RABATTODAYالرئيسيةثقافة وفنون

الممثلة أقريو: الفنان ليس أداة “تكليخ”

EntyHelwa.BlogSpot.Com (8)
الرباط اليوم: تيل كيل 

رقيقة كحورية في أفلام “والت ديزني” لها سلطة كلام ناعم وعميق في آن، تمكنت في بضع سنوات من نحث اسم لها وشخصية فريدة في عالم الدراما المغربية، نجحت بسهولة في خلق إجماع عليها، كممثلة وكفنانة ملتزمة ومنخرطة في الدفاع عن قضايا إنسانية عديدة.

عندما أطلقت العنان لمادتها الرمادية ولسانها صار من الصعب إيقافها، ولم يمنعها التزامها بالواجبات المنزلية وإعداد الفطور ومراجعة دروسها لاجتياز الماستر من الإسهاب في الشرح والتفصيل في مواقفها التي يمكن وصفها بالعقلانية جدا.

 
في هذه الدردشة الرمضانية تفتح سامية أقريو قلبها لقراء “تيل كيل عربي” وتتحدث عن دورها في كتابة سلسلة “الدرب” وثقافة الانتقاد وعن الطبقة المتوسطة والنضال الجامعي في الثمانينات واليسار والحركات الإسلامية…

تعودين من جديد إلى الكوميديا في رمضان هذا العام، بعد أن خضت تجارب سابقة يمكن وصفها بالفاشلة مثل “الخواسر”؟ لماذا هذا الإصرار على الكوميديا في حين أنك في الدراما غالبا ما تتألقين؟

أغلب الانتقادات توجه لكل ما هو كوميدي، وأنا هنا لا أدافع عن الأعمال التي أشارك فيها فقط، بل أتحدث عن كل الأعمال الرمضانية لهذا العام.
يجب أن نعرف أن الكوميديا هي نقيض للتراجيديا التي تعني المأساة، ومعنى الكوميديا الأصلي هو “المهزلة”، والمفارقة هي أن الشعب المغربي أو المشاهد المغربي يفضل المأساة على المهزلة، ونجد أنفسنا نتقزز من أي عمل كوميدي، وندعو إلى الحذر منه، وهذه مغالطة كبيرة.
إن الهدف الرئيسي من الكوميديا هي السخرية من الشخصيات وليس الهدف تمجيدها أو إعلاء شأنها لتكون نموذجا يحتذى به، ففي دالراما نحرص على تصوير البطل بنبله وأخلاقه وقيمه ليكون مثالا يحتذى به، أما في الكوميديا فالعكس صحيح، فعندما نسخر من شخصية البخيل أو شخصية إنسانية هزلية أو موقف مضحك فذلك لا يعني تمجيدا للبخل.

هل تدافعين عن سلسلة “الدرب” التي تتعرض حاليا لانتقادات لاذعة؟

دعني أكمل مقدمتي أولا أرجوك.. إذن فنحن كمشاهدين عادة ما نوجه سهام نقدنا الجارحة إلى كل ما هو كوميدي، والأمر لا يقتصر على سلسلة واحدة فقط، بل يطال كل الأعمال المعروضة في القناتين، وهذا أمر اعتدناه مرارا كل عام.
أما فيما يخص سلسلة “الدرب”، فمتنها الحكائي يتحدث عن قدوم سيدة من وسط راق إلى حي شعبي، حيث تنوي الاستثمار في مكتبة، فكيف يمكن أن نقدم أو نصور شباب حي شعبي، هل تريدون أن نقدمهم على أنهم يتحدثون لغة أطباء أو مهندسين.
ولا أفهم لماذا يجري التهجم على طريقة أداء الشباب في سلسلة “الدرب”، في حين أنهم نجحوا في نقل أسلوب وطريقة كلام شريحة واسعة من الشباب المغربي، ثم من أين استلهموا هذه الطريقة في التعبير أليس من الشارع والزنقة والدرب.
سنخصص في إحدى حلقات “الدرب” حلقة بكاملها للغة “التشاشية” التي هي في الأصل لغة شات كما أنها سميت كذلك لأن جميع جملها تبدأ بحرف التاء، “الت فين” الت فين جاي” الت مالك”…فعندما نعرض لهذه الظاهرة أو الآفة في عمل كوميدي فإننا نسخر منها، بهدف التنبيه لها قصد الابتعاد عنها واجتنابها، وليس لتمجيدها واتباعها.
إن ما يثير حفيظتي هم أولئك الذين يقولون إن خطاب التلفزة سيؤثر في أبناءنا سلبا، لكن الحقيقة أن أبناءنا يعيشون ويتعاملون مع هذه اللغة في الشارع وبين أقرانهم، إن التلفزة نقلت فقط اللغة الرائجة بين شريحة واسعة من الناس، لتسخر منها وتنبههم إلى ما هم فاعلون وليس العكس.
وصدقني إن قلت لك رغم أني أرى نفسي بعيدة عن أجواء هذه اللغة، إلا أن مكوثا قصيرا مع الشباب يجعلني سعيدة، وأنفجر ضحكا لما يقولونه، ولو استقدمت الأستاذ العروي ووضعته مع تلك المجموعة فصدقني سينفجر بدوره ضحكا.
علينا أن نعرف أن الضحك يتطلب منك العفوية، وقد يكون هذا الضحك مرفوقا بنوع من التأسف.

هل تدافعين عن نفسك لأنك من بين المشاركات في كتابة سيناريو العمل؟

رغم كل الظروف التي صاحبت الكتابة والتصوير، وهي الظروف التي تتكرر كل رمضان، إلا أني أدافع عن هذا العمل وأجد فيه نفسي.
ما لا أفهمه هو لما نحمل الفنان وكاتب السيناريو أو المخرج مسؤولية تردي الذوق العام ونلصق به تهم “تكليخ” الشعب وإفشاء الرذيلة والغباء، في حين أن أسباب الانحطاط الذوقي والمعرفي معروفة، والتي تتجلى في تراجع مستوى التعليم وتردي الخدمات الثقافية وغياب البنيات التوعوية إلى غير ذلك، والتي يبقى المسؤول عنها هو الدولة والمجتمع بجمعياته المدنية أيضا.
إن انحطاط المستوى التعليمي والفكري والثقافي مسؤولية يتحملها الجميع، بمن فيهم النخبة المعرفية والسياسية، الجميع يتحمل نصيبه من المسؤولية، وليس الفنان أو كاتب السيناريو أو المخرج فبالأحرى الممثل.

تدافعين بشراسة عن سلسلة “الدرب”؟

أنا لا أقول بأنه عمل رائع ومكتمل، لكن في المقابل، ونظرا للإكراهات التي اعترضتنا منذ البداية، والتي تبدأ بالتوصل بالشطر الأول من مال الإنتاج حتى ينطلق عمل خلية الكتابة، ثم يأتي بعدها الديكور ومكان التصوير ثم التصوير، وكل هذا في وقت وجيز، كما أن الميزانية المرصودة لا تسمح لك بخلق إبداع يضمن حقوق وكرامة جميع العاملين.
وهنا لابد  من القول، حتى الأعمال الدرامية التي سبق واشتغلت فيها ولاقت نجاحا منقطع النظير سواء تعلق الأمر بـ”بنات لالة منانة” أو “سر المرجان” بجزأيه، لم تسلم من الانتقاد خلال عرضها لأول مرة، وهذا ما ينطبق هذا العام على الأعمال الكوميدية، وخاصة “الدرب”.
فمثلا لن أنسى الانتقاد العنيف التي تعرضت له في “سر المرجان” من طرف ناقد تلفزي شهير، إلى درجة أنه سألني “اش الداني نكتب السيناريو”، في حين أن المسلسل لاقى نجاحا كبيرا، إذ خلقنا عوالم ولم نخلق فقط شخصيات وقصص حب نمطية، في “سر المرجان” سلطنا الضوء مثلا على طريقة وأسرار جني المرجان في الشواطئ المغربية، وهو أمر غير مسبوق، وكثيرون كانوا يجهلون أصلا وجود حصد أو صيد المرجان في بلادنا.
أما في سلسلة “بنات منانة” فقد أقامت رابطة العدول في المغرب وقفة احتجاجية أمام مقر القناة الثانية بسبب إحدى الحلقات، وفي “سر المرجان” تعرضنا للهجوم من طرف رجال تعليم اتهومنا بتحقير صورتهم.
فأي مجتمع هذا الذي كلما تطرقت لشخصية عبر مهنة منظمة هاجت ضدك تنظيماتها، وتعرض الفنان أو الممثل للتشهير، فهل علينا ألا نقدم في أعمالنا الدرامية أي طبيب فاسد أو معلم غشاش أو محامي نصاب، هل هذه هي حرية التعبير، وهل هذه هي الديمقراطية التي يتبجحون علينا بها، ما إن نعالج ظاهرة حتى نتعرض للهجوم والانتقاد، أو في أحسن الحالات يقارنون بين إنتاجاتنا والإنتاجات العربية.

وهل لا تحق المقارنة؟

أبدا، سأكشف لك عن أمر يجهله كثيرون، وهو ربما نموذج مصغر حتى تفهم الفرق بيننا وبين الإنتاجات في العالم العربي. أردنا الاستعانة في الجزء الثاني من “سر المرجان” بالممثل السوري باسم ياخور عوض خالد حيدر، وبالفعل اتصلنا به حتى ينضم، ووافق الرجل مقترحا أجرا رمزيا، أتعلم كم طلب، لقد طلب ميزانية تصوير حلقة كاملة من المسلسل، يعني أن أجره في الحلقة يساوي ميزانية تصوير حلقة بكاملها، والتي كانت 340 ألف درهم. بمعنى إن أردنا أن نستقدمه ستصبح تكاليف الحلقة الواحدة 680 ألف، مع العلم أن ياخور “حشم منا ودار ثمن على وجهنا”.
وعليه فإن كل من يقول لنا انظروا إلى الأعمال الدرامية المصرية أو السورية، عليه أن يستحي. لأنه لا يمكننا أن نصل إلى ربع مستواهم، سواء تعلق الأمر بميزانيات الإنتاج أو أجور الفنانين أو الوسائل اللوجستية.

إذن المشكل المادي محض ولا علاقة له بالمخيال والبراعة التأليفية؟

نعم إنه إشكال مادي بالدرجة الأولى، فلو منحت أي كاتب سيناريو مدته عام كامل، ومكانا هادئا وجميلا ليعكف على الكتابة فحتما سيأتيك بعمل محترم ونقي وجميل، والشيء نفسه ينطبق على باقي العاملين في الدورة الإنتاجية الفنية.
غالب الأعمال التي يجري تصويرها في المغرب تتم بسرعة كبيرة وقياسية، ويكون هناك ارتباك في صرف الميزانية، إذ يضطر الجميع إلى انتظار الأشطر، حتى يجري دفع الأجور والتعويضات، وهذه كلها عوامل تؤثر على المنتوج في صورته النهائية.

لنبتعد عن الدراما الرمضانية، وندخل للدراما المعيشية؟

تقصد المقاطعة.. حسنا إن نبض الشعب يتكلم بصدق، ويجب الاستماع إليه، وما يجري أمور صحية، لأن القدرة الشرائية عند الناس تحتضر بعدما تعرضت لضربات موجعة.
الأمر يهم أيضا خنقا قاسيا للطبقة المتوسطة، التي أخشى أن تكون تعيش لحظاتها الأخيرة، وهذا الأمر شعرنا به منذ مطلع الألفينات.
أنا لست خبيرة اقتصادية، لكني متتبعة جيدة، فبالنسبة لبلد يفتقد للموراد الطبيعية الرئيسية، كان من المنتظر أن نصل إلى ما وصلنا إليه. لذا فإن ما نعيشه من غضب يعتبر صحيا، وتنفيسا عن الناس، لأن المقاطعة سلوك حضاري.

لاحظنا أن مجموعة من الفنانين يصرون على إبداء آراءهم في قضية المقاطعة، هل صار لدينا فنانون مناضلون ولم يعودوا مجرد أدوات إلهاء؟

وما العيب في أن يكون أداة إلهاء، إن الترفيه والترويح عن النفس أمر حيوي ومطلوب، وليس في استطاعة أي كان أن يقوم به.
ثم إن أغلبية الفنانين في المغرب ينتمون إلى الطبقات المتوسطة والفقيرة، والحمد له أنهم تمكنوا من النجاح وأنقذوا عائلاتهم من براثن الفقر والعوز.
يعجبني الفنان المنخرط في قضايا إنسانية أو خيرية، وهو الدور الذي يجب أن يقوم به بالموازاة مع عمله، أن يتبى قضية إنسانية ويساعد عبر علاقاته وشهرته في دعم فئة مهمشة ومعوزة، في اعتقادي هذا أنبل ما يمكن أن يقوم به الفنان.
لا يمكن لفنان أن يتكلم بلسان الخبير الاقتصادي ويدعو أو يعارض المقاطعة، كما لا يمكنه أن يتحدث بلسان السياسي.
إن الدور الأسمى للفنان هو أن يعكس مواقفه النبيلة في إبداعه، ففي “سر المرجان” تطرقنا لمواضيع غير مسبوقة، وحتى في سلسلة “الدرب” يبقى المغزى العميق منها هو ضرورة التصالح مع الكتاب والقراءة، وتجنب نماذج الشباب الضائع، ولهذا نسخر منهم، ولا ندعو إلى الاحتذاء بهم.
ومرة أخرى أقول إن هذا المسلسل الكوميدي رغم عيوبه ومساوءه، إلا أن له مغزى محترما ونبيلا وهو “اقرؤوا رحمكم الله”، وهي رسالة موجهة للشباب بالدرجة الأولى.

وهل تنهجين هذا المنحى في مساعدة شريحة معوزة؟

نعم أرعى جمعية “هاجر” وهي جمعية تعنى بالأطفال المصابين بنقص المناعة الأولية، إذ يحتاج الطفل المريض لحقنة شهرية يصل ثمنها إلى 1500 درهم، وهو مرض قاتل، بمعنى أنه لو توقف عن حقنها سيموت مباشرة.
واشتغل حاليا على تنظيم حفل خيري يوم ثاني يونيو، سيكون عبارة عن حفل للموسيقى الأندلسية، سيخصص ريعه لفائدة أطفال جمعية “هاجر”.

على ماذا تشتغل سامية حاليا؟
اشتغل على سيناريو فيلم قصير والذي سأكون مخرجته، وحتى لا أخفيك فإني قررت أن أسبر عوالم الإخراج لتكون رحلتي المقبلة في عالم الفن.
كما أعكف حاليا على الإعداد لماستر التربية الجمالية وتدبير مهن الفن والثقافة بكلية علوم التربية بالرباط، لذا فأنا مؤخرا جد منشغلة، وأحرص على التحصيل لأجتاز الامتحانات بتفوق.

ما تيمة الفيلم القصير؟
هو سيرة ذاتية لي، تبدأ من الطفولة إلى مرحلة التحصيل الجامعي، وتلخص لحقبة الثمانينات في منطقة الشمال، وتحديدا في 1982، فإذا كانت الدارالبيضاء عاشت أحداث الانتفاضة الشعبية أو ما يعرف بأحداث “شهداء كوميرة” فبعد سنة ستعيش تطوان ومدن الشمال أحداث مشابهة، وموضوع الفيلم يتخذ هذه الحقبة الزمنية من التاريخ السياسي للمغرب عنوانا بارزا، إذ سينقل الفيلم نظرتي وأنا طفلة لوضع سياسي من قلب الجامعة، وضع اتسم بانتشار الفكر اليساري، والذي شهد تشجيعا للحركات الإسلامية من طرف الدولة، مرورا باندلاع حرب الخليج في التسعينات.
في تلك الفترة وأنا طفلة كنت أغني الأغاني الملتزمة للشيخ إمام ومارسيل خليفة، فاحتفظت بذكريات رائعة عن الجامعة المغربية، لكن عندما كبرت وبلغت سن الولوج إليها وجدتها تغيرت واكتشفت أن “الأواكس” صار المسيطر البارز على الجامعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى