الصخيرات اليوم

المغرب يجمع الليبيين مجددا لتوقيع اتفاق “الصخيرات 2”

الرباط اليوم: رضوان مبشور

لا يخفى على جل المتتبعين أن الدبلوماسية المغربية تتحرك اليوم في جميع الاتجاهات سعيا منها لتهدئة الأوضاع في ليبيا بعدما أصبحت الأخيرة مرتعا لمجموعة من القوى الإقليمية والدولية التي تريد أن تجد لها موطئ قدم في “بلاد عمر المختار”، هذه الدولة التي تنام على مئات الملايير من الدولارات من الذهب الأسود، والتي تدور فوق أراضيها حرب ضروس لم تهدأ منذ قرابة عقد من الزمن، ومؤشرات توقفها لا تلوح في الأفق.

ووسط هدير الطائرات ولعلعة الرصاص في سماء ليبيا، تؤكد الرباط في كل مرة دعمها لـ “اتفاق الصخيرات” الذي تم توقيعه في دجنبر من العام 2015، معلنة بذلك بشكل ضمني دعمها لحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج المتناحرة مع قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعوم من المعسكر الغربي وبعض دول الخليج، إلى درجة أن المغرب خسر بسبب الملف الليبي علاقته مع دولة كان قريبا منها وهي الإمارات، وتحالف مع دولة أخرى لم يكن يتماهى مع سياستها على غرار تركيا، ويتحرك في كل الاتجاهات من أجل إقناع مجموعة من الأطراف الليبية للعودة مجددا إلى المملكة لتوقيع “اتفاق الصخيرات 2”.

فما الذي يريده المغرب من خلال التدخل في الملف الليبي؟ ولماذا يتشبث دائما باتفاق الصخيرات ويسعى جاهدا لجمع الليبيين مجددا لتوقيع النسخة الثانية منه؟ ولماذا لا تخفي الرباط معارضتها لخطة الإمارات الداعمة لخليفة حفتر؟ وكيف يحاول المغرب جاهدا ألا يحكم ليبيا شخص أحمق يعشق صوت الرصاص وركوب الدبابات على غرار القذافي؟ وما سر التقارب المغربي غير المسبوق مع تركيا؟ وكيف يحاول المغرب أن يحشد دعما مغاربيا لخطته للسلام في ليبيا؟ وهل يمكن للجزائر أن تشارك مع المغرب وتونس في تصور موحد مادام تحوّل ليبيا إلى “سوريا جديدة” سيخلق لبلدان الجوار مشاكل أمنية خطيرة؟

عرف التاريخ الحديث للعلاقات المغربية الليبية الكثير من التشنج، خاصة بعدما نجح العقيد الليبي الراحل امعمر القدافي في الانقلاب على الملك إدريس السنوسي، وفي الطرف الآخر من المغرب الأقصى كان الراحل الحسن الثاني، ففي عهديهما كانت العلاقات بين البلدين تتراوح بين التأزّم والسلام البارد، بين المد والجزر، بفعل الكره الذي كان يُكنّه العقيد للملكيات التي يصفها بـ»الرجعية»، مقابل نظامه «الثوري» الذي حكمه بيد من حديد، بعدما نجح انقلابه ليشرع بعد ذلك في تفكيك الدولة، جاعلا الفوضى هي القاعدة.

العلاقات المتشنجة بين الحسن الثاني وامعمر القذافي وصلت إلى درجت أن كل واحد منهما دبر انقلابات عسكرية ضد الآخر، وكل واحد منهما احتضن معارضي خصمه ومولوهم في محاولة لتنفيذ انقلابات عسكرية هنا وهناك، غير أنه باندلاع أحداث الـ 17 من فبراير 2011، التي أدت لاحقا إلى مقتل القذافي، كانت هناك قوى دولية عديدة تحاول التواجد في الساحة الليبية، بحثا عن دور لها فيما بعد في النظام السياسي الجديد الذي سيخلف نظام العقيد، وإن أُخِذ في الاعتبار الموقع الاستراتيجي لليبيا من ناحية، وثروات «بلاد عمر المختار» فربما يكون لها أيضا جزء من كعكة الثروة الليبية في ظل النظام الجديد.

المغرب كان حاضرا بدوره حينها فوق الأراضي الليبية، لكن ببعد إنساني ولم تكن له أي أطماع في المستعمرة الايطالية السابقة، حيث أنشأ على الحدود الليبية التونسية، بداية من العام 2011 مستشفى ميدانيا كبيرا لعلاج الجرحى من المدنيين والعسكريين على حد سواء، ولو أن البعض فهم من الخطوة المغربية أنها انحياز صريح وعلني ومباشر لصالح الثوار الذين تمكنوا من دحر القذافي بشكل مأساوي، بحكم أن المستشفى العسكري المغربي كان موجها بالأساس لعلاج الثوار المسلحين، ولو أنه اتخذ في شكله بعدا إنسانيا. هكذا هي الدبلوماسية !

بعد نهاية أسطورة القذافي كان المغرب من أول الدول التي لعبت أدوارا كبيرة في ليبيا، حيث كانت الرباط على رأس العواصم التي دعت إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي شارك فيه وزير الخارجية المغربي حينها الطيب الفاسي الفهري – المستشار الملكي الحالي -وهو الاجتماع الذي مهد لقرار مجلس الأمن الدولي بفرض حظر جوي على ليبيا، كما كان المغرب من الداعمين للعمليات العسكرية التي قادها حلف شمال الأطلسي، بقيادة فرنسا التي كان يرأسها في تلك الفترة نيكولا ساركوزي، فالمغرب لم يسجل عليه في تلك الفترة أنه عارض وأن انتقد تواجد حلف الناتو في ليبيا.

وفي الوقت الذي دخلت فيه البلاد نحو المنعرج الخطير وتوزع دم الدولة بين القبائل، وتناحر الليبيون فيما بينهم، ظهرت مبادرات عدة من مجموعة من الدول لحل الأزمة الليبية الداخلية، فانعقد مؤتمر في جنيف واثنين في باريس وآخر سري في إمارة دبي، غير أنها لم تساهم في حلحلة الأزمة، لتظهر في بداية العام 2014 مبادرة مغربية، لا أحد كان يتوقع نجاحها، غير أن المغرب سينجح بعد عامين من ذلك وبالضبط في شهر دجنبر من العام 2015 في أن يجمع كل المتناقضات، ويحل الأزمة عن طريق ما يعرف اليوم بـ»اتفاق الصخيرات»، الذي يوصف بأنه النقطة الوحيدة المضيئة في الأزمة الليبية، فهو الاتفاق الوحيد، الذي وضع «خارطة طريق» واضحة للأزمة، واعتمد تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية وهيئة تشريعية.

لكن واقع الحال يؤكد أن ليبيا اليوم تغيرت فيها الأوضاع وهناك محاولات للقفز على اتفاق الصخيرات، خاصة بعدما ظهر قائد عسكري اسمه خليفة حفتر، مدعوم من الإمارات وفرنسا، ليبحث لنفسه عن موطئ قدم في ليبيا ويحتل عددا من المدن معتمدا على دعم الكثير من الدول، من بينها المملكة العربية السعودية وروسيا، ويعلن إسقاطه لاتفاق الصخيرات من جانب واحدا مطالبا الليبيين بمنحه التفويض لحكمهم، بل أكثر من ذلك، فجامعة الدول العربية تماهت مع رغبة أبوظبي والرياض، خاصة بعدما أعلن الأمين العام المساعد للجامعة العربية، حسام زكي، أن صلاحية اتفاق الصخيرات قد انتهت، مما يعني تحيزا واضحا لحفتر، قبل أن تتدخل تركيا عسكريا لدعم حكومة فايز السراح المعترف بها إلى حدود الساعة من طرف الأمم المتحدة.

كل المؤشرات تقول اليوم أن المغرب يتجه إلى جمع مختلف الأطراف الليبيين المتنازعة من جديد ولملمة الجراح والدفع نحو لقاء ثان بالصخيرات لتوقيع الاتفاق من جديد، فوزير الخارجية المغربي يتحرك اليوم في كل الاتجاهات، وقبل أسبوع فقط وفي عز الحجر الصحي وحالة الطوارئ ركب طائرة خاصة للقاء الرئيس التونسي قيس سعيد في قصر قرطاج، وقبل ذلك سبق وأن أجرى الملك محمد السادس مكالمة هاتفية مع الرئيس التونسي في السياق ذاته.

بحسب التسريبات التي خرجت من لقاء بوريطة الذي حمل رسالة شفوية من الملك محمد السادس لقيس سعيد، فالملف الرئيسي كان هو رغبة المغرب في الدفع بلقاء جديد يجمع الأطراف الليبية المتنازعة، تتزعمه الدول المغاربية، وخاصة المغرب وتونس والجزائر، باعتبار أن جميع الأطراف المغاربية تتوحد في تصوراتها للأزمة الليبية وكلها دول داعمة لمخرجات اتفاق الصخيرات، وتعارض خليفة حفتر بشكل صريح.

فالتحرك المغربي يراد منه اليوم أن يدفع الليبيين إلى الجلوس على طاولة الحوار من جديد، ويقترح التوصل إلى اتفاق سيطلق عليه «اتفاق الصخيرات 2»، يحتضنه المغرب برعاية مباشرة من الملك محمد السادس، وهي المبادرة التي تدافع عنها تركيا، التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كل الدول المغاربية، وتدعم بدورها اتفاق الصخيرات وحكومة فايز السراج، والتي تدخلت في الأشهر الأخيرة عسكريا لدعمها، وساعدتها في استرجاع العديد من الأراضي التي استولى عليها في وقت سابق خليفة حفتر، وخلقت بتدخلها نوعا من «توازن الرعب» على الأراضي الليبية.

وحسب مصادر «الأيام» فالأطراف المغاربية الثلاثة التي تتوفر اليوم على موقف شبه موحد حول الأزمة الليبية، ترفض أي تدخل أجنبي، بما فيه التدخل التركي، وتعتبر الملف الليبي يهم الدول المغاربية بالأساس، بحكم أن ليبيا جزء من دول المغرب العربي الخمس، رغم أن هذا الاتحاد يعتبر ميتا بشهادة كل الدول المغاربية، غير أن الأمل معقود على هذه المبادرة المغربية بخصوص ليبيا والتي يريد المغرب أن يحتضنها على أراضيه ويعطيها بعدا مغاربيا، كي تساهم في إحياء اتحاد المغرب العربي، خاصة وأن الوضع الأمني في ليبيا يدخل ضمن الأمن القومي لباقي دول الاتحاد الخمس، بحكم أن القرب الجغرافي لليبيا يفرض حضور هذا الملف في الأجندة الخارجية لجميع دول الاتحاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى