سياسة

القمة العربية بجدة .. الكاسب والخاسر والمتسول.!؟

الرباط اليوم

بقلم الباحث و المحلل السياسي الدولي، رضوان الشريف القادري.

عقدت القمة العربية دورتها 32 برئاسة السعودية في جدة، الجمعة الماضي، في ظروف إقليمية ودولية حافلة بأحداث خطيرة ومتغيرات لم تكن في الحسبان. من قبيل الحرب الدائرة في السودان، وعودة العلاقات السعودية الإيرانية، والانتخابات التركية، فضلا عن تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، التي تواصل رسم ملامح النظام العالمي المقبل.
تضاف هذه الأحداث بثقلها لأوضاع غير مستقرة بسبب أزمات مستمرة في فلسطين واليمن والعراق وليبيا وسوريا ولبنان والصومال، فضلا عن أزمة سد النهضة الإثيوبي وعلاقة ذلك بمصر والسودان.
أصدرت قمة جدة بيانها الختامي واشتمل على 32 بندا، سعيا منها لملمة المشهد العربي مع محاولة وضع القطار على السكة. لكن قبل أن يجف حبر هذا البيان تعالت بعض الاصوات بين مؤيد ومعارض ومستفسر، فالقمم العربية على عادتها يلتقي فيها القادة ويتبادلون التحايا ويلقون الخطب ويتفرقون إلى أحوال سبلهم المتفرقة، وتستمر الأوضاع على ما هي عليه.
لا يختلف إثنان في عبثية القمم العربية، وأمثلها فشلا نسختها الأخيرة، التي انعقدت في الجزائر في نونبر 2022، وحملت شعار “لم الشمل العربي”، بينما كانت تشتيتا لما تبقى من شمل عربي، فتحت سقفها الزمني اندلعت الحرب في السودان، وتردت الأوضاع في تونس، وعادت بوادر حمل السلاح إلى ليبيا.
لكن هل من وجه للمقارنة بين قمة جدة وقمة الجزائر؟
في التقييم السياسي عادة تكون نتائج القمة بقيمة ومستوى الجهة أو الجهات المنظمة والمحتضنة. وفي أول وهلة لقمة الجزائر تظهر بمقاطعة عدد كبير من زعماء الدول العربية لها، والسبب بكل بساطة لأن النظام الجزائري غير موثوق به في الوسط العربي وتحديدا في الوسط الخليجي.
فشل النظام الجزائري في إنجاح الدورة 31 للقمة العربية لعدة اسباب أولها معاداته لجاره المغرب، واحتضانه ميليشيا مسلحة لضرب وحدته الترابية، لأكثر من 4 عقود.
إضافة إلى ذلك، تورطه في علاقات مع أطراف معادية لدول عربية، وفي مقدمة ذلك تعاونه مع إيران وتنسيقه مع الميليشيات المسلحة التابعة لها، والعمل على نشرها في المنطقة.
من جهة أخرى، سعى النظام الجزائري لإعادة تأهيل النظام السوري في الوسط العربي من دون أن يكون له أي تأثير على جانب الدول العربية ولا على الجانب السوري. وكان يريد استعمال الورقة السورية للمزايدة وتكريس سياسة المحاور داخل الجامعة العربية.
لذلك فشل النظام الجزائري في القمة 31 في تحقيق ما نجحت فيه السعودية في القمة 32، وهذا يظهر فعلا الفرق بين حجم القيادة السعودية وحجم النظام الجزائري، وهو أمر لم يستصغه المتحكمون في السلطة في الجزائر وعبروا عنه بغياب الرئيس الجزائري عن حضور القمة في السعودية.
خلق حضور الرئيس السوري بشار الأسد لقطة لافتة في القمة بعد غياب دام 11 سنة، ولم يكن حضوره سافرا من نتائج لصالح سوريا بعد التأكيد على أمنها واستقرارها ووحدة أراضيها.
من ذلك كله، يستنتج وكما ورد في البيان الختامي، اتفاق عربي جماعي بالحفاظ على أمن الدول العربية ووحدة اراضيها وعدم التدخل في شؤون بعضها البعض.
أبعد من ذلك ذهبت قمة جدة إلى رفض وإدانة كل دعم يقدم لأي كيان مسلح إرهابي ينزع إلى الانفصال وزعزعة الاستقرار في أي بلد من الوطن العربي.
بهذه الصورة وبهذه القوة تسعى قمة جدة إلى مراجعة السلوك الذي دأبت عليه القيادات العربية، وهو التدخل في شؤون بعضها البعض، والكيد من تحت الطاولة لهذا القطر أو ذاك، والتغاضي عن مثل هذه الممارسات التي أدخلت البلاد العربية في نفق مظلم.
لم يكن حضور بشار الاسد وحده مثيرا للجدل، وإنما حضرت شخصية أخرى وهي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي حل بجدة قادما للتو من اجتماع عقدته مجموعة السبع الكبار في طوكيو.
بغض النظر عن مضمون الخطاب الذي القاه زيلينسكي، يشكل حضوره علامة استفهام، حيث يتساءل البعض كيف ان العرب لم ينجحوا في حل خلافتتهم الداخلية سيكون بإمكانهم تقديم حل لأزمة أوكرانيا، التي بعجز العالم عن إيقاف قطار الموت التي انطلق فيها؟
من جهة أخرى، يحمل البعض مسؤولية تداعيات مشاركة الرئيس الاوكراني في أشغال قمة جدة في حال كان لروسيا موقف من هذه المسألة، خصوصا أن الجانب العربي قرر الوقوف في خط الوسط بين موسكو وكييف.
لفهم قمة جدة وخصوصيتها يجب الانطلاق من حيث وقف البلد المستضيف السعودية الجديدة، التي اختارت مسارات جديدة لسياساتها الخارجية.
يرجع البعض قرارات الرياض بإعادة النظام السوري إلى الساحة العربية، ووقف العمليات القتالية في اليمن، إلى التطبيع مع إيران والاتفاق معها على إنهاء كل مظاهر الحرب بالوكالة بين الدولتين. لكن إلى ماذا بجب أن نرجع التطبيع بين الرباض وطهران؟
يظهر أن الصين كان لها دور في المصالحة بين الرياض وطهران، لكن قبل ان يكون هذا الدور للصين، كانت للسعودية خطوات مفاجئة تجاه بكين وموسكو وعدد من الدول التي ترتبط بها بعلاقات تقوم فيها صقفات النفط والغاز بملايير الدولارات دورا أساسيا.
لا يجب ان ننسى ان السعودية ضمت صوتها في أوبك بلوس قبل بضعة اشهر إلى صوت روسيا وقامت بدعم قرار خفض الانتاج بمليوني برميل بوميا متحدية الولايات المتحدة والدول الغربية.
عندما استضافت السعودية الرئيس الاوكراني في القمة أعطت دفعة لجامعة الدول العربية بنقل هذه المنظمة إلى دائرة الضوء، وهي مسألة لا بمكن استخلاص نتائجها في حال مزيد من العمل العربي المشترك بصيغة رابح رابح.
طبعا لن يكون بمقدور القيادات العربية الارتقاء إلى الدور الفاعل والمستقل إلا إذا كانت لدبهم إرادة حقيقية لنبد الخلافات الإقليمية والتخلص من العمالة للأطراف الدولية الأخرى.
لكن وبدون مبالغة في الحلم، انتهت قمة جدة بوضع تصنيف جديد للأنظمة العربية ولقاداتها منهم الكاسب والخاسر والمتسول.
بعض الانظمة العربية ذهبت بعيدا في تعزيز قدراتها الوطنية في ظل الامن والاستقرار المتأتيان من الثقة بين الحاكم والمحكوم، وهي الانظمة الكاسبة. بينما أنظمة أخرى تزرع الريح وستحصد العواصف ولا علاقة لها بشعوبها وهي الأنظمة الخاسرة، في ما هناك انظمة عربية ملعوب بها تتسول الاستقرار ولا تعرف كيف تمر إليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى