وطنية

سائقون مغاربة وأيام الرعب بمعبر الكركرات (الذكرى الأولى)

الرباط اليوم: محمد السبتي
في الثالث عشر من شهر نونبر من السنة المنصرمة وفي مثل هذا اليوم، مرّت سنة على تحرير معبر الكركرات من بطش المستفزين وأعداء الوحدة الترابية بعد تدخل من طرف القوات المغربية، وُصف بالبطولي لتعود الحركة إلى وضعها الطبيعي والاعتيادي.

تاريخ وشم ذاكرة المغاربة بعدما علق حوالي 200 سائق شاحنة مغربي بالنقطة الحدودية الواقعة بمنطقة الكركرات العازلة المعروفة باسم “قندهار” على بعد 11 كيلومترا من الحدود الموريتانية جراء قيام عناصر محسوبة على جبهة البوليساريو بعرقلة الطريق الذي تمر منه شاحنات نقل البضائع نحو موريتانيا وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء.

تدخَّل الجيش المغربي حينها وفرض طوقا أمنيا بالمنطقة عقب تبادل إطلاق النار مع عناصر البوليساريو وتعالت الصرخات بعدما وجّه مجموعة من السائقين المغاربة العالقين، نداء استغاثة بمجرد منعهم من عبور منطقة الكركرات، وذلك أثناء عودتهم عبر الحدود البرية مع موريتانيا قبل أن يبوحوا بما عاشوه من تضييق واستفزاز بعد شلّ حركة مرور الشاحنات المحمّلة بالسلع والبضائع.

أيام في العراء

“أيام في الجحيم”.. بهذه العبارة وصف أحد السائقين ما رأته عيناه هناك، وهو الذي خرج من منزله إلى رحلة اعتاد القيام بها كل ثلاث مرات في الشهر، يروي بحرقة قبل أن يعيد إلى الواجهة أحداث وحقائق لم يكن يسمع عنها سوى في نشرات الأخبار العاجلة.

كان كل تفكيره وقتها في أسرته الصغيرة وأبنائه بعدما طرق الخوف قلبه وهاجمت مجموعة من الأفكار السوداوية مخيلته، حيث كان كل همّه أن يعود إلى عائلته سالما غانما وليس جثمانا في نعش، خاصة عندما اشتدت حرارة الأحداث، ليعيش أكثر من 20 يوما في العراء في ظل غياب المواد الغذائية والأدوية والماء الصالح للشرب.

يعمل محمد في نقل السلع من مدينة أكادير إلى موريتانيا منذ سنوات خلت، وهو ما جعله يخبر مخاطر الطريق ومآسيها بما فيها منعه إلى جانب سائقين آخرين وفي مرات عديدة من المرور بمنطقة قندهار بعد أن يباغتهم قطّاع الطرق بإلزامية مدّهم بالمال وإلا لن يستطيعوا إتمام رحلتهم.

تجربته بمعبر الكركرات لم تمحها ذاكرته، خاصة عندما تفاجأ بعد عودته من نواكشوط قبل سنة بمنعه من العبور إلى الجانب الآخر لأسباب أمنية فرضتها الضرورة القصوى.

الجمارك الموريتانية، كانت تختم جواز سفره عند الدخول إلى أراضيها وكذا عند الخروج منها، إلا أنه في الثالث والعشرين من أكتوبر من سنة 2020 لم يكن الأمر عاديا هناك ولم يُسمح له بالمرور قط، سيما وأنّ منطقة الكركرات كانت على صفيح ساخن.

أيقن محمد أنّه لا بد له من الصبر لتجاوز محنته فكان يحتمي داخل شاحنته وأشعة الشمس الحارقة تلفح جسده، في حين كان الطعام والشراب يصل إليه كباقي زملائه في المهنة من طرف جمعيات تنشط في العمل الإنساني والخيري.

طلق ناري ومنع

هو الذي بدأ عمله كسائق مهني في النقل الدولي للبضائع في سنة 2004 وكان رحلاته تمرّ دون تشويش أو عرقلة، لكن الأوضاع انقلبت في سنة 2010 بعدما بدأ الإستفزازات تُمارس على السائقين المغاربة من طرف أشخاص نعتهم بالمجهولين.

عبد الله يتحدّر من منطقة آيت ملول، ضواحي أكادير، كان بدوره شدّ الرحال إلى موريتانيا على متن شاحنته إلى أن تسارعت وتيرة الأحداث في تلك الفترة قبل أن يجد نفسه عالقا بمنطقة الكركرات دون أن يعلم ما الذي سينتظره بعد ذلك أو يجد سؤالا لجوابه عن الموعد الذي ستُفتح فيه الحدود حتى يرجع إلى حضن عائلته.

كان أفرغ حمولة شاحنته بموريتانيا وعند وصوله إلى نواكشوط بلغه أنّ المعبر الحدودي مغلق فظل متسمّرا في مكانه لم يعرف ماذا سيقدم أو سيؤخرّ، خاصة بعد أن توالت الأيام ليعيش بعدها معاناة حقيقية عنوانها الأبرز المرارة والضغوط النفسية.

عاين ما حدث هناك وكان كل سؤاله عن توقيت عودته إلى مسقط رأسه ولم يكن يحصل على جواب مقنع، خاصة بعد أن وقفت المنطقة على وقع الشد والجذب إلى أن بلغه أنّ الجيش المغربي قام بتأمين المعبر بالكامل.

ولم ينسَ قط سماعه لدوي إطلاق النار فكاد قلبه أن يتوقف من شدة الخوف، كما لم يكن يغمض له جفن بعدما كان يسمع طرقات على شاحنته كان يجهل مصدرها، إذ كان الغرض منها إخافة السائقين المغاربة وتضييق الخناق عليهم.

تجربته وبالرغم من مرارتها فإنها تذكّره على حد تعبيره بالتدخل البطولي للجيش المغربي بتحرير معبر الكركرات من بطش موالين لجبهة البوليساريو وتعيد إلى ذهنه في الآن نفسه تجارب أخرى سابقة، كان آخرها تفتيشه من طرف مسلحين بالمنطقة قبل أن يفسحوا له الطريق للمغادرة في اتجاه وجهته المحددة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى