وطنية

الملك لراشدي:”أريدك أن تذهب بعيدا في محاربة الرشوة”

الرباط اليوم

ليس البشير الراشدي بجديد في النضال ضد الفساد والرشوة بالمغرب. فهو من مؤسسي “ترانسبارنسي المغرب”، وكان رئيسا لها قبل سنوات. وقد عهد إليه الملك محمد السادس قبل أسابيع بمهمة الإشراف على “الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها”. في هذا الحوار يكشف لـ”تيل كيل” تصوره لكيفية التصدي لهذه الظاهرة المستشرية بالمغرب.

عينك الملك على رأس “الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها”. هل لمست فعلا أن العاهل المغربي يريد محاربة حقيقية للرشوة؟
بكل صراحة، هذه الإرادة لمستها لما قال لي جلالته: “أريدك أن تذهب بعيدا”

ما هو تصورك للمسؤولية؟
منهاجي في العمل هو التالي: حينما ألاحظ أن الأمور تسير عكس إرادتي في التقدم بمشروع، أي كانت طبيعته، أعلن ذلك صراحة، وأبذل جهدي بعد ذلك لإحداث التغييرات المناسبة. ولكن في كل الحالات، أحاول دائما وصع مقترحات لتحسين الوضع تحت يدي. وإذا كان الاختيار قد وقع على شخصي لتولي هذا المنصب، فأفترض أن هذه المعايير أخذت بعين الاعتبار.

الملفات كثيرة وتكتسي طابع الاستعجال، بِمَ ستبدأ؟
في انتظار تشكيل أجهزة الهيئة وتعيين مجلسها، ستكون مقاربتي مزدوجة. أولا، سأقوم بعمل في العمق لمواصلة السير على النهج الذي رسمته الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. في الوقت ذاته، سأحاول تحديد الأولويات التي سأشتغل عليها، وليس بناء على مدى سهولة تنفيذها، بل بناء على الأثر المنشود من تطبيقها. يجب أن نعطي وبسرعة انطباعا بحدوث تغيير حقيقي.

رئيس الحكومة يشرف شخصيا على تسيير دفة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. ألا تخشى أن تدوسا قدمي بعضكما؟
يجب أولا الإشادة بالإرادة الحكومية لوضع هذا الورش في الواجهة. فالاستراتيجية الوطنية، التي تم اعتمادها في دجنبر 2015، تتطلب إطار واضحا من الحكامة. فيما يتعلق بالمخاوف التي عبرت عنها، أقول لك إن الهيئة التي أرأس لن تقوم بأي عمل بمعزل عن توافق الفاعلين المعنيين. وفي مقدمتهم الحكومة، لأن هذه الأخيرة تتوفر على الرافعتين التشريعية والتنفيذية. كما أن دور كل من القطاع الخاص والمجتمع المدني يكتسي أهمية قصوى. سيكون على الهيئة لعب دور “المحفز” (catalyseur). وهي الوحيدة التي بإمكانها أن تكون ملتقى لوجهات النظر، بما أنها تضطلع بمهام الإشراف والتنسيق والمتابعة والتقييم.

هل استقلالية الهيئة مضمونة؟
سأحرص على استقلالها الكامل والتام. ولن أقبل أي تسوية بهذا الخصوص.

للقضية جانب انتخابي، وإذا ما تحققت نتائج ما، فإنها ستسجل لصالح الأغلبية. هل يمكن لتعيينك، أنت الشخصية التي لها مكانتها في هذا الجانب، أن ينافس الجهاز التنفيذي في هذا الملف؟
بغض النظر، فإننا نتحدث هنا عن قضية وطنية، ولا علاقة لها بأي مصلحة سياسية أو تحقيق النجاح في ولاية انتخابية ما. السؤال المركزي هو: كيف يمكن تخليص المغرب من هذا العبء الذي يعيق تقدمه؟ بالنسبة إلى، أنا مقتنع تماما بأننا سنحقق هذا الهدف. إنها ليست قضية حكومة معزولة. لما أسمع كل الرسائل القوية لجلالة الملك ولمجموع الفاعلين الذين يعتبرون هذه القضية أولوية وطنية، لا يمكنني إلا أن أرى في كل هذا فرصة للخروج من هذه الانحرافات التي تتسبب فيها حسابات سياسويةالصغيرة.

حسب القانون، على “الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها” احترام صلاحيات السلطات والمؤسسات الأخرى. بالتالي فهامش تحركك ضيق. أليس كذلك؟
يجب على هذا النص إن يتطور بشكل يخول للهيئة النهوض بكافة مهامها دون مضايقة من الصلاحيات التي تتمتع بها المؤسسات والسلط الأخرى.

إذن، هذا النص لا يرضيك…
لا. هذا النص لا يرضيني. أعتبر أنه لا يتلاءم تماما مع روح، بل وحتى نص، الدستور. هذا موقفي، وأتمسك به. إذا كانت سلطات الهيئة تقف عند النقطة التي تبدأ فيها صلاحيات المؤسسات الأخرى، فإن الشلل يتبرص بنا. أعتبر أن الأبحاث والتحقيقات يجب أن تكون مستقلة، مع إمكانية تدخل السلطات الأخرى لبلوغ الأهداف المتوخاة. هذا ما جاء في بلاغ الديوان الملكي.

متى سيتم تغيير هذا القانون؟
مبدئيا، سيجري هذا في الأشهر القليلة المقبلة.

مع إمكانية الحصول على سلطة القيام بالإحالة الذاتية كما هو الحال مع مجلس المنافسة…
تماما. سلطة الإحالة الذاتية، وسلطة إجراء الأبحاث والتحقيقات، والقيام بمبادرات، والولوج إلى المعلومة بدون قيود، وسلطة الجزر العقاب…

سلطة العقاب، أي أخذ مكان القضاء؟
كلا. عندما أقول العقاب، فهذا معناه أن القضاء سيكون مخولا له معاقبة كل من يعرقل عمل الهيئة(…)

كثير من الناس يعتبرون أن الإدارة تركز بالأساس على الرشوة الإدارية الصغيرة، بينما الرؤوس الكبيرة معفاة. ألا يفرغ هذا التناقض محاولات الإصلاح من فحواها؟
من الضروري تحسين العلاقة بين الإدارة والمرتفقين، بضخ مزيد من الشفافية. ورغم أننا لا نتوفر على نظرة دقيقة في هذا المجال، فيبدو لي من الضروري، وفي أقرب الآجال، نشر كل المساطر الإدارية وجعلها قابلة للطعن. بهذه الطريقة سيحس المواطنون بأن حقوقهم محمية، لأنه في حال خرقها يتوفرون على وسائل الطعن فيها(…)

وماذا عن الرشوة الكبيرة والصفقات العمومية؟
بهذا الخصوص، يجب تحقيق تقدم ملموس فورا. فالرشوة مستشرية في هذا المجال. لتطهيره، يجب اتخاذ عدة إجراءات. مثلا، منح منافس محتمل إمكانية الاحتجاج على توجه دفتر تحملات ما، إنزال العقاب في حال وجود عناصر تمس بالمنافسة الحرة في ملف طلب عروض أو في المبالغ المؤداة مقابل استشارة ما.يجب إبراز هذه النقط، ونشرها وجعلها في متناول الرأي العام. نطمح إلى مزيد من الشفافية، وليس مجرد تقدم شكلي بينما الأمور تظل مشوهة في الباطن.

يلاحظ المواطنون غياب شبه تام للمحاكمة الكبرى في قضايا الاختلاسات، كأن الإدارة تعبئ جهودها للتصدي الرشوة الصغيرة وحدها..
بعض الملفات أفضت إلى محاكمات بناء على بعض تقارير المجلس الأعلى للحسابات، ولكن لا أظن أن هذه الإشكالية حظيت بمعالجة في مستوى الخسائر التي تسببت فيها.

مع ذلك، فإنا لست متفق مع تحليلك. يجب التصدي للرشوة بكل أشكالها وأحجامها. التمييز بين رشوة صغيرة وأخرى كبيرة غير مقبول بالمرة. فالصنفان يستحقان الإدانة والشجب. ومن واجبنا اتخاذ كل الإجراءات ذات الأثر القوي فورا، من قبيل تلك التي تتصدى مباشرة لبؤر هذه الآفة.

الميزانية المخصصة للاستراتيجية الوطنية بالكاد تصل إلى 1.8 مليار دهم. أليس هذا المبلغ أضعف بكثير من أن يجعلنا نأمل في التصدي لظاهرة تحرم المغرب من 2 إلى 5 نقاط من الناتج الداخلي الخام؟
إن الملاءمة بين الأهداف المرجوة والوسائل المعتمدة أمر مهم للغاية. بل إن هذا المبدأ منصوص عليه في القانون التنظيمي للمالية. وبدل الحديث عن الوسائل الضرورية للاستراتيجية بكاملها وطيلة مدتها، فلنبدأ بتحديد الحاجات الخاصة بالسنة أول، والثانية، وحتى الثالثة. لا شيء يلزمنا اليوم بتحديد الموارد المالية التي سنحتاج في 2025(…)

أشارت منظمة “ترانسبارنسي المغرب” مؤخرا إلى “غياب الجهود لتكريس” الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في صيغتها الجديدة، مبرزة أن النتائج كانت “جيد ضعيفة” بعد ثلاث سنوات من دخولها حيز التنفيذ. هل تشاطرها الرأي؟
كانت “ترانسبارنسي” ترصد دائما بعض النواقص، ولكنها بالمقابل أشادت كذلك بوجود هذه الاستراتيجية. ما تدينه “ترانسبارنسي”، وأنا أشاطرها في هذا، هو عدم تنفيذ هذه الاستراتيجية(…)

الفصل 36 من الدستور يدمج تضارب المصالح في إطار الفساد. هل من الواقعي التصدي لهذا المشكل المنتشر في المغرب، علما أن العديد من الوزراء هم في الوقت ذاته رجال أعمال؟
إن تدبير هذه الملف يحتاج إلى المزيد من الوضوح ومن النصوص القانونية غير الملتبسة. مثلا، كل شخص قد يسقط في تضارب المصالح عليه التصريح بذلك وإلا تعرض للزجر. بعد التصريح يجب تفعيل سلسلة من الإجراءات حتى لا يتحول الأمر إلى زبونية محتملة أو استغلال تعسفي للوضع المهيمن.

عن “تيل كيل” بتصرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى