سياسة

الإلترات المغربية تزيح الأحزاب عن عرش السياسة

تحول كبير تعيشه الإلترات في المغرب، فقد شاهدنا يوم السبت الماضي كيف خلق “إلترا وينرز” و”إلترا إيغلز” الحدث وهم يحولان أنظار الكاميرات من المستطيل الأخضر نحو المدرجات بفضل الفرجة التي صنعاها وتنافسا في إنتاجها خلال ديربي العرب بين الرجاء والوداد.

لوحات فنية تنوعت مصادرها وتعددت رسائلها بشعارات وأناشيد نقلت الظاهرة الاحتجاجية إلى رحاب الملاعب وحولت جماهير الكرة المستديرة إلى قوة اجتماعية ضاغطة يحسب لها ألف حساب.

ولم تكن جماهير الكرة لتصل إلى هذه المكانة لولا هذه الجماعات المشجعة التي يطلق عليها “الإلترات” والتي خلقت منذ ظهورها في سنوات التسعينيات زخما جديدا في علاقة الجماهير بكرة القدم.

الأصول الإيطالية
Curva piscina anni 80

كانت سنوات التسعينيات تشهد عزوفا غير مسبوق من جماهير كرة القدم عن مدرجات الملاعب. فالنتائج المخيبة التي يحصدها المنتخب الوطني وتراجع مستوى الأندية جعلا الجماهير تغير اهتماماتها في انتظار ظهور الأفضل.

وكان الأفضل هو ظهور “إلترات” أو روابط المحبين والمشجعين التي لم تعد مجرد جمعيات أو تجمعات لتزيين الجموع العامة للأندية وإنما جماعات منظمة ومنفتحة على التجارب الأوربية وتضم بين صفوفها شبابا موهوبين يطمحون إلى تغيير صورة ونمط تشجيع كرة القدم.

لم يعد الأمر مقتصرا على تلك الصورة النمطية الرتيبة التي يظهر فيها بعض المتفرجين حاملين أعلاما ويدقون طبلا أو طبولا بينما تعزف إيقاعات الفرق الشعبية والأهازيج الفلكلورية. فالعولمة التي دخلها المغرب مرغما في التسعينيات ستزود رجال المدرجات بأدوات وأساليب وألوان جديدة.

من التيفو إلى الكراكاج، أصبحت مدرجات الكرة منصات للفرجة الحقيقية التي يزور البعض الملاعب لرؤيتها أكثر من متابعته للمباريات.

كان الجمهور الكروي قد انفتح في التسعينيات على متابعة البطولة الإيطالية ومن هناك جاءت الإلهامات الأولى. فبدأت روابط الإلترات تتناسل في الأندية المغربية في تقليد واضح للظاهرة الإيطالية، مستوردة حتى التسميات الأجنبية التي تحملها.

وظل “التيفو” الذي يعتبر أهم لحظات تعبير “الإلترات” محافظا على التسمية الإيطالية الأصلية. لكن هذا التأثر الثقافي لم يعن انغماسا كليا فسرعان ما ستحاول الإلترات تبييئ الظاهرة في الثقافة والانشغالات الوطنية. وهنا ستخرج المدرجات من الركود والرتابة التي سكنتها لعقود ويصبح للتشجيع الكروي معناه الجديد.

الغرين بويز والوينرز
ultras green boys vs winners

رغم أن رياحها هبت منذ التسعينيات إلا أن التأسيس الرسمي لمجموعات الإلترات سيبدأ في يونيو 2005 عندما رأت إلترا “الغرين بويز” الرجاوية النور.

وبعد التأسيس ببضعة أسابيع دشنت هذه المجموعة أولى عروضها في الرابع والعشرين من شهر شتنبر 2005، عندما أنجزت ما يعرف باسم ” الدخلة ” في مباراة من مباريات دوري أبطال إفريقيا، والتي كانت تجمع وقتها فريق الرجاء الرياضي، بفريق النجم الساحلي التونسي.

وخلال هذه المباراة صنعت “الغرين بويز” لحظات احتفال جميلة من خلال “كراكاج” كبير بشهب إصطناعية خضراء منحت “للفيراج” الرجاوي جمالية صفق لها الجميع.

وبفضل “الغرين بويز”، وبعده فصيل إلترا الإيكلز، وصل جمهور الرجاء إلى الرتبة 13 عالميا، والأولى عربيا وإفريقيا.

كما تمكنت الكرين بويز من فرض اسمها في التصنيف العالمي للإلترات حيث احتلت المركز 9 عالميا.

يشهد لإلترا الغرين بويز أنها نجحت، مقارنة مع فصيل ” الإيكلز” الذي تخصص المنتمون له في رسم الكاليغرافات التي تزين التيفو. وهو الفصيل الذي يعتبر ثاني فصيل رجاوي في الفيراج الجنوبي. والذي تم تأسيسه في الرابع و العشرين من شهر نونبر2006. حيث كان ظهوره الأول بمناسبة مشاركة فريق الرجاء الرياضي في دوري النتيفي الودي. والذي عرف مشاركة فرق الراسينغ البيضاوي، والمغرب التطواني والعين الإماراتي.

وتعتبر الإيغلز أول إلترا تتوفر على مجموعتها الغنائية الخاصة، والتي تقدم أناشيدها خلال مباريات الرجاء. وهي المجموعة التي يطلق عليها “كروبو أكويلي”.

ولا تكتمل صورة الإلترات في الدار البيضاء دون تفاعل الخصم التاريخي. ففريق الوداد البيضاوي يمتلك

إلترات صوتها عالي وشعاراتها طنانة، واجتهاداتها مشهودة. “الوينرز” أو الفائزون الذين يعتبرون أنفسهم أبناء وأحفاد الوداديين الذين كانوا يقاومون المستعمر الفرنسي.

تأسست إلترا “الوينرز” من طرف شبان يشجعون فريق الوداد، وجلهم شبان يتحدرون من مدينة الدار البيضاء.

حدث هذا صيف 2005 حينما تقرر إطلاق اسم الوينرز على المجموعة. كما تم اختيار شعارها من خلال “لوغو” يرمز للفدائيين، تعبيرا على أن الوداد هي فريق الفدائيين. وهو مقتبس من فكرة رجل فدائي فلسطيني.

انبتقت فكرة التأسيس في صيف 2005 . لكن تأسيسها الرسمي لم يتم إلايوم الأحد 13 نونبر 2005 وكان بمناسبة مباراة في كرة القدم جمعت فريق الوداد الرياضي بفريق جمعية سلا.

ومنذ هذا التاريخ نجحت الوينرز في تقديم الدعم والمساندة لفريق الوداد الرياضي من خلال الحضور في كل المباريات التي يلعبها الفريق في الدار البيضاء، قبل أن يتم تطوير حضورها حيث بدأت ترافق فريقها في كل المباريات بما فيها تلك التي يجريها خارج ميدانه.

كانت أول خطوة أقدمت عليها الوينرز، هي تسويق منتوج قميص يحمل إشهار الإلترا. ثم تسجيل قرص مجموعة من الأغاني.

ويحسب لهذه المجموعة أنها ظلت تعتمد في مشاريعها سواء تعلق الأمر بالتيفوات التي يتم رفعها أو بالسفريات التي ترافق خلالها الفريق خارج مدينة الدار البيضاء، على مساهمة أعضائها، الذين قاموا في بعض المناسبات بمبادرات ذات بعد اجتماعي.

يقول فصيل الوينرز إن كلمة الوداد تعني لهم الحب الذي يجب الدفاع عنه. فهي شرف للمجموعة وشغف بها. ومن هذه العاطفة، ولد شعار الإلترا والذي هو “معا إلى الأبد”.

كما تتوفر كل مجموعة من مجموعات الوينرز المنتشرة في الدار البيضاء على ما يعرف بـ”الباش” وهو القماش الذي يعلق على مدرج فريميجة، وآخر يعلق في مدرجات الملاعب التي توجد خارج الدار البيضاء. وكلاهما يجب الحفاظ عليه. ففي عالم الإلترات، من فقد “الباش” الخاص به يعد خاسرا، ويتوجب عليه الانسحاب فكأنما فقد شرفه.

بعد الإيغلز والوينرز ستنتشر الإلترات في مختلف الأندية المغربية لتخلق منافسة قوية وسباقا نحو الهيمنة على المدرجات.

في الجيش الملكي، ظهر إلترا عسكري، وفي المغرب الفاسي تأسست إلترا “فاتال تيغرز”.

وفي المغرب التطواني تأسست إلترا “سيمبري بالوما” وفي النادي القنيطري توجد إلترا حلالة بويز.

وفي اتحاد طنجة ظهرت إلترا “هيركوليس” التي خلقت الحدث هذا العام بنشيدها الاحتجاجي.

الإلترات..أبواق الاحتجاج

إن أظهر تأثيرات الإلترات في السنوات الأخيرة تتمثل في خلق نمط احتجاجي جديد من خلال الأناشيد الثورية والغاضبة.

في شهر أكتوبر الماضي فجرت إلترا اتحاد طنجة المعروفة ب”هيركوليس” المدرجات بأغنية قوية ومفعمة بالرسائل السياسية. ‫أغنية “هادي بلاد الحكرة ودموعنا فيها سالو” لخصت جماهير الإلترا مطالب الشباب ولحنت جروحهم وأحلامهم بالاستيقاظ على مغرب أفضل وأكثر عدالة وكرامة. كلماتها المؤثرة جعلت هذه الأغنية تحظى بمتابعة قياسية على شبكات التواصل الاجتماعي وتحصد تفاعلا كبيرا من الجماهير.

كانت هذه الأغنية الجديدة في مستوى الأغنية الاحتجاجية الأشهر التي أطلقتها إلترات كرة القدم وهي أغنية “فبلادي ظلموني” لإلترات الرجاء البيضاوي.

نفس احتجاجي حزين، وعرض بسيط وشعبي للمطالب، وتفاعل صادق مع مشاعر المسحوقين، كل هذه المعاني كرستها أغنية فبلادي ظلموني التي جابت العالم وتحولت إلى شعار لساحات الاحتجاج، حيث رددها الثوار في تونس ومصر والجزائر وغيرها.

لم يعد التنافس بين الإلترات مقصورا على الدخلات أو “التيفوات” أو الكراكاجات وإنما فتح المجال أمام إبداع القصائد العامية المؤثرة، وتمرير الرسائل السياسية القومية والوطنية.

ففي استقباله قبل أسابيع لنادي القدس، عزفت جماهير الرجاء أغنية تقاسمها كل الشعب الفلسطيني بعنوان “فلسطين يا الحبيبة”. وأعادت هذه الأغنية ربط الجماهير بالقضايا العربية والإسلامية. وهو ما يعني أن ظاهرة الإلترات لم تعد فقط مجلبة للعنف ومظاهر الشغب ولكنها تمتلك وعيا سياسيا غير مسبوق.

القاموس الخاص

لا تمتلك الإلترات الوعي السياسي فقط، بل أيضا لها قاموسها الخاص الذي يدور غالبا حول كلمات فرنسية تم تعريبها لتتلاءم مع العامية، فثمة “الفيراج”، وهو جهة المدرجات التي يختارها كل طرف بداخل الملعب.

ففي ملعب المركب الرياضي محمد الخامس بالدار البيضاء مثلا، هناك “المكانة” وهي المكان المخصص لجمهور فريق الرجاء الرياضي. وهناك ” فريميجية” وهو الجناح المخصص لجمهور فريق الوداد الرياضي في الجهة المقابلة.

وثمة الدخلة التي تعني لحظة رفع “التيفو” وبرسائله ورسوماته. وثمة “الكراكاج”، وهو يعني درجة الاحتفال وعدد الشهب الإصطناعية التي يتم إشعالها خلال مباراة واحدة.

وثمة أيضا ما يصطلح عليه بـ”الكورتيج” وهو يعني انتقال الجماهير من مدينة لأخرى لتشجيع فريقها، حيث تختار المشي على الأقدام إلى حيث يوجد ملعب المباراة وهي تغني وتردد أناشيد فريقها. وكثيرا ما وقع اصطدام هذه الجماهير بجماهير الفريق المحلي وتندلع أحداث الشغب.

الشغب..عقيدة أم تهمة

لا شك أن نشأة الإلترات بأوربا ارتبطت بالتطرف. فاللفظ اللاتيني أصلا يفيد المبالغة والزيادة في الشيء، ولم تسلم إلترات الأندية المغربية في بداياتها من ممارسة هذا الانحراف الذي بلغ أوجه مرات عديدة أدت إلى سقوط ضحايا من الجماهير الأبرياء.

كان ذلك ما حدث فيما عرف بالخميس الأسود 11 أبريل 2013 حينما نزلت جماهير فريق الجيش الملكي إلى وسط مدينة الدار البيضاء لتمارس شغبها قبل أن تنتقل إلى ملعب المباراة حيث كان الفريق سينازل فريق الرجاء الرياضي.

في هذا اليوم الذي سيكون له ما بعده أدت أعمال إلى تكسير زجاج ثماني قاطرات للتروماي وسبع حافلات للنقل العمومي و”13″ سيارة إلى جانب تكسير واجهات”15″ محلا تجاريا ما دفع قوات الأمن إلى التدخل من أجل تهدئة الوضع واستتباب الأمن وعودة الهدوء.

وتشكل أحداث الشغب، والتي تصل حد الاعتداء على رجال الأمن واقتحام أرضية الملعب، العنوان الأبرز في كثير من المناسبات الكروية.

وكثيرا ما تقف الإلترات في قفص الاتهام عندما يتعلق الأمر بالعنف المنظم، مثلما حدث مع إلترا عسكري في الدار البيضاء. كما أن هذه الروابط كثيرا ما تتهم بالانسياق وراء غضب الجماهير ومشاعرها بدل تهدئتها وتوجيهها نحو صوت العقل. وهذا ما يؤدي بها في كثير من المناسبات إلى تبني المطالب والشعارات الجماهيرية الجارفة دون تفكير.

ولا بد من الاعتراف أولا أن اقتحام ثقافة “الإلترات” ملاعب الكرة كان واحدا من بين أسباب أخرى ساهمت في تنامي الشغب في الملاعب.

لقد ولدت هذه الثقافة في ملاعب أوربا لكي تجعل من الجمهور فاعلا أساسيا في المدرجات من خلال اللافتات التي يتم رفعها، والشعارات التي يتم إعدادها لكل مباراة على حدة. وهي خطوة كشفت عن جملة من الصور الجميلة في الملاعب خصوصا قبيل انطلاق أشواط المباراة فيما يمكن أن نصفه بالتنشيط الأولي.

غير أن هذه الثقافة، التي لا تعترف بالتنظيم ولا تؤمن بالتسيير، سرعان ما حولها البعض إلى وسيلة لممارسة العنف والشغب في المدرجات، وانتقلت من رفع الشعارات ورسم “التيفوات”، إلى التخطيط للاعتداء على جمهور الفريق الآخر بطرق منظمة.

والحصيلة هي هؤلاء الضحايا الذين سقطوا في المدرجات بضربة طائشة من جمهور ظل يترك المباراة وأهدافها ومراوغات اللاعبين خلف ظهره لكي يتفرغ للضرب والتنكيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى