الرئيسية

شباط المثير للجدل، 12 عاما من الاتهامات، من أين لك هذا؟.. ليلة هروب شباط

الرباط اليوم: محمد السبتي

قصة العمدة السابق لفاس حميد شباط ليست سوى الشجرة التي تخفي الغابة، ففي أجواء كشر فيها القضاء والنيابة العامة عن أنيابهما ضد الفساد وملفاته، بدأت المحاكم في سباق مع الزمن في تداول قضايا بعض المنتخبين والمسؤولين المتهمين بهدر المال العام والاختلاسات واستغلال النفوذ وخرق القانون، ومنهم شباط.

وعلى الرغم من أن هذه الدينامية القضائية الجديدة تأتي استجابة لمذكرة النيابة العامة القاضية بالتفاعل مع كل الشكايات الموجهة ضد الفساد، إلا أن رائحة القرار السياسي تشتم وراء كل ما يحدث.

هناك تزاحم للمسؤولين والمنتخبين بمراكش أمام المحاكم، وفي جهة سوس ماسة يخضع مشروع تغازوت باي لتحقيق قضائي وإجراءات عقابية، بينما يتحسس الكثير من المسؤولين السياسيين والحزبيين الكبار مثل محمد مبديع رؤوسهم.

وبغض النظر عن كون الأمر يتعلق بحملة عابرة أو انتقائية فإن ما يحدث يمكن أن يفتح قائمة طويلة من الملفات القضائية المثيرة عن تدبير بعض المدن والمجالس الجماعية والجماعات الترابية وبعض الإدارات والمؤسسات العمومية والشبه عمومية. وفي هذا السياق يحضر في قلب هذه الزوبعة القضائية التطهيرية ملف بعض المنتخبين والسياسيين الذين فضلوا في السنوات القليلة الماضية الاختفاء عن المشهد ونفهم كيف اتخذوا قرارهم بالرحيل عن الوطن بعيدا إلى ملاذات آمنة. الأخوان فؤاد وإلياس العمري فضلا الاستقرار في إسبانيا، والزعيم الاستقلالي السابق حميد شباط فضل الاستقرار في ألمانيا، ثم السعي للحصول على الجنسية التركية.

شباط المثير للجدل

لم يكن حميد شباط زعيما حزبيا عاديا، فمروره من حزب الاستقلال ترك بصمة في تاريخ الحزب. لقد كان رجلا يحب إثارة الجدل باستمرار، بسلاطة لسانه والحدة في مواجهة خصومه، وصراعه الشديد معهم لإحكام السيطرة على الحزب. لا تزال معركة النقابة التابعة للحزب حاضرة في الأذهان عندما استطاع شباط بما يمتلكه من قوة تعبئة وإنزال أن ينتزع النقابة من بين أنياب عبد الرزاق أفيلال وورثته. وعندما أحكم شباط سيطرته على مدينة فاس وعلى الحزب والنقابة، بدا أكبر المرشحين لتمثيل حزب علال الفاسي في أعلى مستويات التدبير الحكومي. لكن الجدل الذي يتقنه الرجل لم تكن دائما عواقبه محمودة.

لقد دفعته تصريحاته مرارا وتكرارا إلى التورط في مواقف ستجعله تدريجيا في قائمة المغضوب عليهم. فحديثه عن غياب الحريات ومعتقلي الرأي، وعن هيمنة الدولة العميقة لم تكن تروق لجميع الجهات.

كما أن أخطاءه في مقاربة ملف العلاقات الخارجية خصوصا مع موريتانيا التي اعتبرها جزء من المغرب كانت له انعكاسات سلبية على مكانته ودرجة قربه من دوائر القرار.

ولأنه كان محط انتقادات محلية في تدبيره لمدينة فاس كانت نقاط ضعف الرجل تتفاقم وتتزايد، إلى أن أضحى يرى نفسه لقمة سائغة لأي متابعة قضائية أو أمنية. هذا ما جعله يغادر البلاد إلى غير رجعة. لم يعد شباط إلى المغرب حتى لتوديع أقرب الأقربين إليه بعد وفاة شقيقته مؤخرا.

قبل أكثرمن أسبوع توصل الوكيل العام للملك بإستئنافية فاس بما يؤكد عدم توصل حميد شباط بالاستدعاء للمثول أمام عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، للإستماع إليه حول خروقات وإختلالات خلال فترة توليه عمودية مدينة فاس. يحدث هذه في الوقت الذي يرفض فيه حميد شباط المقيم بين ألمانيا و تركيا، العودة للمغرب، حيث تخلف عن حضور جنازة شقيقته.

وجاء استدعاء شباط على خلفية التحقيق في اختلالات وخروقات خطيرة في صفقات عمومية وتفويتها بشكل غير قانوني، فضلاً عن التحقيق في برنامج إنقاذ مدينة فاس، وترميم المنازل الآيلة للسقوط بالمدينة القديمة للعاصمة العلمية. وقد ضحى شباط برحيله عن المغرب بسبب غيابه المستمر عن مجلس النواب بتعويضاته الشهرية التي تقارب 4 ملايين سنتيم.

وتكشف الشكاية التي اعتمدتها النيابة العامة لفتح تحقيق في ملف تدبير حميد شباط لمدينة فاس خبايا وأسرارا مثيرة عن تلك المرحلة. هذه الشكاية التي تقدمت بها الهيئة الوطنية لتقييم تدبير الشأن المحلي ومحاربة الفساد تقدم تفاصيل مثيرة عن الخروقات التي يتهم بها حميد شباط. فهي تلخص الاتهامات في الاختلاس وتبديد أموال عمومية والغدر والرشوة واستغلال النفوذ والتزوير في أوراق رسمية وإخفاء أشياء متحصل عليها من جناية وغسل الأموال والمشاركة والمساهمة في ذلك.

اثنا عشر عاما من الاتهامات

هذه الشكاية التي تحركت بناء عليها التحقيقات في ملف حميد شباط تعود إلى عام 2017 وتغطي الاتهامات المتضمنة فيها الفترة من 2003 إلى 2015. لقد تأسست هذه الشكاية التي أصبحت سيفا مسلطا على رقبة حميد شباط تحول بينه وبين العودة إلى الوطن على رصد للكثير مما أسمته “الجرائم العمرانية العقارية والطرق المشبوهة” التي تم بها تفويت جميع أراضي جماعة فاس بما فيها المقابر والحدائق داخل المدينة لصالح بعض لوبيات القطاع الخاص والمنعشين العقاريين، وكيفية حصولهم على الرخص الاستثنائية لتغيير التصاميم الأصلية وإدخال تعديلات على تصميم التهيئة بتحويل المساحات الخضراء إلى غابات إسمنتية مقابل حصولهم على امتيازات لتوسيع مشاريعهم العقارية.

وتعطي الشكاية بعض الأمثلة العملية عن هذه الخروقات مثل تحويل ملعب الخيل الذي يعتبر المتنفس الوحيد لسكان مدينة فاس إلى عمارات وكذا مساحة واد فاس، وصفقة تدبير قطاع النقل الحضري التي تمت في ظروف مشبوهة ووجهت بشأنها الكثير من الانتقادات بعد تفويت القطاع من الوكالة المستقلة للنقل الحضري إل شركة سيتي باص مما تسبب في تشريد 500 عامل، وصفقة تدبير النظافة وجمع الأزبال في المدينة والتعاونيات الزراعية بكل من طريق عين الشقف وطريق مكناس، وإهمال المجلس الجماعي في عهد شباط للمدينة القديمة وفشلها في النهوض بها وبمعالمها التاريخية والحضارية والإنسانية وتبديد ميزانية المجلس الذي بقي في ذمته كدين مبلغ 150 مليار سنتيم.

هذه الشكاية التي سبقتها حملات إعلامية من بعض الصحف الورقية على تاريخ تدبير مدينة فاس، تركت انطباعا بوجود إرث من الفساد خلفه الزعيم الاستقلالي السابق في العاصمة العلمية للمملكة.

هذا الإرث من الفساد والخروقات تمظهر في ملفات أصبحت عناوين كبيرة لكل أشكال الفساد. وكان استغلال العقار وتدبيره أحد الانحرافات الكبيرة التي ووجه بها رجل فاس القوي.

وفي الوقت الذي تهدم فيه الفيلات المخالفة في مشروع تغازوت باي تصبح المخالفات في التجزئات السكنية بفاس كالقرويين والسلام ورقة حمراء تشهر في وجه شباط وتجعله يفكر مليا وكثيرا قبل أن يقرر العودة إلى الوطن.

تتحدث الشكاية عن ملف تجزئة القرويين التي عرف تنفيذ مشروعها تقديم قطع أرضية بدون وجه حق لمسؤولين ورجال سلطة بالمدينة على حساب الفئات المعنية والمستهدفة من المشروع، وهو الأمر نفسه الذي حدث في تجزئة السلام بطريق صفرو التي كانت مخصصة لمقبرة قبل تحويلها لتجزئة سكنية استفاد منها علية القوم، إضافة إلى التزوير الذي يتم حسب الشكاية في تصاميم البناء، التي تكون مخالفة للتصاميم الأولى الأصلية المصادق عليها ويتم الحصول عليها بعد عملية البناء التي تكون مخالفة للتصاميم الأصلية من أجل استعمالها في استكمال إجراءات التحفيظ العقارية.

من أين لك هذا؟

لكن إرث شباط يمكن أن يطال المسؤولين الذين خلفوه في تدبير مدينة فاس. فالشكاية تتهم العمدة الحالي ادريس اليزمي بالتغاضي عن الخروقات التي خلفها شباط وعدم إحالتها على القضاء سواء فيما يتعلق بالصفقات المشبوهة أو تبديد أموال الجماعة أو ما عرفه قطاع العقار من تزوير في رخص التصاميم. وتتهم الشكاية اليزمي بالقيام بذلك بناء على توجيهات من رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران لأغراض انتخابوية وحزبية ضيقة.

لكن المثير في معطيات الشكاية المحالة على الوكيل العام للملك هي المعطيات التي تضمنتها بخصوص المكاسب المالية التي حققها حميد شباط إبان تدبيره للمدينة من وراء هذه الخروقات.

فهي تشير إلى أن المشتكى به “كان يحصل على شيكات من المقاولين على سبيل الضمان مقابل التراخيص بانتظار أن يدفعوا له بعد إنهاء البناء والبيع”. وتتحدث الشكاية عن الثروة الخيالية التي راكمها زعيم حزب الاستقلال هو وزوجته وأبناؤه طيلة اثنا عشر عاما، والتي حصرت في 40 عقارا مسجلا في اسمه واسم زوجته وأبنائه.

إنها ثروة تتجسد في شقق وضيعات فلاحية وقطع أرضية وتجزئات سكنية ومحلات تجارية وفيلات ومنازل موزعة في مدن فاس وصفرو ومكناس وطنجة والتي قدرت قيمتها بأكثر من 21 مليار سنتيم بالإضافة إلى امتلاك 1 شركة في مختلف القطاعات تتوزرع بين العقار والسياحة وكراء السيارات والتصدير والاستيراد وتموين الحفلات وصناعة الزليج وغيرها.

إن هذه المعطيات المثيرة التي تواجه شباط اليوم وتقف بينه وبين العودة إلى الوطن في أمن وأمان لا تخصه وحده. فمثوله المستبعد أمام القضاء يمكن أن يفتح الكثير من الملفات والقضايا الهامشية التي يتورط فيها الكثير من المسؤولين المنتخبين والترابيين إبان فترة توليه المسؤولية.

وإذا كان القرار السياسي على ما يبدو يحاول رفع الغطاء والحماية عن كافة المتورطين في المخالفات وأشكال الفساد المختلفة في أفق تحقيق فعلي لربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن محاكمة شباط المحتملة يمكن أن تمثل درسا فعليا لهذا الحلم الذي يراود المغاربة جميعا، وهو أن يروا فعلا كل من تلاعبوا بأموالهم ومقدراتهم وراء قضبان العدالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى