RABATTODAYالرئيسيةثقافة وفنون

‘أوفيليا لم تمت’ لكنها حية في عاصمة النور الرباط

_80283_yy3

الرباط اليوم: متابعة

مسرحية ” أوفيليا لَمْ تَمُتْ” للكاتب والمخرج المغربي نبيل لحلو عرضت مؤخراً على مسرح محمد الخامس بمدينة الرباط وحققت نجاحاً لافتاً.

كُتب النص في العام 1968 بالفرنسية، وتُرجم إلى العربية في العام 1974 وقدم عدة مرات آخرها هذا العام، وبين العامين 1968 و2016 أكثر من أربعة عقود وبالرغم من هذا بقيَّ النصُ حيّاً .

تناوب على تمثيله العديد من الممثلين الموهوبين كأمل عيوش، جوزيان نعيم، رشيد فكاك، عباس إبراهيم، ميشيل دومولن، وأخيراً، صوفيا هادي ونادية نيازي. اختار الموسيقى يونس ميكري، وصمم اللوحات الرقمية كرم الزين، والسينوغرافيا عادل الطاهري.

أعمال متمردة

جسد لحلو في كتاباته للمسرح وللسينما -كتب جميع سيناريوهات أفلامه وأنتجها وأخرجها بنفسه- هذا الطابع الرافض، المتطلع إلى حلول مجتمعية، وفكرية تبدو في بعض الأحْيان للنقّاد والناس متمرّدة وغير واقعية.

نبيل لحلو درس السينما والمسرح بفرنسا، والجامعة الأخيرة التي درس فيها المسرح، هي جامعة الأمم للمسرح، وعمل عدة سنوات في المسرح الجامعي المغربي. وظهرت تأثيرات المسرح العالمي على مسرحياته، كمسرح العبث والمسرح الملحمي البريختي.

ونجد على سبيل المثال في مسرحياته السابقة أصداء هذه التأثيرات، كما في “سقراط” التي نقل فيها محاكاة كوميدية لما يدور في كواليس صنع الأفلام المغربية. و”مذكرات غوغل”، التي سخر فيها من الفكر المتخلف. ومسرحية “تشخ مخ الإمبراطور”، التي تناول فيها أوضاع الحكم المتعسف في بلدان المشرق، “شريشماتوري”، و”السلاحف”.

وكذلك في عدد من أفلامه التي كتب سيناريوهاتها وأنتجها، وأخرجها بنفسه، كـ”ليلة القتل”، “إبراهيم ياش”، “الحاكم العام لجزيرة شاكر باكر بن”، “نهيق الروح”، و”القنفوذي”، وجميعها أعمال متمرّدة على المألوف في السينما المغربية.

أحداث المسرحية

“أوفيليا لَمْ تَمُتْ” لا تنتمي للوقت الحاضر بأحداثها، لكنها في الوقت ذاته تتحدث عن الحاضر من خلال منولوجات ممثلين مثليين (Homosexuality) أديا أدواراً لهاملت وأوفيليا (أدت صوفيا هادي ونادية نيازي دوريهما).

ووجدا سعادتيهما في تمثيل دوريهما في الحياة كمشلولين للتعبير عن رفضهما للمجتمع، الذي ينعتانه بالجبن والخسة والمداهنة من خلال تبادل ديالوجات مفعمة بالمرارة. حمل النص مضامين كثيرة، وتناول كل ما مرَّ على الناس من هزائم، وعنف، خلال الأربعين سنة الماضية.

النص حمل أيضاً أصداء جيل الغضب في أميركا، الذي بدأ بالشعر في خمسينات القرن الماضي، ومثّله غريغوري كورسو، جاك كيرواك، وألن غينسبرغ، وتأثّر بأفكاره كتّاب الرواية والمسرح. الديالوجات التي دارت بين الممثلتين كشفت مدى وضاعة الصامتين عما يدور حولهم من جرائم باسم الحق والعدالة والنظام. والكثير ممّا دار من الكلام حمل رموزاً وإشارات وتلميحات إلى ما نعيشه وما ينبغي أن نرفضه.

والنص إدانة لكل ما نعيشه، إدانة صريحة لفهمنا للعيش الآمن، وتواطئنا مع الشر بصمتنا، الصمت جريمة كبرى -حسب جدالهما- لأنه يصنع الطغاة، ويديم الحياة الوضيعة في المجتمع. والنص قدم وجبة فكرية كاملة لمن يود أن يعرف كيف يعيش حراً في مجتمع حر.

استخدام الأيقونات

تناول النص المسرحي شخصيّتين مسرحيّتين للشاعر الانكليزي وليام شكسبير، من خلال ممثلين لأدوار مسرحياته، ومن يتتبع تأثير ماكبث كشخصية تأريخية يعرف أهمية الكتابة للمسرح، فقد تحولت الشخصية من خلال دراما خيالية إلى أنموذج أدبي حيّ يمثل تراجيديا الحياة بأطماعها وحب التسلط فيها. اضطر فيها قائد عسكري مثل ماكبث لقتل ملك أسكتلندا دنكن ليصير ملكاً مكانه.

وكتب العديد من الأدباء والشعراء عن ماكبث بالرغم من أن شكسبير لم يتناول إلا جزءاً صغيراً من الحكاية التأريخية، وبقي ماكبثه لا يشبه ماكبث الحقيقي. ولكن عبقرية النص الأدبي، جعلته أيقونة تراجيدية مثلت صراع الروح النبيلة مع أطماع الحياة.

فاستلهم بتهوفن إحدى مقطوعاته الموسيقية من لقاء ماكبث بالساحرات الثلاث اللائي تنبأن له وصاحبه بانكو بما سيكون مستقبلهما.

وأبدع جاستين كورزيل في فيلمه ماكبث من خلال تمثيل فاسبيندر، وماريون كوتّيار لقطات إنسانية قلَّ مثيلها في تأريخ السينما. ونتذكر ما كتبه الروائي كازانتزاكيس عن مشاعر الندم لدى ماكبث في يومياته (الطريق إلى غريكو) مُلقياً بظلال ندم هذه الشخصية على خائن سيدنا المسيح يهوذا الإسخريوطي.

وتكررت شخصية ماكبث أيضاً في شعر إليوت وعزرا باوند، ولدى شعراء عرب مثل عبدالمنعم رمضان وعبدالكريم كاصد وغيرهم. أما أوفيليا، فهي الأخرى أيقونة للشاعرية والجنون، والحب الخالص، والموت المتمرد أكثر من كونها شخصية مسرحية اخترعها شكسبير، في مسرحيته هاملت. أوفيليا مجّدها شعراء وروائيون ورسامون، كمخلوق حيّ لا كشخصية مسرحية خيالية.

وجدناها نابضة بالحياة في قصائد لأرثور رامبو، ملارميه، وفرناندو بيسوا، ولدى شعراء عرب كعبدالوهاب البياتي، بلند الحيدري، د.حسن طلب، د. عبدالمعطي حجازي، فاروق شوشة، أدونيس، نزار قباني، نوري الجراح، أديب كمال الدين وغيرهم. وكذلك وجدناها متألقة المحيا ترفل بالجمال، والبراءة في لوحات لرسامين كبار، كجون وليام ووترهاوس، أوديلون ريدون، وجون ميليه.

نجحت مسرحية “أوفيليا لَمْ تَمُتْ” في العام 2016 كما نجحتْ في أول عرض لها قبل أكثر من أربعين سنة، وجاء نجاحُها لسببين الأول أن نصها حكي عن المَسْكُوتِ عنه في حياتنا بكلام مُبَاح فضحَ الكثيرَ من رموز فسادِنا، السّياسّية وتطرّفنا الدينيّ، والاجتماعيّ، والثاني لأداء ممثلتيها البارعتين صوفيا هادي ونادية نيازي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى