RABATTODAYأخبارهنالرئيسية

الحور العين.. الملف المسكوت عنه، بين المفهوم القرآنى والخيال الجنسى

881196
الرباط اليوم: متابعة
لا تستطع الأنثى- أي أنثى- أن تدرك أهميتها إلا بنصرين: الأول أن تعترف لها بنات جنسها بالتفوق وهو انتصار يعنى الكثير للمرأة، أما الثاني فيتلخص فى اكتشافها الحقيقة، التحدى الذي تمثله للذكور، فها هى مسيرة أغلب الرجال منذ جرى ماء الحياة على الأرض تؤكد أن مسعاهم وصراعاتهم وربما أعمارهم أيضا فنيت من أجل هذا الكائن المحير، حبيبة أو أما أو أختا أو بنتا أو حتى جائزة نورانية فى الدار الآخرة للمتعففين فى حياتهم الدنيوية، وهذا مثار فخر لها وليس تحقيرا من شأنها، كما يفضل المعتقدون فى نظرية “استبداد المجتمع الذكورى” الذين يعتبرون معظم التفسيرات- وإن لم يكن أغلبها- امتدادا لمزاج المجتمعات التى يسيطر عليها الرجل فيبنى مجده “الذكورى” على تفسيرات توافق هواه وتنفى عن الطرف الآخر كل ميزة تعلى من شأنه فى المقابل.

والحور العين، كرمز للأنثى الكاملة منزوعة النقائص، تمثل جائزة قيمة للمؤمنين الذين يرجون الجنة ونعيمها، لكنها تظل كائنا غامضا بالنسبة للرجال بقدر ما تلهب خيالهم الدينى، وللإنصاف فصورتها هذه لا تنبع دائما من كونها مثارا للشهوة الكاملة، فليس كل من يحلم بالحور العين يكون هذا الرجل الذى جسدته الصور المشوهة للمسلم كرجل شهوانى يجمع بين أكثر من امرأة فى الدنيا وينتظر اثنتين من الحور فى الآخرة، بل فى كثير من الأحيان يمثل نموذج «الحور العين» أيقونة الجمال الرائق الذى ينشده الرجال بعيدا عن تعقيدات الحياة المادية، هذا الجمال الروحانى فى طلته الأولى، حتى إن الشاعر العربى القديم “جرير” استعان بصورة من هذا الجمال حين قال: «إن العيون التى فى طرفها حور.. قتلننا ثم لم يحيين قتلانا».. واعتبر فى هذه الكلمة التى يعدها متذوقون للشعر، من أفضل صور الغزل، أن هذا الجمال بقوته الروحية المتمثلة فى نظرة صغيرة من هذه العين «قاتل برىء» وضعيف أيضا فيقول: «يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به.. وهن أضعف خلق الله أركانا».

هذه الأبيات التي قرنت بين القتل والجمال فى ربط بديع ورقيق، يقابلها أيضا فى وقتنا الحاضر، ربط آخر بين النقيضين وإن كان فى صورة خلت من الرقة واختصمت الغزل، واعتبرت تذوق الجمال مرهونا برائحة الدماء ومنظر الرؤوس المجتزة على أيدى مجموعة من الحمقى نعرفهم باسم «داعش» يذبحون على صيحة «الله أكبر» ويقتلون الناس على نواياهم ويستعبدون النساء إرضاء للهوى، يسلبون عقول الشباب المرتبك بمنحهم صكوكا جاهزة للغفران واللذة: اقتل ولك الجنة جاهد ولك اثنتان وسبعون من الحور العين، انتصر وستكون الخلافة وعليها عرض مميز بعدد من السبايا.

«مسكينة هى المرأة.. سبية فى الدنيا.. وتنافسها الحور العين على قلب رجلها فى الآخرة».. هذه واحد من أكثر الخيالات تشاؤما فى عقول بعض الحائرات من النساء، لكن الإنصاف يستدعى أن نناقش هذا التساؤل فى إطاره الإنسانى، وليس الدينى، فكثيرة هى الروايات والتفاسير التى اختلفت حول «الجائزة» التى تنالها المرأة الصالحة فى دار البقاء، لكن الشق الإنسانى هنا يجعلنا ننتبه لأن حيرة النساء قد تكون مدفوعة بـ«الغيرة» وهى فعل بشرى طبيعى لا حرج فيه ما دام لم يتحول إلى حركة وفعل، حتى اللائى اقتنعن بأنهن «مجاهدات» يحق لهن هذا التساؤل وهذه الغيرة، ويناقش جزء من الملف الذى بين أيدينا، تلك الأفعال البشرية دون أن يكون مجبرا على تقديم إجابات جاهزة أو وعود لا يستطيع الفعل البشرى وحده أن يفى بها.

و«الحور العين» كفكرة مثالية جميلة، ترتبط فى أحد جوانبها بـ«العفة» خصوصا فى المجتمعات الفقيرة وشقيقتها المغلقة، حين يكون الزواج أمرا شاقا مع ارتفاع تكاليف الحياة فليس هناك حصن للراغب فيه إلا التعفف والانتظار، وإن لم يفز بها فإنه سيجد تعويضا مناسبا كلما تذكره حفزه على عدم التورط فى أمور أخرى يرفضها الدين والمجتمع، أو تفرض الثقافة المجتمعية على الراغبين فى الزواج الالتزام بمسار معين للارتباط يقلل من خيارات الشاب فما عليه إلا أن يرضى بما يفرضه عليه العرف حتى وإن كان ظالما، فالصبر أفضل طالما أن جائزته تنتظره فى الجنة.

لا يفوتنا عند الحديث عن مسألة «الحور العين»، التطرق للرأى الذى يعتبر أن قياس نعيم الجنة بالميزان العقلى الدنيوى يحمل فى طياته «إجحافا» لفضل الآخرة على الدنيا امتثالا للحديث الشريف «ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» وهو ما نسلم به ونقتنع، لكن أيضا جوهر الترغيب فى الجنة طبقا للعقيدة الإسلامية خاطب النعيم المادى المحسوس لدى المؤمنين بهذا الدين العظيم وحثهم على الاجتهاد والتعقل فى استهلاك النعيم الدنيوى مقابل نعيم غير منقوص بعد البعث، وألهبت الآيات القرآنية الكريمة خيال الناس بمقارنة بديعة بين ما بأيديهم اليوم من ملذات زائلة ونظيرتها المستديمة فى الجنة.

فى هذا الملف أيضا ستجد رصدا يسيرا لما يدور فى عقول بعض المسلمين حول الحور العين ووصفهن، والفتاوى التى تُطلب أو تصدر عن مسائل دقيقة تخص «اللؤلؤ المكنون» كما وصفهن القرآن الكريم، بعض الفتاوى حالفها الحظ بأن اعترف أصحابها بقلة معلوماتهم عن المسألة، والبعض الآخر أصاب حد الشطط بالخوض فى تفاصيل غيبية لا يعلم مدى صحتها إلا الله، ولم تستطع إقناع السائلين، ستجد أيضا نقاشا محتدما من النساء حول «حقيقة» الحور العين وعلة وجودهن، بعضها ربما سمعته من قبل والبعض الآخر قد يكون صادما «قليلا».. لكن اطمئن فالأمر لم يصل بعد إلى حد الهرطقة.

بمعنى أو بآخر.. هذا الملف أيضا يقع تحت معايير «الفعل الإنسانى» وبالتالى فهو خاضع للصواب والخطأ، وليس من أهدافه أن يقدم لك إجابات أو صورا أو تفسيرات لأمور ملأت تفسيراتها كتبا تنوء بها كواهل الفكر الإسلامى منذ نشأته، كما أنه لا يسعى لأن يغير أيا من قناعاتك أو معتقداتك، فقط محاولة للفهم وحركة حول المفاهيم من جوانبها المختلفة، وكذلك يفتح بابا صغيرا للأفكار لكى تخرج فى مسارات آمنة بدلا من أن تبحث لها عن سبيل آخر يكون فى الغالب كفرا أو تطرفا أو حتى فى أكثر التوقعات تفاؤلا إحباطا وحيرة.. ليس مطلوبا منك أن تتبنى وجهة نظر معينة بقدر ما يقدح خيالك إذا كنت من «الحائرين»، ويطالبك بالتدبر والتفكر وربما الاتعاظ إذا كنت غير ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى