أقلام وآراءتكنولوجيا

الفضاء الأزرق بين التأثير والتاثر

الرباط اليوم

الفضاء الأزرق بين التأثير والتاثر.

إذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة نسبية مقتضاها أن كل إناء ينضح بما فيه أو بالأحرى بما فيه يرشح، فإن الفضاء الأزرق يجمع الناس على اختلاف طبائعهم وخصالهم الثقافية التي يمكن للمرء محاكاتها مع ما تختزنه الطبيعة من اختلاف الوان البشر والسنتهم؛ كما يحيط بهذا الفضاء مخلوقات كتلك النارية والنورانية التي نستقيها من المتن التيولوجي، فهذا يرصد ما يكتب ليدلي به إلى ولي نعمته عبر تقنية السكرين المقيتة التي يتوجب على المشرع أن يبدل جهدا لتجريمها، وذاك يستعمل حسابا مجهولا لفنانة أو سيدة، وهو بذلك يسيء للمرأة ويختار لنفسه ضدا على الطبيعة البشرية أن يكون مجهول الهوية…. وإذا كان أشباه الرجال هؤلاء لا يستحقون أن يلتفت إليهم فإن رواد الفضاء المعلومين ايضا يمكن تقسيمهم إلى فئات يختلط فيها الحابل بالنابل والغث بالسمين، ومن خلال محاولة تحليل الحوائط يمكن للمرء معرفة شخصية المدون، وهنا يحضرني قول التقطته اذناي وأنا اشاهد أحد الافلام المصرية القديمة، حيث جاء في مضامينه ان مستوى عيش العائلات وطريقة تدبيرهم لحياتهم اليومية يظهر من خلال حاويات القمامة، وإذا سلمنا جزافا بذلك فمن المنطقي أن نسلم ان مستوى الفكر والتفكير يمكن معرفته من خلال الحوائط الفايسبوكية، بل ويمكن أيضا للمشتغلين على سيكولوجيا الأفراد معرفة طبائعهم من خلال ما يزرعونه من خير أو ما ينفثونه من سم زعاف، والمنازل الوسطى بين المنزلتين تتراوح بين الإيجاب والسلب.

إن الفضاء الفايسبوكي يعري دواخل القوم، رغم تسليمنا ان الشرط البشري يتيح لكل من استيقظ المارد الإنساني فيه ان يتطور، وحيث إنه لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فإن أي إنسان يحتاج لطاقة إيجابية مدعو إلى زرع تلك الطاقة وبثها في المجتمع، وعليه ان يغالب النفس والهوى كي يجعل من نفسه ذلك الجميل الذي يرى الوجود جميلا…. ولا عيب في أن يتأثر الإنسان بالآخر إن كان في ذلك خير، عله يضع حدا للغل الذي يكاد يأكل فؤاده…وإن الفضاء الازرق اليوم يعج بالمرجفين الذين تطرق لهم المتن التيولوجي في إبيستمي القرن الرابع عشر، والصالح لكل مكان وزمان، مصداقا لقول الله تعالى في كتابه الكريم، سورة الأحزاب :«لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)»؛ فالمرجفون هنا تعني أصحاب الشائعات، ومن بين سيمهم أنهم يستعملون من الكلام ما يدل على الفسق، وسلاطة اللسان؛ والمرجف حالما تلقاه يبدي في وجهك بشاشة، ويروغ من مستهدفه روغان الثعلب الماكر. لذلك فالنقاش المبني على الحجاج لا يستقيم مع من يبث الإشاعة، ويتخذها سلاحا ونحلة ومنهاجا، لا سيما لكونه بذلك يضلل الرأي العام لإخفاء وهنه الذي يجاري بيت العنكبوت. وهو ما يشكل خطرا داهما، على المجتمع والجماعة “الكمونة” على المدى القصير، لكن ما يلبث الحق أن يحصحص فيكتوى المرجف بما جاء على لسانه الذي انفلت من عقاله، وتجاوز الأسنان، وذلك لذكاء المتلقي وتوفر المعلومة التي تصبح بمفعول النهار الواضح الذي يجلو الليل الدامس. فتبا لكل مرجف حول اللسان الذي يعرفه السيميائيون بأرقى الأنساق إلى أداة هدم، تجعل المجتمع يطبع مع الإشاعة وكأننا في حرب يقودها نازي، وقد تبت في التاريخ أن هتلر كان يقول لجنوده في المعارك: «اكذبوا، اكذبوا… حتى تصدقوا كذبكم»، وليعلم أن: كل مرجف، الله منه براء، وأن لعنة الله والعالمين ستحيق به كما يحيق المكر السيء بأهله، وأنه لا بد أن يبوء بمخرجات مكره؛ ذلك أن رب العزة يمهل ولا يهمل.

إن الفضاء العمومي كما يعرفه يورغن هابرماس هو فضاء للتأثير والتأثر شريطة تواجد النقاش الحر لكن بأخلاق حتى يحصل التأثير والتأثر. 

بقلم سي محمد الطنجي، خريج ماستر التواصل السياسي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى