مجتمع

“البلغة والشربيل” نعال تقليدية مغربية يلبسها الفقير والأمير

الرباط اليوم

يُروى أن شاعرا عشق امرأة، وأقسم أن يفرش لها الأرض ذهبا إن قبلت الزواج منه. وحتى يفي بقسمه، أفتاه أحد الشيوخ بأن يصنع لها نعلا نسائيا (شربيل) مُطرزاً بخيوط ذهبية، وهكذا تتمكن حبيبته من أن تمشي على الذهب.

ويقال إن الشربيل المطرز بخيوط الذهب (ويسميه المغاربة شربيل الصقلي أو الصم الحر) أصبح منذ ذاك الحين نعل العرائس. ويقابل “الشربيل” للنساء: “البلغة” أو”البابوش” للرجال، وهي نعال مغربية تقليدية عريقة، يعتقد أنها الأقدم في شمال أفريقيا، وهي مكون رئيس في اللباس التقليدي المغربي.

نعال المناسبات

وقد حافظ المغاربة على استعمال البلغة والشربيل في مختلف المناسبات، إذ لا يكتمل رونق اللباس التقليدي المغربي من دونهما.

يقول إبراهيم هلال (37 عاما) تاجر إكسسوارات الصناعة التقليدية بالمدينة العتيقة للعاصمة الرباط -للجزيرة نت- إن الإقبال على كل ما يتعلق باللباس التقليدي يرتفع في كل المناسبات والأعياد، وفي الصيف الذي يمتاز بالاحتفالات والأعراس.PUBLICITÉ

ويلبس البلغةَ (التي يعتقد أن تسميتها جاءت من أنها تمكن صاحبها من بلوغ المكان المراد) الأمراءُ والسفراء والعامة، وتحضر في المحافل الرسمية كجزء من الهوية، وتنطلق صناعتها من دار دباغة الجلود، لتمر على أمهر الحرفيين المغاربة، وتصنع من جلد الأبقار أو الأغنام بحرفية متوارثة في صناع مدينة فاس تحديدا ومراكش.

أما الشربيل فكان في البدء نعال نساء القصور، ويقول إبراهيم هلال إن الموروث التقليدي كله خرج من دار المخزن (أي القصر) ومن لباس الأمراء والأميرات، ويضيف أن اللباس التقليدي في وقت من الأوقات كان يلبسه علية القوم، وكانت البلغة والجلباب اللباس الرسمي.

أصول بعيدة

كان الشربيل يحاك بخيوط الذهب (الصقلي الحر)، وانتشر تدريجيا في صفوف النساء الثريات، ثم انتقل إلى الطبقة المتوسطة، قبل أن يصبح فيما بعد في متناول جميع النساء من كل الفئات الاجتماعية.

وقد كتب المؤرخ المغربي الراحل عبد الهادي التازي في أحد مؤلفاته عن العادات الشعبية، أن أصل الشربيل أندلسي مأخوذ من كلمة “serilla”.

بينما تذهب روايات أخرى للقول إن كلمة الشربيل تعود إلى الأصل التركي، وقد استعملت للدلالة على الأحذية الجلدية السوداء التي لا كعب لها مما كانت تلبسه النساء المسلمات داخل البيوت في القسطنطينية، وتحولت من شبريلا أصلها الأول إلى شبريل ثم إلى شربيل.

بينما يربط مؤرخون كلا من البلغة والشربيل بتطور النعل في شمال أفريقيا من أصوله الأمازيغية واليهودية الأولى، ويستدلون على ذلك باستعمال نعال خاصة متينة مثل “التامك” الذي يشبه “البوت” الحالي، وهو مصنوع كاملا من الجلد وكان يستعمله المحاربون قديما.

أنواع متعددة

ورغم بساطتها، تتعدد أنواع كل من البلغة والشربيل لتساير مختلف أنماط الحياة الاجتماعية والمعيشية، ولتساير الموضة والحياة العصرية أيضا. يقول محمد الفاتح (50 عاما) -وهو أحد باعة البلغة والشربيل في “سوق السباط” للإكسسوارات التقليدية والجلدية في المدينة العتيقة بالرباط- “في كل موسم تحضر شرابيل خاصة بالعروس بالصقلي الذهبي والفضي، وأخرى للشابات مطرزة بالحرير”.

ويضيف محمد أن أرقى الشرابيل هي المطرزة بالصم الحر، وأغلى بلغة هي “الزيوانية” وتسمى أيضا الملكية.https://23b0df8f29dc2d4394bf16229d2301a4.safeframe.googlesyndication.com/safeframe/1-0-38/html/container.html

وتكون البلغة غالبا أحادية اللون، وأشهرها الصفراء ذات المقدمة الحادة، وهي المسماة بـ”الفاسية”، وتوجد اليوم في الأسواق بمختلف الألوان، وتصنف على أنها نعل حضاري كان يلبسه أعيان المدن وتصلح للمشاوير القريبة، ومن ضمنها أيضا البَلْغَة الزِيوَانِيَّة، التي تحمل طابعا يؤشر على جودتها، وتفرش بالمخمل وجلدها ناعم ويمكن طيها.

وهناك البلغة المحدودبة المقدمة، المعروفة بالأمازيغية أو إيدوكان، ولها خلفية ترفع كالحذاء، وتصنع من جلد متين، وهذا النوع استعمله أهل الجبال والأرياف نظرا لوعورة التضاريس، ومنها “الفطحا” التي انتعلها الصناع والحرفيون قبل الحذاء.

وتقدم الأسواق المغربية عرضا متنوعا من الشرابيل بمختلف الخامات (جلد، حرير، وبر) وبزخرفات متنوعة ومتجددة مع كل موسم. وغالبا ما يتم اختيار الشربيل حسب الاستعمال، إذ يلبس الشربيل العادي البسيط مع الجلباب للمشاوير اليومية، وشربيل الحرير الخالص مع القفطان للأعياد والمناسبات، والشربيل المطرز بالذهبي والفضي مع “التكشيطة” للأفراح والأعراس.

كما لا تزهد في الشربيل عروس، ويدخل ضمن الهدايا الرئيسية التي تكون في “دفوع” الزفاف (هدايا العريس لعروسه التي تقدم في طقس خاص يميز العرس المغربي).

موضة عالمية

ويضيف بن حدو -في حديثه للجزيرة نت- أن البلغة الرجالية والنسائية لم تأخذ حقها تقنيا رغم استعمالاتها الكثيرة، معتبرا أنها يمكن أن تصبح أكثر راحة وعملية ومواكبة للعصر الذي نعيش فيه.

وتعرف البلغة والشربيل انتشارا في العالم، وتصلح للاستعمال الخارجي وداخل المنازل، وتزحف على الموضة واللباس العصري، حيث يقبل عليها الشباب رفقة الجينز والسروال القصير. وتستعمل الشابات الشربيل غير المطرز رفقة اللباس غير الرسمي أحيانا مرفقا بخلخال بسيط.

وكانت مجلة الموضة “فرويندين” الألمانية، صنفت الشربيل المغربي، على عرش موضة الأحذية النسائية لصيف 2020.

وقالت إنه يمنح الأقدام تهوية جيدة وإحساسا بالراحة، وأن “الشربيل المغربي” أو البابوش، يزهو بألوان وتطريزات جذابة، ويتناغم مع الجينز والتنورة والفستان أيضا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى