الرباط اليوم

سيناريوهات لجبر ما كسره قيس سعيد في العلاقة مع الرباط

الرباط اليوم: متابعة

بعد الخُطوة غير المسبوقة التي أقدم عليها قيس سعيد، الرئيس التونسي، خلال استقباله لزعيم انفصاليي جبهة البوليساريو، دخلت العلاقات المغربية التونسية في “النفق المظلم” وباتت “ملامح القطيعة” تلوح في الأفق، خاصة بعد الرد السريع للمملكة المغربية، بسحب السفير، وإصدار بيان رافض لهذا السلوك الذي وُصف بـ”الخطير”.

 

وفتحت تونس باب “أزمة دبلوماسية” مع الرباط، خاصة عقب تحدث الملك محمد السادس، في خطاب 20 غشت المنصرم، عن كون قضية الصحراء بوصلة محددة لنظرة المغرب صوب الخارج، ومحددا رئيسيا للعلاقات مع باقي بلدان العالم، بالقول “أوجه رسالة واضحة للجميع: إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات. لذا، ننتظر من بعض الدول من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”.

 

العلاقات المغربية التونسية لم تعد بخير، رغم التاريخ المُشترك بين البلدين، سابقا، الشيء الذي جعل الرباط تكشف عن موقفها الرافض والمُدين لخطوة تونس “العدوانية” تجاه المملكة، من خلال بلاغ وزارة الخارجية، الذي أكد أن “تونس قررت خلافاً لرأي اليابان، وفي انتهاك لعملية الإعداد والقواعد المعمول بها بشكل أحادي الجانب، دعوة الكيان الانفصالي”، مشيرا إلى أن “الاستقبال الذي خصصه رئيس الدولة التونسية لزعيم “جبهة البوليساريو”، عمل خطير وغير مسبوق يسيء بشكل عميق إلى مشاعر الشعب المغربي، وقواه الحية”.

 

ووفق الرباط “هذا الموقف العدائي يضر بالعلاقات الأخوية التي ربطت البلدين على الدوام، كما لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على الروابط القوية والمتينة القائمة بين الشعبين المغربي والتونسي، اللذين يجمعهما تاريخ ومصير مشترك”؛ وفي الوقت نفسه عملت تونس على استدعاء “سفيرها في الرباط من أجل التشاور”، وقالت الخارجية التونسية في بلاغ لها إن “تونس حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء التزاماً بالشرعية الدولية، وهو موقف ثابت لن يتغير إلى أن تجد الأطراف المعنية حلاً سلمياً يرتضيه الجميع”.

 

ما مُستقبل العلاقة بين تونس والرباط؟

 

يرى خالد الشيات، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في جامعة محمد الأول بوجدة، أنه “بالنسبة لسيناريوهات العلاقات المغربية التونسية، أعتقد أنها في اتجاهين، يتعلق الأول باتجاه يبدو فيه تصعيد أكثر، حيث أن خطوة قيس سعيد، ما هي خطوة أولى في نظري، لأنه لا يمتلك ناصية قراره، وبالتالي سيكون مُستقبلا مطالبا بالاعتراف بالجمهورية الصحراوية” مشيرا أن “خططه وقدرته على المناورة وعدم الامتثال للذين يُخططون له من الخارج، قليلة وربما منعدمة، لأنه في حالة تبعية كبيرة للأطراف الأساسية التي دفعته لاتخاذ هذا الموقف”.

 

وأوضح الشيات، في حديثه لـ”الأيام 24″ أن “هذا سيناريو واضح، وهي حالة عداء مستفحل، لأن أعداء الوحدة الترابية يودون الشعور ببعض الانتصار، ويتوجهون نحو القوى والدول الهشة والفردانية، لأنه يسهل إرشائها، والتعامل معها فرديا بتكاليف صغيرة نسبيا، وفي نسق بسيط” معبرا بأسف على أن “حتى في الدول الأوربية التي لديها مصالح استراتيجية مع الجزائر، لم تُقايض موقف الغاز والبترول بأي موقف سياسي، لأنها دول قوية وديمقراطية وقراراتها ليست نابعة من انفعالات، ولأنها ليست دول موز”.

 

الهروب إلى الأمام

 

“إذن ننتظر أن يكون هناك الهروب إلى الأمام، لأن قيس سعيد سيد الهروب إلى الأمام، الأمر الذي يقوم به حتى في السياسة الداخلية لبلادها، بعد الاستفتاء على الدستور الذي لم يحظى إلا بـ25 في المائة من نعم، وهي نسبة تظم الجيش والشرطة، في حين أن النسبة الحقيقية لا تتجاوز 20 في المائة، وهي نسبة ضعيفة جدا، بالإضافة إلى الجدل الذي رافق ذلك، من تغيير مقتضيات الدستور، وانعدام أي سند سياسي داخلي لقيس سعيد على المستوى الحزبي والنقابي، فهو وضع الدستور، والآن يقوم بالعمل على أساسه” مردفا “أتوقع إذن أن يهرب إلى الأمام في كافة الحالات، بما فيها علاقته مع المغرب”.

 

واسترسل الشيات، بالنسبة لهذا السيناريو الأول، “المغرب في هذه الحالة سيكون مضطرا للتعامل مع نظام معادي لمصالح المملكة، وبالتالي أعتقد أن رد الفعل المغربي سيكون قويا، ليس فقط من الناحية الدبلوماسية، بل كذلك من الناحية السياسية والاقتصادية والتجارية” مذّكرا أن “المخابرات الجزائرية كانت قد سربت في وقت سابق، لمدة سنوات، أن المغرب يحصل على رؤوس الأموال والاستثمارات الهاربة من تونس، وأعتقد أن أن هذا الأمر به عمل دبلوماسي جزائري خفي، انطلاقا من السفارة الجزائرية في تونس”.

 

“أعتقد أيضا أن المغرب سيتعامل بحزم كبير جدا في المسألة التجارية والاقتصادية، والتنافسية مع تونس في كل القطاعات، وستكون الجزائر في حالة استراحة آنذاك، لأن اقتصادها ليس تنافسي مثل تونس والمغرب، بل اقتصاد ريعي قائم على البترول والغاز” يوضح أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية.

 

سيناريو التخفيف وسُبل الصلح

 

أما فيما يتعلق بالسيناريو الثاني، فوصفه الشيات، بـ”التخفيف” بالقول “إن قدراته أضعف، لكن يمكن لتونس أن تكتفي بهذه الخطوة، والتغاضي عليها في قادم الأيام، وعدم اتخاذ أي إجراء، في إطار الهروب إلى الأمام، مما قد يدفع المغرب آنذاك لمُراجعة سياسته مع تونس، بضغط سياسي واقتصادي، وإعادة السفير المغربي إلى تونس”.

 

وفي سياق متصل، أكّد الشيات، في حديثه لـ”الأيام 24″ على أنه بالنسبة لسُبل الصلح بين المغرب وتونسي فإن “المغرب لم يتحدث على أن هناك جزء من تونس ليس تحت السيادة التونسية، ولم يقم بأي عمل عدائي تجاه الاقتصاد والتجارة التونسية، بالعكس إن جلالة الملك محمد السادس سبق له أن زار تونس، في عز الهجمات الإرهابية لمُساندة تونس، وكذلك قامت المملكة بدعم تونس خلال أزمة جائحة كورونا” مشيرا أن “المغرب لم يقم بأي شكل من أشكال العداء تجاه تونس، وبالتالي إن تونس هي التي يتوجب عليها مراجعة موقفها”.

 

“المغرب غير معني حاليا بالمبادرة بأي تصرف، فهو يقوم بالدفاع عن موقعه ومكانته وكرامته، وهذا أمر طبيعي، وبالتالي إن كان سيكون هناك صلح، فيجب أن يمر من خلال القرار التونسي على المستوى الخارجي بالأساس، خاصة على مستوى علاقته بالجزائر” يضيف الشيات مردفا أن “هذه الخطوة أبانت على أن هناك جهات أخرى خارجية مُتعددة، لها قدرة التأثير على القرار التونسي، وبالتالي إن قيس سعيد يمضي بتونس نحو معسكر الشر، إن لم يعدل عن موقفه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى