وطنية

دروس مولاي الحسن.. الملوك لا ينحنون لا يسقطون وينظرون إلى الأعلى

الرباط اليوم

يوم 8 ماي 2003 أصدر القصر الملكي بلاغا غير عادي، بإعلانه ولادة الأمير مولاي الحسن، الابن البكر للملك محمد السادس من الأميرة للا سلمى، لتعم القصر الملكي فرحة عارمة. كان الحدث يومها مهيبا والمولود غير عادي، كونه ذكرا، وهو ما يعني ضمان استمرارية السلالة الملكية وحل مشكلة دستورية.

منذ ذلك اليوم، لم يكن الأمير مولاي الحسن شخصا عاديا، فقدره التاريخي أن يكون ذلك الطفل الصغير الذي لا يمكنه أن يختار مهنته كباقي المغاربة، قدره أن يكون ملكا مستقبليا مطوقا بوراثة عرش مملكة تقاليدها متجذرة في التاريخ، ليعيش إلى يومنا هذا كمشروع ملك، يمكن أن يصبح ملكا في أي وقت بعد عمر مديد لوالده. كل شيء في حياته استثنائي، كونه ضامن استمرار نسل السلالة الحاكمة، وحامي ميراث دولة يمتد عمرها لأكثر من 12 قرنا، وأسرة علوية تتوارث العرش مند أزيد من 4 قرون.

هذا الأسبوع لن يكون عاديا في حياة الأمير مولاي الحسن، فيوم السبت 8 ماي الجاري سيكمل ولي العهد السنة الـ 18 من عمره، مما يعني حتما أنه سيخرج من مرحلة ويدخل أخرى، فالقانون التنظيمي لمجلس الوصاية، يبيح لولي العهد ممارسة جميع اختصاصات العرش وحقوقه الدستورية بمجرد بلوغه تمام السنة الـ 18 من عمره، أما في أعراف دار المخزن، فولي العهد حين يبلغ سن الـ 18 تسند له مهام أخرى ويبدأ في التدرب على ممارسة الحكم بشكل أكبر، وتتسع دائرة أنشطته ومهامه ومسؤولياته.

وأعدّت “الأيام” بالمناسبة ملفا مطوّلا يُنشر على أجزاء، عن مسار تنشئة ولي العهد ويومياته في القصر وعن الآثار السياسية والقانونية لوصوله للسن الدستورية.

قراءة ممتعة

هذا ما تلقاه ولي العهد ليصبح الحسن الثالث: الملوك لا ينحنون، لا يسقطون، ينظرون إلى الأعلى، ويسيرون بشكل مستقيم

منذ الصغر تم تهييء مولاي الحسن ليصبح ملك الغد، إنه وحده سيكون ملكا بين كل هذه الملايين المحيطة، وحده سيحمل ثقل المسؤولية التاريخية لاسمه «الحسن الثالث»، كمولود ذكر بكر، ويتم تدريبه على أن يكون متميزا في كل شيء، القوة، النباهة، الدراسة، التميز الرياضي، كمراوغ وسباح ماهر ورامٍ يجيد التصويب… هكذا ودع مولاي الحسن طفولته قبل الأوان، وبرمج كرجل دولة، بل الرجل الذي يختزل الدولة، فهو شمسها متى طلعت لم يبد أمامها كوكب.

ورغم أن الملك الراحل أكد: «إذا كان ممكنا برمجة إنسان على حاسوب، فإني أحرم على نفسي برمجة ملك»، فإن مصدرنا يؤكد أن برنامج مولاي الحسن مشحون جدا بالمقارنة مع أقرانه، وأشار إلى بعض مراسيم تعليم الإيتيكيت التي يتلقاها ولي العهد، والتي تضحكه في الكثير من الأحيان رغم صرامة مربيته، فهو السيد الأوحد «سميت سيدي»، الحسن الثالث مستقبلا، والباقي خدم وحاشية ورعية، لذلك يحس بتفرده، فلا تسامح مع الخطأ ولا مجال لضعف ولي العهد المرشح للإمارة.

من بين ما تلقاه المولى الحسن: عدم الانحناء، «فالملوك» لا ينحنون ولا يسقطون، لذلك يتعلم بصرامة إحصاء المسافة بين درج وآخر في بناية أو طائرة، وعليه ألا يباعد بين رجليه وهو يعبر الزرابي الحمراء، فسقوط الملوك فأل سيء على عروشهم، عليه أن يزاوج وهو يهبط من الطائرة بين معرفة مساحة ومسافة وضع القدم وفي ذات الآن النظر إلى الأعلى، لذلك يمشي ولي العهد دوما بشكل مستقيم..

ويؤكد مصدر آخر لـ «الأيام» أن برنامج تكوين ولي العهد الآن انتقل من الدروس الاعتيادية أو الأنشطة الترفيهية الموازية، والتمرس على كيفية الجلوس والمشي، وأسلوب الأكل والشرب، إلى التمرن على إتقان فن الحديث السياسي وإلقاء الخطب..

«الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، والدي صاحب الجلالة، أقبل اليد الكريمة، وأرحب بكم في هذا الحفل الذي تقدمه مدرستنا الأميرية نهاية السنة الدراسية.. حفظكم الله للمغرب ملكا عزيزا مظفرا»… ذلك كان أول خطاب لمولاي الحسن في 2009.

يبرز أن ولي العهد في مرحلة التأهيل السياسي التدريجي اليوم، هذا هو أسلوب محمد السادس الذي ارتضاه لتربية مولاي الحسن التي يشرف على تفاصيلها رفقة زوجته الأميرة للا سلمى، إذ على خلاف ما عاشه «سيدي محمد»، تبدو العلاقة بينه وبين ابنه مولاي الحسن مليئة بالحميمية والقرب والشاعرية، وقد تجسد ذلك منذ أول ظهور رسمي لولي العهد عام 2004، وهو في عامه الأول حين رافق محمد السادس في استقبال الفريق الوطني العائد بانتصار كروي مهم بتونس التي احتضنت كأس إفريقيا للأمم.

نشاطان مميزان لبداية لعب مولاي الحسن في حقل الكبار

في 14 ماي الماضي، أعلن بلاغ للقيادة العليا للقوات المسلحة الملكية أن ولي العهد مولاي الحسن ترأس بنادي الضباط بالرباط مأدبة غداء أقامها الملك بمناسبة الذكرى 61 لتأسيس القوات المسلحة الملكية.. ظهر مولاي الحسن بقامته المديدة وابتسامة لا تخفي هيبة الزي العسكري للحرس الملكي الذي كان يرتديه، وقد برز في شريط فيديو وهو يسير بخطوات ثابتة، مصحوبا بحراسه الخاصين، وكيف سلم عليه الجنرال الوراق، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، والكولونيل ماجور عبد القادر زواهر، قائد الحامية العسكرية للرباط ـ سلا.

الحدث برغم طابعه البروتوكولي، غير أنه ـ حسب خبير عسكري ـ يستهدف تمرس ولي العهد على أحد التقاليد العريقة في مؤسسة قوية في خدمة الملكية، ومن جهة أخرى خلق ألفة متواصلة بين «الملك المستقبلي» وأطر وقيادة الجيش، ذلك أن أول مهمة يثبت ولي العهد بها أهليته للحكم هي الاحتكاك عن قرب بالمؤسسة العسكرية، فقد كلف محمد الخامس المولى الحسن بالإشراف على الجيش، واضطلع «سيدي محمد» بمهمة التنسيق بين مصالح القوات المسلحة الملكية، ولن يخرج مولاي الحسن عن هذا التقليد الذي يعود إلى الإمبراطوريات القديمة التي حكمت المغرب.

الحدث الثاني الذي يحمل دلالة كبرى من الناحية الدينية هو ترؤس مولاي الحسن صلاة الاستسقاء في دجنبر 2015 بعد انحباس المطر عن البلاد والعباد، وستظل صورة مولاي الحسن البالغ من العمر حينها 12 سنة بين رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران ووزير الأوقاف أحمد التوفيق تجسد التمرين الأول لولي العهد على إمارة المؤمنين، التي تشكل إحدى الوظائف الأساسية للملكية بالمغرب.

السفر والسياحة جزء من عالم «الحسن الثالث»

المعروف عن ولي العهد مولاي الحسن هو كثرة سفره غالبا إلى جانب والدته والأميرة للا خديجة إلى فرنسا، وإنجلترا، وتركيا واليونان، الوجهتان المفضلتان لقضاء العطل الفصلية، ثم إسبانيا وأمريكا وإيرلندا وإيطاليا..

لقد أوصى العديد من كتاب «الآداب السلطانية» بالسفر والسياحة لتكوين الأمير، ويعتبرها ابن خلدون ضرورية لاطلاع الحاكم القادم على أحوال العالم وطبائع الناس، وتغيرات المحيط الذي يتحرك فيه مستقبلا، فمعرفة متعددة وعميقة بأشكال العمران عبر السفر والسياحة كنز لا يفنى للأمير الذي سيصبح على رأس الإمارة.

«الأمير الصغير» يكبـر ليصبح ملكـا كبيـرا

بطوله الفارع ومشيته المستقيمة، وشكل ابتسامته، وحتى ما تلتقطه بعض الفيديوهات حول تبادل الغمز واللمز مع عمه الأمير مولاي رشيد، وأبيه الملك محمد السادس، الذي غالب إخفاء ضحكة انسلت منه بالقوة…. يبرز أن مولاي الحسن أصبح جزءا أساسيا في المؤسسة الملكية، وعلى خلاف كل الفاعلين السياسيين، فإن محمد السادس هو الذي عليه أن يبني مرحلته وأن يهيئ في إطار نظام وراثي البلد لخلفه الحسن الثالث.

يرى أحد المهندسين الذين اشتغلوا في المشاريع الكبرى إلى جانب المستشار الملكي الراحل مزيان بلفقيه أن «المستفيد الأول من البنيات التحتية الكبرى هو الحسن الثالث، فكل المشاريع المهيكلة والعملاقة لم يكن لها اليوم على عهد محمد السادس إلا مردودية اجتماعية واقتصادية ضعيفة، مطارات، طرق، جسور، موانئ، مشاريع الطاقة المتجددة، المشاريع الاستثمارية في الصحراء كما في إفريقيا، هي برأيه تعبد الطريق لمملكة الحسن الثالث، بعد عمر مديد».

ويبدو الملك محمد السادس وفيا لما صرح به لمجلة «باري ماتش» حين قال: «لقد حصلت شقيقاتي وشقيقي وأنا على تربية تميل إلى الصرامة مع برنامج دراسي حافل، وتلقينا تربية دينية جيدة في الكتاب القرآني بالقصر، وأنا حريص على أن يتلقى ابني القواعد التربوية نفسها»… لكنه غَير كثيرا في الأسلوب، والأسلوب هو الملك أيضا.

كان الحسن الثاني صارما ومتشددا ومحافظا أحيانا في تربية الأمراء، وخاصة ولي العهد سيدي محمد، وتقشفه الزائد معه على مستوى المصاريف، إذ يروي أحد أصدقاء الملك من المدرسة المولوية لـ «الأيام» أن الحسن الثاني كان قد خصص لولي العهد سيدي محمد ورفاقه (ياسين المنصوري، حسن أوريد، رشدي الشرايبي، فؤاد عالي الهمة) سيارة من نوع «سيمكا» كان يملكها أبسط معلم، وفي ما بعد، بمناسبة حصولهم على الباكالوريا، كافأهم بسيارة مرسيديس 190، كانوا يتناوبون على قيادتها…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى