سياسة

أيهما أصدق قولا: السفير المنصوري أم الوزير بوريطة؟

الرباط اليوم
إدريس بنيعقوب عن جريدة المساء

في الحقيقة ما عهدنا في شخصية مصطفى المنصوري إلا الإتزان والرزانة والانضباط للدولة. في المقابل تعودنا كثيرا على هفوات وزلات و”مآثم” تدبيرية خطيرة في شخصية وزير الخارجية ناصر بوريطة. الفروق بين الرجلين شاسعة وهائلة جدا.

مناسبة هذا الحديث هو الارتباك الواضح والكبير جدا في تدبير الوزير بوريطة لأزمة استدعاء السفير المغربي بالسعودية مؤخرا، بسبب ما عبر عنه السفير نفسه وهو تقرير قناة العربية ضد الصحراء المغربية. التصريح الإعلامي للسفير لم يتم تكذيبه في حينها من قبل السفير أو الخارجية. بعدها بيوم تقريبا يخرج وزير الخارجية بوريطة لنفي مسألة استدعاء السفير من الرياض للتشاور، أو لنقل للتفكير في موقف من عدة قضايا من بينها حرب اليمن وموقف الإعلام الرسمي السعودي، باعتبار قناة العربية هي رسمية من حيث مالكيها وموجهوها.

ارتباك واضح لبوريطة إن لم يكن فعل أقرب إلى تزييف الحقيقة لا أحد يعلم سره أو سببه. هل هو إقصاء للسفير من الظهور العمومي الذي تربع في هذه النازلة على مكان بوريطة تحت الأضواء؟ أم أنه فعلا هناك ضغوط سعودية وخليجية كبيرة على المغرب من أجل عدم الحديث عن وجود حادثة ديبلوماسية غير مسبوقة في علاقة البلدين؟

تصريح مصطفى المنصوري باعتباره سفيرا غير عادي، لكون الرجل تقلد مناصب سامية داخل الهرم الدستوري و السياسي للبلاد، حاصل على مؤهل علمي بدكتوراه من السوربون ومن جامعة محمد الخامس في الاقتصاد أهلته لأن يكون أستاذا باحثا جامعيا. كان مناضلا في الإتحاد الوطني لطلبة المغرب. كان الشخصية الثالثة في هرمية الدولة عندما ترأس مجلس النواب، ثم وزيرا مهما في حكومة التناوب وأيضا قائدا لحزب سياسي كبير قبل الانقلاب عليه من طرف مزوار.

شخصيته ومكانته السابقة والحالية باعتباره سفيرا لجلالة الملك حسب الدستور و القانون، تعطيه مكانة اعتبارية أكبر من بوريطة المجاز في الحقوق، و الذي أصبح بسرعة البرق كاتبا عاما ثم وزيرا لوزارة سيادية كبيرة. هنا يمكن القول أن أهم معيار لتقلد هذه الحقيبة التاريخية، هو ممارسة السياسة أو النضال الحقوقي أو النقابي أو على الأقل التمرس داخل دواليب مختلف بنيات الدولة والوساطة.

هكذا كان العرف في أغلب حالات تعيين وزراء خارجية المغرب سابقا، أمثال عبد الله ابراهيم، امحمد بوستة، عبد الكريم الخطيب، أحمد رضا اكديرة، أحمد بلافريج، عبد اللطيف الفيلالي، وغيرهم رحم الله زمانهم. و وفاء لهاته الأسماء ولنضالها من أجل المغرب، من الصعب تقبل بوريطة بينهم على رأس وزارة ذات رمزية سياسية تواجه العالم. الخارجية لا تحتاج إلى موظف ملفات سامي لتنفيذ توجهات الدولة، بل إلى سياسي محنك يتحسس أنفاس الدولة والمجتمع المغربي ليصرفها في مواقف تليق بعظمة الأمة المغربية.

بوريطة ذلك الموظف البسيط المجاز لم يمارس حياة النضال أو حياة البحث و السياسة ولا يمكنه أن يفهم بلاده جيدا، أو أن يعرف حجمها السياسي الحقيقي وقيمة المعاناة من أجلها، وربما كان أقصى ما يحلم به هو أن يأتي يوم في أواخر حياته المهنية ويعين سفيرا في أي دولة كانت، فإذا به يصبح سفيرا لبلاده في كل العالم دفعة واحدة. من الظلم أن نقلده وزارة الخارجية التي تعتبر كاسحة ألغام دولية لا يسمح لها بالخطأ حتى لا تنفجر في وجه البلاد ووجهنا جميعا.

ألغام بالجملة فجرها بوريطة في وجه المملكة المغربية العريقة، هو من زرعها وهو من فجرها. المغرب يحتاج إلى وزير خارجية يليق بتاريخه وحضارته وقيمة عباقرته عبر التاريخ. هذا التاريخ يطوقنا بفريضة مقدسة هي اختيار الكبار للمساهمة في قيادة المرحلة، حفاظا على التاريخ والتراث والذاكرة، وأيضا تخليدا لمجد الأوائل. من كذبة الولوج إلى السيداو إلى هزائم في المحاكم الأوروبية في ملف اتفاقية الصيد البحري مع اوروبا، في مواجهة أعداء الوحدة الترابية، إلى الهروب من معركة حجز شحنة الفوسفاط في دولة جنوب إفريقيا إلى تكذيب خبر استدعاء سفير الملك وليس سفير بوريطة من السعودية.

الأزمة مع السعودية كما قال السفير المنصوري نفسه للصحافة هي عابرة كسحابة بالنظر الى عمق العلاقات بين البلدين. وهي عادية جدا وسيتم احتواؤها وتجاوزها من خلال تعاقد جديد مع السعودية حول كناش الاحترام المستقبلي وحول كيفية تدبير الخلافات والاختلافات في وجهات النظر في الملفات غير المتفق بشأن طريقة تصريفها. غير أن ما يهمنا هو طريقة تدبير بوريطة لهذه الأزمة الإعلامية. بدل تأكيد حقيقة استدعاء السفير إلى المغرب كما أكد السفير نفسه، غامر من جديد في بيع الوهم للمغاربة، مكذبا ضمنيا السفير الذي كما قلنا ليس مجرد موظف عند مكاتب بوريطة بل ممثلا لصاحب الجلالة حسب القانون والعرف.

الخلاصة أنه أصبح من العبث ظهور بوريطة كل مرة لتبرير غير المبرر أو لتمرير المغالطات، لأن الأمر يتعلق بدولة بكاملها. تصريحات بوريطة هاته توحي بوجود ضعف في الدولة المغربية. سلوكاته التواصلية تعطي الفرصة لأي كان للاستقواء واستصغار المغرب.

الحذر ثم الحذر من لعب الهواة الفاشلين بالمغرب. المغرب لنا جميعا وهو ليس دمية لعب أطفال صغار، فلم يعد من المقبول تسفيه بوريطة لعقول وذكاء المغاربة. بوريطة أصبح حديث المقاهي و الشوارع و حديث كل مكان عن ماذا يقدمه هذا الشخص للوطن بتدبيره للعلاقات الدولية المغربية، سوى سخرية غير مسبوقة وفشل تواصلي ديبلوماسي.

ومع ذلك لا بأس من أن نعيد طرح السؤال العمومي مجددا، لعله يسمعنا، من كان أصدق قولا مع مغاربة و مع جيل العهد الجديد، جيل الألفية الجديدة، من قدم الحقيقة الدولية كما هي بشجاعة وأمانة ومسؤولية بشأن الأزمة مع السعودية، السفير مصطفى المنصوري أم الوزير بوريطة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى