وطنية

إسبانيا تثور ضد استرجاع مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين

الرباط اليوم
يجوز القول، دون جزم؛ إن العلاقات المغربية الإسبانية عادت أخيرا إلى درجة متدنية من البرودة والفتور، في وقت كان البلدان يستعدان لعقد الدورة الخامسة من اجتماعات اللجنة العليا المشتركة التي تأخرت مرارا عن موعدها، منذ عام 2015 لأسباب متداخلة، بعضها دفع به المغرب، وأخرى فرضها المانع أو التردد من الجانب الإسباني، كما قد يعود السبب إلى عدم توفر الظرفية الملائمة وحرص الطرفين معا على توفير أسباب النجاح لأي لقاء على مستوى رفيع بينهما؛ فما أكثر الذين يتمنون الفشل والتأزم.

ولا شك أن رجال الأعمال والمستثمرين في البلدين هم المتضررون أكثر من تأجيلات مستمرة لاجتماعات اللجنة العليا؛ وإن كانت الماكينة الاقتصادية لا تتأثر كثيرا بتقلبات السياسية ؛علما إن إسبانيا كثيرا ما فاجأت جارها الجنوبي بمواقف غريبة، أفسدت لقاءات ومواعيد وتفاهمات هامة بين مدريد والرباط. وقد يظن قائل إن المغرب تقصد هذه المرة الطلب من جارته، تأجيل الاجتماع المنتظر إلى غاية فبراير المقبل وما أظنه سيقع.

وهذا وارد ولو أن الرباط نفته نفيا دبلوماسيا مهذبا؛ لأنها كانت تنتظر حدثا تاريخيا غير مسبوق، تريد التفرغ له وهو اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء والأقاليم الجنوبية المستعادة من إسبانيا عام 1975. وهو تطور لا يمكن أن يسرا لدوائر الإسبانية؛ بل ولو وجدت مدريد السبيل إلى إدارة الرئيس “ترامب” لأفسدته وقاومته بذرائع شتى.

وليس تحاملا على إسبانيا، إن عاتبها المغرب وأعاد إلى ذاكرتها أنها ضيعت فرصة ذهبية لن تعوض في الحاضر ولا المستقبل القريب؛ لما ما طلت، إن لم يكن تواطأت مع القوى المناوئة للمغرب، للحيلولة دون طي ملف الصحراء بكيفية هادئة وسلسة باعتبارها القوة الحامية.

كانت تمسك بكل الأوراق وتملك كل الحقائق والمعطيات والدلائل والخرائط السرية، على أن الصحراء جزء لا يتجزأ من المغرب، محسوبة ضمن مستعمراتها في إفريقيا. على دراية تامة بما كان يتحرك تحت وفوق رمال الصحراء، من كائنات ودواب وحشرات وحتى أنواع الأفاعي والزواحف.

أحصت تعداد ما أصبحت تسميه “شعبا صحراويا” وكانت تعتبره مجرد مجموعات من البدو الرحل، يتنقلون أحرارا في فضاء الصحراء المترامية الأطراف؛ حثا عن الكلأ والمرعى وأسباب العيش والأمان في الواحات يأوون إلى الأراضي المغربية لأنها امتداد طبيعي لهم، يتعاملون بعملتها ويخضعون لحكام سلاطينها ويدعون لهم في صلواتهم تحت خيامهم. يتصاهرون ويرتبطون بالتجارة وشتى أنواع التعامل.

تلك الأوراق أهلت إسبانيا، وخاصة بعد رحيل فرانكو، للتخلص من إرث استعماري ثقيل، مثلما فعلت الثورة البرتغالية التي أطاحت بأقسى أنظمة الاستبداد، فغادرت المستعمرات الإفريقية بنصيحة من الراحل الكبير الرئيس ماريو سواريش.

انصرف الثوار إلى بناء الداخل. كان بإمكان زعماء الثورة البرتغالية أن يبيعوا أو يفوتوا المستعمرات الغنية بالنفط إلى قوى استعمارية أجنبية، لكنهم اختاروا دعم الثوار الأفارقة الذين حاربوهم من اجل الاستقلال.

إسبانيا، ضيعت صفقة القرون مع المغرب. وفوتت على منطقة المغرب العربي عوامل الاستقرار والتقدم؛ ما كان سينعكس عليها إيجابيا ويفيدها كثيرا.

احتاطت مدريد من القوة العالمية العظمى، فانتقدت قرارها على خجل خوفا من عواقب العداء مع واشنطن.

ولم تجد من سبب لرد الجميل إلى المغرب سوى التهويل من تصريحات رئيس الحكومة المغربية لأنه أثار أو أشار إلى مشكل سبتة ومليلية، من باب التمني والأمل في حله لضمان العيش المشترك مع الجارة الإيبرية. لم يطالب، سعد الدين العثماني، باسترداد الأندلس، وإنما بأجزاء هي من صميم التراب المغربي.

اتحد اليمين واليسار والوسط كالعادة، ضد المغرب، وشنوا بنوتة واحدة، حملات إعلامية غير ودية ولا حتى منصفة ومجاملة للمغرب. تصرفوا وكأن جيش “العثماني” قد جهز لطردهم من سبتة ومليلية وباقي الثغور؛ رغم تأكيد الرباط على لسان السفيرة في مدريد، أن موقف المغرب لم يطرأ عليه جديد.

ومن المصادفات أن يتزامن خروج بريطانيا النهائي من الاتحاد الأوروبي، مع إثارة مشكل الثغور المغربية المحتلة مجددا، حيث تنسى مدريد، أنها لم تكف عن المطالبة باسترداد صخرة جبل طارق، دون أن يعارضها المغرب أو يقايضها.

كل ما فعله الملك الراحل الحسن الثاني، أن اقترح عليهم مقاربة حضارية مستقبلية للنزاع حول جبل طارق وسبتة ومليلية . قال لهم لنضعوا المشكلين في كفتي نفس الميزان. نتفاهم أولا على توافق مفتوح، يكون مقدمة لإجراء مماثل بين لندن ومدريد. قال نتناقش في إطار خلية للتفكير بين البلدين.

لحد الآن، يرفض الأسبان الربط بين سبتة ومليلية وجبل طارق،بل لم يشيدوا يوما باقتراح الحسن الثاني كأطروحة دبلوماسية قابلة للنقاش.وهو القائل الأسبان والمغاربة محكوم عليهما بالتفاهم والتعايش، بسبب إرث التاريخ وضغط الجغرافيا.

لحد الآن، لم يريدون أن يسمعوا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى