وطنية

العلم الوطني خط أحمر

الرباط اليوم

بقلم سعيد بعزيز

في خضم الحديث عن تفهم المواطنات والمواطنين لبساطة الإمكانيات والقدرات التي تتوفر عليها البلاد، وحكمة القرارات المتخذة لتفادي تفشي جائحة فيروس كورنا ـ كوفيد 19، وانخراطهم التام بكل مسؤولية في سياق تلاحم وطني، واستعادة ثقتهم في المؤسسات، وتأكيدهم على عدم الانسياق حاليا في مناقشة سوء تدبير ومعالجة بعض القضايا من قبل الحكومة، وتأجيلها إلى ما بعد الأزمة، بهدف إعطاء القضية حجمها الحقيقي، وكل الخطوات التي ساهمت في التخفيف من حدة الأزمة المترتبة على هذه الجائحة، فتح نقاش حول ملف المغاربة العالقين بالخارج، واختلف فيه العالقون، اختلافا محمودا، بين الانتقادات الموجهة للحكومة بشأن فشل السياسة المتبعة في معالجة قضيتهم العادلة، وبين المناشدات بإيجاد حل عاجل، لكن الكل متفق أن الاختلالات التي تعرفها المنظومة الصحية ببلادنا، وسيادة التخوف من عدم القدرة على استيعاب العدد المتزايد من المصابين، سبب رئيسي ومشروع لتعليق السفر من وإلى أرض الوطن، لأن المصلحة العليا للبلاد فوق كل اعتبار، دون أدنى تنكر للوطن من قبلهم.


فجأة، يتداول على نطاق واسع يوم السبت 18 أبريل 2020 شريط يوثق لشخص يتمتع بكل الحقوق والحريات، وبموجب استفادته منها، يحمل جواز سفر مغربي، يمنح له حق التنقل خارج التراب الوطني والعودة إليه، ليعمد بكل وقاحة، وسوء أخلاق وانعدام الضمير والحس الوطني، إلى إضرام النار في العلم الوطني في غرفة فندق بإسطنبول في تركيا، الذي تؤدي مصاريفه الدولة المغربية، محاولا تعكير صفوة وتلاحم وتضامن المواطنات والمواطنين داخل وخارج أرض الوطن، في خطوة مشابهة لما وقع يوم السبت 26 أكتوبر 2019 بالعاصمة الفرنسية باريس.


فالعلم المغربي، رمز للوطن والعزة والكرامة، وهو سند العيش المشترك والموحد فوق تراب هذه البلاد، إنه فخر الانتماء والوفاء والهوية، تلك الهوية المتميزة بتبوئ الدين الاسلامي السمح مكانة الصدارة، والحاملة لقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء.
فالمساس بالعلم الوطني، هو تحقير لرموز البلاد ولثوابتها الجامعة، وهو سلوك مدان، مهما كانت أسبابه وحيثياته، وتصرف أرعن وحقير، وفعل جرمي، يستوجب المتابعة مهما كانت الطريقة التي يهان بها، سواء بأقوال أو إشارات أو تهديدات أو إرسال أشياء أو وضعها، أو بكتابة أو رسوم غير علنية، أو بأي وسيلة أخرى، طبقا للفصل 1 – 267 من القانون الجنائي الذي يعاقب عليها بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 000. 10 إلى 000. 100 درهم، وإذا ارتكبت هذه الإهانة خلال اجتماع أو تجمع، فإن العقوبة تكون بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم، إضافة إلى إمكانية الحكم بالحرمان من ممارسة حق أو عدة حقوق من الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية.
والفعل الجرمي المرتكب خارج التراب الوطني من طرف مغربي، يمكن متابعته من أجله والحكم فيه بالمغرب، لما يعود إلى الأراضي المغربية، إذا لم يثبت أنه صدر في حقه في الخارج حكم اكتسب قوة الشيء المقضي به، أو في حالة الحكم بإدانته، أن يكون قد قضى العقوبة المحكوم بها عليه أو تقادمت أو حصل على عفو بشأنها.
هذا، دون أن نغفل أن علم المملكة في مفهومه الجنائي، مفهوم واسع، يعني شعار المملكة المنصوص عليه في الفصل 7 من الدستور “الله، الوطن، الملك”، ولواء المملكة والنشيد الوطني، المحددين بالظهير الشريف رقم 1.05.99 الصادر بتاريخ 23 نونبر 2005، المتعلق بخصوصياتهما، ورمز المملكة المحدد بالظهير الشريف رقم 1.00.284 الصادر بتاريخ 17 أكتوبر 2000، ثم أخيرا أوسمة المملكة كما تم تعريفها في الظهير الشريف رقم 1.00.218 الصادر بتاريخ 5 يونيو 2000.


والعلم الوطني، أو علم المملكة، وفق ما تنص عليه المادة الأولى من الظهير الشريف رقم 1.05.99 بتاريخ 23 نوفمبر 2005، يتعلق بخصوصيات علم المملكة وبالنشيد الوطني، هو اللواء الأحمر الذي يتوسطه نجم أخضر خماسي الفروع. ويكون اللواء من ثوب أحمر قان، غير شفاف، ومستطيل الشكل. ويكون النجم مفتوحا، لونه أخضر كسعف النخيل ويتألف من خمسة فروع مرسومة بشكل متواصل ومنسوجا في نفس الثوب بحيث يرى من جهتي اللواء. ويتجه رأس أحد الفروع إلى الأعلى. ويبلغ علو اللواء ثلثي (3/2) طول مخفقه. ويرقم النجم داخل دائرة غير ظاهرة يعادل شعاعها سدس (6/1) طول مخفق اللواء ويقع مركزها في نقطة تقاطع الخطوط القطرية غير الظاهرة لمستطيل اللواء. ويمثل عرض كل فرع من فروع النجم 20/1 من طوله.


إنه اللواء الأحمر الذي تتوسطه نجمة خضراء خماسية الفروع، كما تطرق إليه البند الأول من الفصل 7 من الدستور.


ومعلوم أن العلم لوطني، نظم قانونيا لأول مرة، بموجب ظهير شريف في تمييز الراية المغربية، الصادر بتاريخ 17 نونبر 1915، الموقع من طرف الوزير الكبير محمد بن محمد الجباص، المنشور بإذن “سانتولار”، وليس ليوطي، كما يقول بعض المؤرخين، وذلك بهدف تمييز راية البلاد عن بعض الرايات خصوصا المستعملة في الإشارات البحرية، وذلك بجعل الخاتم السليماني المخمس في وسطها باللون الأخضر، وأشرف على رسمه آنذاك المسؤول عن الشؤون المخزنية، المغربي قدور بن غبريط.


واليوم، ينبغي أن يعلم منعدمو الضمير، وأصحاب الأيادي الآثمة، أن العلم الوطني، رمز وحمولة تاريخية لبطولات الأجداد، ودماء الشهداء، الذين قدموا تضحيات جسام من أجل أن يرفرف في أرض حرة، ينعم فيها المواطنات والمواطنون بالأمن والاستقرار والسكينة، وهو الذي ينوب عنهم في الحديث بلسانهم داخل وخارج أرض الوطن، فيكفي أن يرفرف العلم الوطني في المنتديات والمحافل الدولية، ناطقا بأن المغرب حاضر.
لذلك ننحني له احتراما، ونشجب وندين ونرفض كل اعتداء أو تعسف على عزة وكرامة المواطنات والمواطنين.
وليعلم كل من تسول له نفسه الإقدام على هذه التصرفات الجبانة، أن مجرد رؤية اللواء الأحمر فوق مبنى إداري أو غيره يرفرف دون احترام توجيه رأس أحد فروع النجمة الخماسية إلى الأعلى ـ بشكل عفوي ـ، يعتبر سلوكا مستفزا وغير مقبول.


إن فشل الحكومة في تدبير ملف المغاربة العالقين بالخارج، أو العديد من القضايا والملفات الأخرى، وتصرفات العديد من المسؤولين بمختلف ربوع المملكة، لا نختلف حوله، وقد يسمح بمناقشتها في هذه الظرفية الحرجة رغم الإجماع الحاصل وطنيا على تأجيلها إلى ما بعد الأزمة، بهدف إعطاء القضية حجمها الحقيقي، لكن لا يسمح لأي كان أن يحاول إهانة العلم الوطني، أو بالأحرى إحراقه، فالدفاع عن العلم الوطني، والاعتزاز به، تجسيد فعلي للانتماء لرائحة تراب هذه البلاد الطاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى