ثقافة وفنون

العَبَّار.. الطريق إلى الكركرات

الرباط اليوم

في إطار الاحتفال بالذكرى 46 للمسيرة الخضراء المظفرة، بثت القناة الثانية دوزيم ليلة الاثنين 8 نونبر الجاري، فيلما وثائقيا تحت عنوان: العَبَّار.. الطريق إلى الكركرات، يعيد رسم واقعة إغلاق طريق معبر الكركرات من قبل مليشيات البوليساريو السنة الماضية إلى حين فتحها من قبل القوات المسلحة الملكية يوم 13 نونبر 2020، برؤية اخراجية توفق مابين السينما والتمثيل ومابين الفكرة الوثائقية والتوثيقية للحدث. أنتجته شركة MONAFRIQUE.PRODCOM سيناريو وإخراج إدريس بنيعقوب، مدير التصوير طارق العمراني.

يحكي الفيلم الذي انجز خلال هذه السنة 2021، قصة سائق إسباني مهني دولي محترف ناقل للبضائع من اسبانيا في اتجاه موريتانيا. تبرز مشاهد وفقرات الفيلم واقعة قطع ميليشيات البوليساريو للطريق الرابطة بين المغرب ومورتانيا وباقي الحواضر الإفريقة على مستوى معبر الكركرات جنوب الصحراء المغربية مضللة الرأي العام الدولي أنه احتجاج مدني سلمي في حين كشفت صور الفيلم وجود مقاتلين مسلحين بأسلحة ثقيلة أكد ذلك الأمين العام للأمم المتحدة ىفي تقريره الاخير لمجلس الأمن.

تدور احداث الفيلم خلال الفترة الممتدة من نهاية أكتوبر إلى غاية 13 نونبر 2020 وهو تاريخ تدخل القوات المسلحة الملكية لفتح الطريق من جديد. بسلمية وحرفية دون اراقة الدماء على مسمع ومرأى من وحدات المينورسو التابعة للأمم المتحدة. ويستحضر الفيلم ظرفية الواقعة، لوضعها أيضا في سياق انتشار وباء كورونا وتعثر النقل عبر الوسائل الأخرى، لتصبح الطرق البرية أهم وسيلة توصل البضائع الأساسية للشعوب الفقيرة خصوصا بتكلفة معقولة، غير أن قطع البوليساريو الطريق أدى إلى ارتفاع الأثمنة جنوب الصحراء، مما يرهق القدرة الشرائية للفئات البسيطة الشيء الذي قد يفضي إلى زعزعة استقرار دول جنوبية كثيرة.

للفيلم أبعاد كثيرة وقصص متنوعة إنسانية وثقافية عميقة جدا بنكهة درامية مثيرة. فهو يحكي قصص العابرين وهوياتهم وثقافاتهم، وإصرارهم على العبور باعتباره محطة تلاقح ثقافي، ومسير متعة وترحال وتسوح واستكشاف متجدد لجمال الصحراء والمغرب وطبيعته. كما يبرز الفيلم قوة التنوع الثقافي المغربي وعظمة روافده المتعددة، من خلال رسائل بصرية وسمعية في فقرات الفيلم.

إلى ذلك كله فإن الفيلم يحكي تاريخا عميقا وممتدا من الاستقبال والعبور والحفاوة والكرم في أهل الصحراء وقبائلها، المعروف عنهم حسن الجوار وإكرام عابر السبيل وعدم قطع الطرق. فسلوك قطع الطرقات دخيلة على المنطقة ولا تمت بصلة للثقافة الحسانية ولأخلاق وقيم القبائل الصحراوية، وقد أطرح فؤضية أنه سلوك مستوحى من تنظيمات ترفض القانون والعرف والمؤسسات كالمافيات والعصابات والقراصنة.

يهدف هذا الفيلم الوثائقي من بين ما يهدف له، والذي ينطلق من خرق البوليساريو لقواعد السلم والأمن ولقيم الثقافة الحسانية الأصيلة، إلى إبراز جوانب مهمة من الدفاع عن مغربية الصحراء، وجوانب وصفية للثقافة الحسانية في العبور والإقامة.

الفيلم يضم صورا حصرية، تعرض لأول مرة عن عملية قطع الطريق من قبل البوليساريو بحضور مسلحين من ميليشياتها لأسلحة قتالية ثقيلة، مما يفنذ أطروحة الاحتجاج المدني السلمي.

كما تضم فقرات الفيلم مشاهد مثيرة ومشوقة، و مداخلات علمية لثلة من الأساتذة والخبراء والباحثين المختصين مغاربة من مختلف الجامعات وأجانب من فرنسا ومورتانيا والسنيغال، الذين قدموا خلاله خلاصات علمية موضوعية وقراءات فاحصة للتاريخ وللقانون الدولي وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا والاقتصاد.

و يتناول الفيلم في عمقه قضية قطع طريق المعبر في شمولية نزاع الصحراء المغربية ككل مع خصوم وأعداء الوحدة الترابية للمملكة، كل ذلك في قالب فني سينمائي لا يخلو من التشويق والإثارة.

ويبرز الفيلم أيضا البعد الثقافي في الانتماء للوطن، والذي يعد احد أهم العناصر التي استثمرها الفيلم كما ينبغي في الترافع عن الوحدة الترابية و الارتباط الوجداني والتاريخي بين أقاليم المغرب الشمالية والجنوبية وأيضا مع شعوب جنوب الصحراء.

ترافع سينمائي يتجاوز البعد القانوني والسياسي إلى ما هو أعمق، ليصل المشاهد بحدود الارتباط الثقافي، المتجلي في قبول التلاقح بين الشمال والجنوب، قبولا لا يمكن أن يكون وثيقا إلا إذا كان هناك ارتباط بالوطن الأم وبالرغبة في العيش المشترك داخل بلد واحد وهو المغرب، مما يجسد عقد “بيعة” وولاء ثقافي للأمة المغربية و للمملكة.

وبذلك فإن الفيلم يلامسنا عن قرب وبشكل فعلي وحي، مع حجم القيم التي تحملها الثقافية الحسانية الصحراوية، وكيف أنها بتكوينها الوسطي المعتدل ترفض الظلم وتقدس الجار والضيف، كما يكشف الفيلم عن عمق خصوبتها في إنعاش التواصل التاريخي والإنساني بين الشمال والجنوب.

إن مطلب الدفاع عن الوحدة الوطنية عبر بوابة الترافع الثقافي، و من خلال زاوية النظر الثقافية الوجدانية التاريخية من خلال ذلك المعبر الجسر بين العبور والإقامة، لا شك أنه قيمة مضافة إلى باقي زوايا النظر السياسية والقانونية.
 
وإذا تعتز القناة الثانية ببثها لهذا الفيلم، فإن ذلك من منظور أن ترويج هذا النوع من المرافعات السينمائية، عبر المغرب وعبر إفريقيا وعبر العالم، في إطار نوع من الدبلوماسية الثقافية الناعمة، بات مسؤولية الجميع بما في ذلك الفنانون والمثقفون ومنتجو الأعمال الثقافية والفنية.

ولا شك أن إنجاز عمل وثائقي من النوع يمكن ترجمته إلى أهم اللغات العالمية لعرضه أمام المشاهد الأجنبي في القنوات الدولية وشبكات التواصل الاجتماعي وأيضا في المهرجانات المتخصصة وفي الجامعات والمعاهد، سيكون له أثر بالغ على قناعات بعض الأطراف الخارجية ذات النوايا الحسنة والتي لا تفهم صلب القضية الوطنية، أو التي لا تؤمن إلا بالحقائق العلمية والتاريخية وبالاستدلال العقلاني المنطقي السوسيولوجي الواقعي، المؤسس على شهادات ووثائق وحجج ملموسة، أو التي دلس عليها بمعطيات زائفة ولا تستقيم مع الواقع.

وقد تم اختيار اسم العبار الطريق الى الكركرات كعنوان لهذا الفيلم، لما يحمله من حمولة ثقافية في العبور والترحال والتلاقح، حمولة معبرة عن الروابط والعلاقات والوشائج العميقة وعن صلة الوصل والرحم، كما يعبر إنسانيا واجتماعيا عن المسير بين الشعوب والأمم مسيرا سلميا وغنيا على كل المستويات، ويعبر أيضا عن إصرار وعن إرادة العبور.

وفي الختام يجسد هذا العمل الوثائقي إعادة لتشكيل الذاكرة الوطنية وإغناء للخزانة الوطنية وتشجيعا على التوجه الإبداعي، كما يشكل توثيقا مهنيا موضوعيا وصفا للواقع المعيش عبر معبر الكركرات ولطبيعة الإنسان الحساني الصحراوي المغربي، ودفاعا عن توجهات المملكة، وترافعا عن فتح معبر الكركرات وصدا لأفكار قطاع الطرق والتطرف، التي تجسدها وتغذيها سلوكات ميليشيات البوليساريو.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى