سياسة

الإدريسي “يطلق النار” على بنكيران لهذا السبب

عبد الصمد الإدريسي*

على مسؤوليتي..
المؤتمر الوطني الاستثنائي.. فرحة لم تكتمل..
كثُر الحديث خلال اليومين الأخيرين حول مخرجات المؤتمر الوطني الاستثنائي لحزب العدالة التنمية.
وهو أمر جميل ومستحسن يدل على الحيوية التي يعرفها الحزب والعافية التنظيمية وعلى الانخراط الواسع للمناضلين والمتعاطفين في المتابعة والنقاش.
ولا أخفي بالمناسبة أنني فكرت كثيرا قبل التعبير عن رأيي علنا بخصوص تلك المخرجات، مستحضرا ما أصبح يعج به الفضاء الأزرق من دخول في النوايا، واتهام لكل صاحب رأي.
لكنني خلصت إلى أن ما أنا بصدده لا حرج فيه، فقد أصبحت قضايا حزبنا شأنا عاما متاحا للجميع، ولم يعد ينفع ولا ينبغي السكوت عن إبداء النصح والنقد عند الضرورة.
وقد شهدنا خلال المرحلة الماضية كاملة خرجات متواترة على الملأ، تناقش قضايا تنظيمية داخلية وتُعرِّض بقرارات سياسية وحزبية، حتى أن البعض للأسف كان يفعل ذلك خارج كل الأطر المرجعية والقيمية، وبطرق فيها تجاوز كبير وصل حد المس بالأشخاص والنيل منهم والتعريض بهم.
وأنا طبعا لا يمكنني إلا أن أتحرى الأدب اللازم في إيصال ما يبدو لي من رأي وأفكار بكل مسؤولية؛
فخلال يومين كاملين من النقاش المحتد والتداول العلني، وعموم المؤتمرين والمؤتمرات وأعضاء المجلس الوطني يتناوبون على منصة المؤتمر للمرافعة والدفاع عن وجهات نظرهم وتقييمهم للمرحلة واستشرافهم للمستقبل، وكلهم انخراط وجدية وحماس وترقب، حضر خلالها التدافع الفكري ذي الخلفية التنظيمية، والنقاش السياسي العميق المؤطَّر بالاحترام المتبادل لوجهات النظر والآراء والأشخاص؛
ورغم ما كان من ملاحظات على خرجات وتدوينات غير معقولة قبيل المؤتمر، إلا أن الغالبية من المؤتمرين وأعضاء المجلس الوطني أجمعوا على ضرورة التجاوز وطي الصفحة كاملة، والمضي موحدين نحو إطلاق دورة إصلاحية جديدة في مسار حزب العدالة والتنمية قوامها الوحدة والنضال، للحفاظ على الأداة الحزبية مستوعِبة لكل القيادات والحساسيات.
ولم يكن هناك أي خلاف في أن مجرد النجاح في انتخاب أمين عام جديد وقيادة جديدة هو انتصار كبير للديموقراطية الداخلية للحزب ودرس رفيع وجديد من دروس العدالة والتنمية..
أما وأن يكون الأمين العام المنتخب هو الأستاذ عبد الاله بنكيران بما له من مكانة وتقدير عند عموم قيادات وأعضاء الحزب، وبعد ما وقع منذ “البلوكاج” ثم الإعفاء الملكي إلى اليوم، فقد كانت الدرس أبلغ.
لكن للأسف هذه الفرحة في تقديري لم تكتمل، وأرى ذلك من خلال خمسة مؤشرات دالة:
أولا: وأنا استحضر اليوم ما وُوجهت به مخرجات المؤتمر الوطني الثامن للحزب المنعقد في دجنبر 2017 من حديث عن تسييد رأي واحد في القيادة وإقصاء الآراء المخالفة.
وما نتج عن ذلك طيلة المرحلة المنتهية من نقاشات وتوترات تنظيمية.
ثم أقرأ على ضوء ذلك مخرجات المؤتمر الوطني الاستثنائي الحالي، والتي لا يمكن إلا التسليم بها كونها ناتجة أولا عن ممارسة حق الأمين العام في الاقتراح، ثم حق المجلس الوطني في التصويت السري.
لكنني أُقدِّر أنها كانت ستكون أفضل لو تضمنت القيادة الجديدة المنتخبة بعضا ممن عُرفوا بمخالفة آراء الأمين العام الأستاذ عبد الاله بنكيران، خصوصا أنه هو نفسه كما قال، يُفضل ضم المخالفين إلى جانبه، وطالما أعطى المثال بماضي الدكتور عبد العالي حامي الدين.
وهنا وجبت الإشارة إلى ما عبر عنه صراحة الأمين العام السابق من استعداده للانخراط في الدينامية الجديدة، عندما قال بلغة دالة بليغة أنه سيبقى جنديا في الحزب، وأيضا ما عبرت عنه قيادات تاريخية من خلال مرابطتها ومساهمتها في نجاح المؤتمر، رغم ما لحقها من تعريض وأذى، وهم كلهم أصحاب رأي ونظر له مكانته وامتداده في الحزب.
ودرءا لكل تأويل مغرض دأب عليه للأسف بعض إخواننا، لابد أن أذكر بقناعتي التي سبق لي أن عبرت عنها منذ مدة (بتاريخ 16 شتنبر) وقد كتبت حينها:
أن القيادة السياسية الحالية أقرت بمسؤوليتها على الوضعية الحالية، وتحملت المسؤولية بشيوخها وشبابها وقدمت استقالتها كاملة.
وقناعتي أنه لن يكون من المناسب أن ترجع لواجهة القيادة بغض النظر عن السن.
ثانيا: فوجئت صراحة لما عبر عنه الأخ الأمين العام، وبعد انتخابه مباشرة، من كونه قبل الانطلاق يحتاج إلى وقت لفهم واستيعاب ما جرى وما يجري، والبحث عن المقاربة الصالحة للتعامل مع الواقع الجديد على حد تعبيره.
شخصيا كنت أظن ولا أزال أن الأستاذ عبد الإله بنكيران، وخصوصا بعد اللايف (live) الشهير عشية المؤتمر، يتملك عرضا سياسيا واضحا، وله رؤية للمرحلة ولمعطيات الوضعية السياسية في العلاقة مع الفاعلين السياسيين رسميين وغير رسميين، ولكيفية التعاطي معها من الناحيتين التنظيمية والسياسية.
ولعل ما يؤكد ذلك هو كلمته سواء قبل المؤتمر أو ليلة إعلان انتخابه أمينا عاما، والتي كانت معبرة عن ذلك من خلال الرسائل السياسية الواضحة التي تضمنتها.
وهو ما جعل الطلب الذي عبر عنه لحاجته لوقت من أجل الاستيعاب أمرا مستغربا.
ثالثا: توجيه الأمين العام لأعضاء الأمانة العامة الجديدة وأعضاء المجلس الوطني للامتناع عن تقديم التصريحات السياسية، دون استحضار ما وقع في الحزب من تغيُّرات لم يُعد ممكنا معها مثل هكذا توجيهات، والتي ربما كانت صالحة في زمن حزبي جميل مضى، وأصبح جزءا من نوستالجيا العدالة والتنمية قبل زمن اللايفات، خصوصا مع ما ألفناه من خروج متكرر للقيادات وغير القيادات في مناسبات سياسية وتنظيمية عديدة للتعبير عن آراء مخالفة.
رابعا: فاجأتني أيضا دعوة الأمين العام لرئيس المجموعة النيابية للحزب إلى التريث في معارضة الحكومة، بالطريقة القوية التي ظهر بها خلال مناقشة التصريح الحكومي وقانون المالية، علما أن الحزب وبعد نتائج الانتخابات المعلنة، حدد موقعه منذ البداية في المعارضة.
وهو الموقع الذي يقتضي من ممثليه بمجلس النواب التعبير عن ذلك بالطريقة القوية التي تبرز موقفهم.
خامسا: التداخل الذي أحدثته تركيبة الأمانة العامة الجديدة بين مكتب المجلس الوطني (برلمان الحزب) مع القيادة التنفيذية، حيث تم إدماج كل أعضاء المكتب المنتخبين وبالكامل في عضوية الأمانة، رغم عدم وجود المانع القانوني.
وهنا لا يجب أن ننسى الأدوار التي قام بها المكتب طيلة المرحلة الماضية، والتي كانت تستند على دوره الرقابي المفترض الذي يجب أن يقوم به.
ومع ذلك ولو بفرحة غير مكتملة، لا يمكن إلا أن أكون متفائلا لمستقبل حزب العدالة والتنمية، لما عودنا عليه خلال كل محطاته السياسية والتنظيمية، كونه حزبا ديموقراطيا حقيقيا وحزبا إصلاحيًا مستقلا، ينبني عمله على المؤسسات والمساطر، وليس على الأشخاص والقيادات.
وهو حزب قادر على تجاوز الصعاب والعثرات، وهو ما يجعلنا جميعا متمسكين به وبالنضال والتدافع من داخله، وهدفنا هو المساهمة من أي موقع كان في أن يقوم الحزب بدوره الاصلاحي والتنموي ببلادنا.

*قيادي سابق في العدالة والتنمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى