سياسة

رشيد نيني يكتب: انقسام البيجيدي في تقييم الهزيمة

الرباط اليوم

هناك اليوم داخل البيجيدي مواقف متضاربة حول وضعية الحزب بعد الهزيمة النكراء التي لحقت به.

والواقع أن قيادات الحزب تعيش حالة إنكار للواقع، وهي حالة نفسية أكثر منها حالة سياسية.

فهناك داخل الحزب من يدعو لقبول الهزيمة وإنجاز نقد ذاتي لمعرفة أسباب النكسة في أفق إعادة ترميم شظايا التنظيم والتقدم إلى الأمام عوض الانكماش والبكاء على الأطلال، ومن هؤلاء البرلماني السابق حامي الدين، سوى أن دعوته تدخل في حكم “الشهادة المجروحة” التي لا تقبل قانونيا، بحيث أن محاولته تبريد الطرح ودعوته، يومين قبل استقبال الملك لأخنوش، لاحترام “التأويل الديموقراطي للدستور الذي اعتمدته الممارسة الملكية في تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر نتائج الانتخابات”، ليست سوى محاولة للظهور بمظهر من “تحسن سلوكه” أمام من يهمهم الأمر، فالرجل تنتظره محاكمة في جريمة قتل وقد أصبح اليوم مجردا من الحصانة البرلمانية وسائر الصفات التمثيلية الأخرى التي كان يرفل في نعيمها.

وهناك موقف ثان ينتصر لمنطق المؤامرة ويعلن صراحة أن الحزب تعرض لعملية تدليس كبيرة، منهم الوزير السابق

بوليف الذي نشر تدوينة على حسابه الفيسبوكي منسوبة لأبراهام لينكولن يطلب فيها من أستاذ ولده أن يعلمه “أنه من الأشرف له أن يرسب على أن يغش”.

أما الوزير السابق ورئيس جهة درعة تافيلالت السابق الحبيب الشوباني فقد قال أن “إخراج” حزب العدالة والتنمية من مجلس النواب لتأمين مناخ للأغلبية “بدون فريق قوي معارض” خطأ ثاني في “الهندسة غير الذكية” للعملية برمتها. طبيعي جدا أن يكون الشارع هو المعارضة”. مما يعني أن الشوباني كان يتوقع هزيمة حزبه لكن ليس إلى الحد الذي سيفقد معها فريقه البرلماني، وكأنه يقول إن هذا الحرمان من الحضور في البرلمان سيجعلهم يستعيضون عنه بالحضور في الشارع لقيادة الاحتجاجات.

ويبدو أن الشوباني يعتقد أن الدولة لازال يتملكها الرعب من التلويح باستعمال الشارع من أجل لي ذراعها، كما لو أنه يجهل أن الدولة مرت بتمرين صعب لم يكن يتوقعه أحد خلال الجائحة وخرجت منه أكثر قوة وهيبة. فهل الدولة التي لم تخضع لابتزاز قوى دولية لها مكانتها في الساحة الدولية ستخضع لابتزاز حزب يذوب كفص ملح في كوب ماء ؟

وهناك وسط هذا الخليط من المهددين والمتوعدين والمطالبين بإعمال فضيلة النقد الذاتي طرف آخر فضل تغيير لهجته كليا وتحرير اعتذار للمغاربة، فقد اختار عزيز رباح العمدة والوزير السابق، بعدما انتهى إلى مجرد مستشار جماعي، أن ينشر رسالة يبرئ فيها ذمته ويعتذر للمغاربة عن التقصير غير المقصود في خدمتهم.

ويضم عزيز رباح صوته لصوت الذين لم يفهموا كيف انهزم حزبهم بهذه الكيفية الكارثية، وهم بالمناسبة كثر داخل الحزب، جميعهم يجمعون على سؤال واحد : كيف حدث هذا الذي حدث ؟

الجواب بسيط جدا ويرتبط بسؤال آخر وهو أين ذهبت النواة الصلبة للبيجيدي ؟

لا نتحدث عن المتعاطفين مع الحزب بل عن “شعب البيجيدي” الذي يعتبر كتلة ناخبة قارة والتي تصوت للحزب بغض النظر عن حصيلته الحكومية، هذه الشريحة لم تمنح أصواتها هذه المرة لمرشحي الحزب.

بالإضافة لفقدان الحزب لأصوات نواته الصلبة لسبب ليس معروفا حتى الآن، فقد فقد أيضا أصوات طبقات أخرى أبرزها أصوات رجال التعليم الذين هاجمهم بنكيران في خرجته وأعلن عن رفضه منحهم الزيادة في الرواتب التي اقترحها الأحرار في برنامجهم.

والواقع أن هزيمة البيجيدي لم تأت دفعة واحدة بل كانت هناك إشارات سبقت الزلزال. وأولى هذه الإشارات كانت فقدان الحزب لمواقعه في قطاع التعليم عندما انهزم في

الانتخابات التعاضديات، ثم تلتها هزيمته في انتخابات الغرف المهنية، ومع ذلك لم يستوعب الحزب أنه كان بصدد فقدان الطبقة الوسطى والسوسيو مهنية، أي طبقات المصوتين تقليديا للبيجيدي.

وبسبب موقف الحزب الرسمي من التطبيع فقد تصويت جماعة العدل والإحسان وفقد معها صوت حركة التوحيد والإصلاح التي حرمت الحزب أيضا من أصوات السلفيين، بحكم أن عراب هذه العلاقة مع شيخهم المغراوي الذي هو المصطفى الرميد قرر قطع علاقته مع الحزب نهائيا لأسباب تخصه.

إذا أضفنا إلى كل هذا عدم تمكن حزب العدالة والتنمية من استغلال المساجد وشبكة الأئمة التابعين له في التعبئة للحزب، بسبب الإجراءات المرتبطة بالجائحة،

وأيضا قطع الداخلية قبل عام ونصف لصنبور الدعم عن الجمعيات التي أسسها البيجيدي أو التي تدور في فلكه، وهي بالمئات، حيث استعادت الدولة مونوبول العمل الإحساني وأصبحت هي من يوزع الدعم على الطبقات المحتاجة وليس البيجيدي، نكون إزاء فقدان الحزب لمصادر مهمة من الأصوات تقدر بمئات الآلاف.

ما مستقبل الحزب اليوم بعد هذه النكسة المفاجئة ؟ هل سينجح في الخروج بعد المؤتمر بقيادة جديدة غير تلك التي فشلت في الحصول على شرعية الصناديق ؟

الذين يعتقدون أن خطر البيجيدي تم تحييده، (من الحياد طبعا وليس “التحياد”)، واهمون، فالحزب اليوم مثل الثور المطعون في الحلبة وأبناؤه سيدخلون في ما يشبه “العمل السري” بعدما رأوا بأعينهم كيف لفظتهم المؤسسات المنتخبة.

سيكون على حزب العدالة والتنمية أن يستخلص كل الدروس من هذه النكسة، وأن يقتنع بأن دماء جديدة يجب أن تسري في أوصاله المتصلبة لكي يستمر، وأن فصلا واضحا بين السياسة والدين يجب أن يتم اعتماده ضمن مراجعات شاملة لأدبيات الحزب.

لست ممن يطالبون قيادات الحزب بحل تنظيمهم والانصراف لحال سبيلهم، فالمغرب محتاج لكل ألوان الطيف السياسي. لقد قال اليوسفي بعد نكسة الاتحاد أن الحزب يحتاج ثلاثين سنة لكي يعود إلى الحياة. لا أحد يعرف كم سيحتاج حزب العدالة والتنمية من الوقت للتعافي، لكن الأكيد أن الأمر سيحتاج سنوات طويلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى