن توابث الأمة المغربية مستمدة قوتها من قوة روح المسيرة الخضراء المتجددة في تجاوز التحديات و رسم الآفاق الإيجابية…
فالمغرب الذي نُـريــده – كما قال صاحب الجلالة الملك محمد السادس – يجب ان يقوم على جهات منسجمة و متكاملة ، تستفيد على قدم المساواة من البنيات التحتية ومن المشاريع الكبرى ، التي ينبغي ان تعود بالخير على كل الجهات…..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى