سياسة

بنيعقوب: الملك يعتبر الإدارة الأمنية مؤسسة لها أدوار اجتماعية وليس مجرد مصالح أمنية لها مهام محددة

حوار مع ادريس بنيعقوب باحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط

جسد الخطاب الملكي، بمناسبة ثورة الملك والشعب لهذه السنة، رسالة تحمل عدة مواقف واضحة ومحددة مغربية من العلاقات الدولية في شقها الأوروبي.

وأكد الخطاب على استهداف المغرب ليس فقط من قبل الخصوم التقليديين بل حتى من طرف شركاء أوروبيين تقليديين، مذكرا الجميع بضرورة فهم الواقع الجديد والتغيير الذي عرفه المغرب.

كما أشار الخطاب الملكي، إلى أنه تم تسخير أجهزة وإمكانيات ضخمة من أجل توريط المملكة في خلافات مع بعض الدول ومن أجل التهجم على المملكة وضربها في سمعة الجهاز الأمني، من دول كانت تشهد بالأمس القريب بكفاءة وقدرات هذه المؤسسة الأمنية.

وفي هذا السياق يرى إدريس بنيعقوب الباحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن “الخطاب كان استثنائيا على عدة مستويا وتبنى لغة مباشرة إلى جانب لغة مضمرة تفهم معانيها من خلال المصطلحات والمفاهيم والترتيبات اللغوية”.

وفيما يتعلق بالتساؤل عن جدوى الرد على الطرف الجزائري الذي صعد من اتهاماته مؤخرا للمغرب، قال الباحث أن الخطاب “تأسس على قناعة عميقة مفادها عدم استقلالية القرار لدى القيادة الجزائرية الحالية لعدة أسباب داخلية وبسبب تأثيرات خارجية وبسبب تركيبة وبنية القوة الحقيقية داخل العسكر الجزائري والتي توالي فرنسا بشكل مطلق خلافا القيادات العسكرية السابقة التي كانت لها ميولات متنوعة إلى حد ما وأيضا بسبب ضعف تنظيم الدولة التي لم تستطع أن تؤطر وتوفر حاجيات التصدي لكورونا وللحرائق الأخيرة، لذلك لم يعر اهتماما لتطورات العلاقة مع الجزائر و تم تجاهلها بالنظر إلى كون القيادة الجزائرية الحالية لم تعد صاحبة القرار وأن أطراف دولية هي من تحركها خصوصا في الاتحاد الأوروبي لذلك تحدث الملك مباشرة مع من يحركون الجزائر وحذرهم بأن المغرب ماض وكل احتمالات المواجهة مطروحة”.

وعن هذه الأطراف الخارجية قال بنيعقوب أنها “ربما المقصود بالأطراف التي مازالت تشتغل بعقلية الماضي، ربما هي فرنسا بالأساس المستعمر القديم والتي ربما هي من حركت حتى اسبانيا ضد المغرب وهذا ما نفترضه عندما نلاحظ الدعم المنقطع النظير الذي أعطته فرنسا لإسبانيا في ازمتها الأخيرة مع المغرب بسبب استقبال زعم الانفصاليين ابراهيم غالي ودعم حزب الرئيس ماكرون لقرار البرلمان الأوروبي، وقد يكون ضمن هذه الأطراف أيضا تركيا “العثمانية” التي بدأت في العودة لمنطقة الخلافة الإسلامية السابقة انطلاقا من ليبيا ثم ألمانيا التي كان لها ماض استعماري في شمال افريقيا مع زمن هيتلير والجنرال رومل، لكن أظن أن الرسالة الأهم كانت موجهة لفرنسا باعتبار أن القيادة السياسية والعسكرية الجزائرية الحالية تشكل تيارا مواليا لفرنسا بعدما تمت تصفية كل التيارات العروبية أو المنتمية إلى أفكار التحرر الجزائري منذ تأسيس جمعية العلماء والكشافة الإسلامية التي تخرج منها عدد من القادة العسكريين كهواري بومدين وغيره” حسب تصريحه.

وأردف ذات المتحدث أن رغم هذه الرسائل الكبرى لشركاء أوروبيين، فإن الملك وضع مقارنة ضمنية بين الجزائر والمغرب عندما قدم المملكة ” كدولة عريقة وكنظام سياسي ملكي عريق تأسس منذ قرون وعرف مفهوم الدولة قبل الاستعمار بكثير، فين حين أن الجزائر لم تعرف مفهوم الدولة والنظام السياسي المستقل إلا بعد استقلالها عن فرنسا سنة 1962، ومع ذلك لم توفق الجزائر في إنشاء دولة خارج الثكنات الشيء الذي يؤكده مصير كل الرؤساء الجزائريين الذين لم ينه أحد منهم ولايته بشكل طبيعي فإما اغتيال أو انقلاب عسكري”.

ويرى بنيعقوب أن الخطاب حمل إشارات مضمرة في على وجود أطراف أوروبية مسؤولة بشكل مباشر تعمل على زرع الفرقة بين دول الإتحاد المغاربي، ورفع فيتو أمام أي اندماج، ولعل فرنسا على رأسها باعتبار أن الربط كان ضمنيا بين الهجومات الأخيرة على المغرب في قضية بيغاسوس وبين الحديث عن التدخلات لزرع الفرقة بين دول الإتحاد المغاربي بعقلية الماضي أي بعقلية الاستعمار”.

وفيما يتعلق بموقف الملك محمد السادس من التهجمات على الأمن المغربي فإنه يرى أن ” الملك دعم مجددا المؤسسة الأمنية واصفا إياها بالمؤسسة وليس بالجهاز أو المصالح الأمنية وهذا تحول نوعي يفيد برقيها إلى مستوى مؤسسة اجتماعية وممثلا اجتماعيا جديدا في المغرب يتجاوز منطق الجهاز البيروقراطي إلى مؤسسة لها أدوار اجتماعية تمثيلية كبيرة وتتحقق أدوارها الجديدة إلى جانب مهام حماية الأمن ومحاربة الجريمة والارهاب، في أدوار جديدة تتمثل في صيانة الخيارات السياسية والسوسيو ثقافية للبلاد، وبالتالي جدد الملك مشروعية هذا القطاع وجعله يستمد مشروعيته وشرعيته الجديدة من المؤسسة الملكية مباشرة، باعتبارها الممثل الأسمى للدولة ومصدر مشروعية مختلف المؤسسات”.

وفي خلاصة تحليله ختم بنيعقوب بالقول أن الملك ” عبر عن رفضه للعب المنفرد في المنطقة من قبل المستعمرين القدامى، وعبر عن ضرورة تغيير قواعد اللعبة رافضا تدخلات الأوروبيين في هندسة المنطقة عندما قال أن المغرب تغير وتطور ليس بالشكل الذين يريدون أي بمعنى تغير بناء على تصوراته الخاصة وإرادته ورغباته”.

مضيفا أنه “ورغم الإشارة إلى علاقة الصداقة مع الرئيس الفرنسي ماكرون فإن النقد الضمني كان موجها ليس للرئيس وحسب وإنما للنظام الفرنسي ككل بأجهزته المعروفة وغير المعروفة عندما قال المشكل في أنظمة هذه الدول، ولعل الإشارة إلى أزمة النظام الفرنسي
تؤكدها لأزمة الاجتماعية والسياسية التي تعرفها فرنسا، فمنذ تولي ماكرون وتهميش السياسة والمثقفين في الرئاسة الفرنسية ارتفعت موجة الاحتجاجات بل لم تتوقف منذ 2019 مع أزمة الطاقة والبدلات الصفراء إلى حدود اليوم، وارتفع عدد الاشتباكات في ظل كورونا إضافة إلى بعض الإجراءات التي رفضها الشارع الفرنسي، لأنها لا تنسجم مع قيم فرنسا الحقوقية ومع منهج التشارك المؤسساتي، مما يعكس فشل النظام الفرنسي في الإحاطة مؤسساتيا بالفرنسيين وفي اتواصل وفي فهم المجتمع الفرنسي وبالتالي يعيش فهو نظام يعيش أزمة نظام سياسي حقيقية، مما دفع عدد من المفكرين إلى الدعوة إلى تجديد الجمهورية الخامسة” حسب تصريحه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى