أقلام وآراء

المعادلة المعقدة

ما أقدم عليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان كان مفاجأة سارة بالنسبة إليّ، بغض النظر عن الحسابات السياسية أو غيرها التي قد تكون أو لا تكون خلف خطوته، وبالرغم من أنني أعلم جيدا أنه سيتم وأدها سريعا وحتى قبل أن تنهي صرختها الأولى، ولو إلى حين.
كانت مفاجأة لأنني لم أتوقع قط، من مؤسسة رسمية دستورية في بلد تغلب عليه المحافظة، مجتمعا ونظاما، أن تتقدم بمطلب جريء جدا في موضوع يكتسي حساسية مفرطة مثل «الإرث»..
وكانت سارة لأنها تحدثت عن «المساواة» بين الذكر والأنثى، وهي في تقديري شرط أساسي، ليس في الإرث فقط، بل في كل الحقوق والواجبات أيضا، لبلوغ مرتبة الفرد الكامل في فردانيته، الفرد الذي له يد في تشكيل حياته وحياة مجتمعه.
لا شك أنه مطلب صادم، خاصة في مجتمع أدمن المحافظة، وإن لعب «الكاندي كراش»، أو تابع الأفلام والمسلسلات بتقنية الـ4G على آخر أيفون وأحدث سامسونغ. فالمحافظ، عموما، يتحاشى النظر في عين الأسئلة الحقيقية، وإن انتصبت أمامه سارع إلى الاختباء وراء الانفعال، والاحتماء بالتأويلات المغرقة في المحافظة للنصوص المؤسسة والمؤطرة لحياته وفكره وثقافته، بدل السعي إلى الاجتهاد المضني الذي ينفذ إلى روح النص القائمة على كرامة الإنسان والمساواة بين كل البشر دون تمييز قائم على الجنس.
ولكن إلى متى؟ فمثل سؤال «المساواة في الإرث» سيطرح ويعود ليطرح، ولن يفيد في شيء أن نُهيل عليه ما تيسر من تراب الانفعال والتنديد والتكفير وحتى هدر الدماء. لأنه سينفضها بعد حين ويعود لينتصب أمامنا.
إن سؤال «المساواة في الإرث» الذي أثاره المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وأثار معه الكثير من الزوابع لن تهدأ قريبا (بعضها له حسابات سياسية، وأخرى قائمة على معرفة محدودة أو على الكسل المعرفي).
من تلك الأسئلة التي تطرح على المجتمع وعلى نخبته تحدي حل هذه المعادلة الرياضية الشديدة التعقيد: التلاؤم مع العصر الذي لم يعد يسمح بكل هذا التمييز ضد الأنثى، دون المساس بظاهر النص الذي صار، لأسباب تتداخل فيها السياسة بالتاريخ، سلطة أقوى بكثير من روحه الرحبة الواسعة. وحل هذه المعادلة لا يفترض الانفعال، بل يستوجب الهدوء والاتزان، والابتكار الفكري للوصول إلى صيغة تضمن المساواة في كل شيء، دون المساس بظاهر النص، والإقلاع عن التردد لأن «التردد دائما خسارة»، كما قال عبد الله العروي.

زر الذهاب إلى الأعلى