أقلام وآراءسياسة
جنازة تعليم.. إنا لله وإنا إليه راجعون
الرباط اليوم
حفيظ الزهري
أتذكر اليوم الذي افتتحت فيه مدرسة الدوار الإبتدائية ، أطفال في قمة الأناقة مرفوقين بأمهاتهم وكلهن فضول لاكتشاف ذاك المجهول ما وراء السور وداخل الحجرات ، دخل التلاميذ والهرج والمرج والأصوات الطفولية تتعالى من هنا وهناك، أمهات ينادين على أبنائهن: “وا مصطفى عندك توسخ حوايجك” .. “غزلان مسحي خنونتك” … وأخريات يتجاذبن أطراف الحديث والنميمة حيث قالت لهم رقية :مابقات قرايا تعرف تقرى لبرا باركا عليها ..” حيث عارفة بنتها غادي إجيوها لبراوات تهمس الغالية في أذن رابحة الأخيرة التي ترد عليها بضحكة سمعها أهل الدوار قائلة: “غادي إسيفطها ليها أليخاندرو” (للتذكير أليخاندرو هو عاشق كوادالوبي بطلي مسلسل مكسيكسي في ذاك الزمان) .. وأخرى تسأل جارتها عن إبنها محمد الذي لم يحظر صحبة أخته زينب فأجابتها أنه سيحظر بعد عودته من رعي الغنم راه “ماطفروها اللي قراو قبل منو راه ولاد الحاج محمد شدو ليسانس باركين فقهاوي…”
الفتيات أكثر عددا من الأطفال لا أعرف لماذا هذا الإستثناء ربما كلهن راغبات في التعلم من أجل قراءة الرسائل فقط!! صعب جدا أن تنقع بعض العقليات الذكورية بمتابعة الفتاة لدراستها خارج الدوار، مكان المرأة هو دارها عند راجلها، هكذا يعلق عمي حميدة دائما محافظ في فكره لكن صعلوك في سلوكياته، يكفي أن تجلس معه لدقائق حتى يحكي لك مغامراته مع الجنس اللطيف حيث يبدأ كلامه ب “حاشاك …” كلما تكلم عن المرأة، ويختم كلامه بنتي وامراتي لن يغادرا باب الدار…
في ظل غياب الجرس يظهر معلم يحمل عصا في يده وبصوت مرتفع “ديرو الصف” محاولا إثبات شخصيته راه نهار الأول إموت المش كما يقال، هدوء معلم يظهر أنه لازال لم يتوصل بأجرته من خلال هندامه إنه حديث التعيين بالتأكيد سيتكلف أهل الدوار بأكله وشربه ومسكنه.
دخل التلاميذ القسم الوحيد في انتظار استكمال أشغال القسم الثاني، مدرسة بلا مرحاض لكن حظ التلاميذ وجود بعض الأشجار بجانبها قد تسهل عملية قضاء حوائجهم البيولوجية، المعلم يظهر ملامح الجدية للتلاميذ، والأمهات معتصمات في الساحة ينتظرن ما سيقع، طلب المعلم من التلاميذ الإجابة عن سؤال أين قضيتم العطلة ولا أحد أجاب وللا من مجيب لا لشئ إلا أن مفهوم ومصطلح العطلة له مرادف وحيد هو عدم التوجه للمدرسة والإقتصار على اللعب ، ويبقى السوق الأسبوعي المتنفس الوحيد.