وطنية

أوراز: كلفة عدم تقنين الكيف مرتفعة جدا

الرباط اليوم: متابعة

بعيدا عن النقاش السياسي، كيف تنظر إلى مشروع تقنين القنب الهندي من وجهة نظر اقتصادية؟

كل نشاط اقتصادي أو تجاري يمارسه البشر جيلا بعد جيل تأتي من ورائه فوائد اقتصادية للجميع أو لأقلية ما. لكن في بعض الأحيان تكون بعض الأنشطة مضرة ولهذا يتم حظرها حماية للمجتمع وأفراده، وفي منظوري هذا لا ينطبق على إنتاج وبيع القنب الهندي، لأننا لا يمكن أن ننكر الواقع أو نغطي الشمس بالغربال، فهذا المنتج يستهلك من طرف كثيرين وليس هذا جديدا في المجتمع المغربي، بل هي مسألة قديمة جدا لكن المنع هو الجديد.

وإذا لم يتمكن المنع من القضاء على هذه الظاهرة كل هذه العقود فلن يمكن القضاء عليها أبدا، إن المنع لم يقض على استهلاك الكحول مثلا في الولايات المتحدة بين 1920 و1933، بل انتشرت الطرق السرية للإنتاج والبيع، وظهرت في أعقابها شبكة قوية تنشط في هذه التجارة، وأصبحت لوبيات مؤثرة ولها نفوذ على بعض مؤسسات الدولة.

وفي قضية الحشيش والمخدرات أيضا حدث هذا، وفي العديد من الدول الغربية خصوصا، أصبحت القناعة أن الحظر ليس حلا، وبالتالي مرت للتحرير والسماح بالاستهلاك وفق قواعد وكميات معينة وفي أماكن معينة.

لا يمكن أن ننكر أن تجارة القنب الهندي ومشتقاته تدر ملايير الدولارات سنويا، وهي نشاط اقتصادي هائل، وأظن أن قوانين المنع فشلت في القضاء على إنتاجه وتسويقه ليس محليا فقط ولكن على مستوى عالمي.

ما هي الفرص التي يتيحها التقنين؟ وماذا يمكن أن يربح الاقتصاد المغربي؟

من خلال التقنين الذي قيل الآن أنه يستهدف أساسا الاستعمالات الطبية، سيندمج المغرب في السوق الدولية لإنتاج القنب الهندي المرخص له، لأن هناك دولا أخرى قننت الإنتاج وتسمح باستعمالاته الطبية أو حتى بالاستهلاك بالنسبة للأفراد وفق معايير محددة. وهذا سيخرج جزءا من هذا النشاط للضوء، وسيجعله نشاطا قانونيا وسيوقف الحرب على الفلاحين والموزعين والذين ينخرطون في السلسلة الإنتاجية في ظل وضعية غير قانونية.

وكل نشاط اقتصادي يتم تقنينه، لا بد أن الدولة ستستفيد منه، أولا من العائدات الضريبية لممارسة ذلك النشاط، وإذا تطورت الصناعات الصيدلية فذلك أيضا مهم من الناحية الاقتصادية لأنه سيخلق فرص عمل، وإذا تحول المغرب للتصدير فسيكون القنب الهندي موردا للعملة الصعبة، وهذا أيضا مهم جدا.

لكني شخصيا لست ممن يعتقدون أن هذا النشاط سيكون له تأثير عصا موسى بالنسبة للاقتصاد المغربي، ستكون له مساهمة ولكن محدودة، إذ لا يجب أن نبالغ في الآمال، فلا دولة حولها القنب الهندي من الفقر إلى الثراء، فهذا ربما يصدق على بعض الأفراد لكن ليس على الدول.

بمنطق الربح والخسارة، ما هي كلفة التقنين وعدم التقنين؟

هناك الآن أربعة أصناف من الدول هي: الدول التي يعتبر فيها النشاط قانونيا، وتلك التي يعتبر فيها غير قانوني ولكن غير مجرم، وتلك التي يعتبر فيها غير قانوني ولكن في كثير من الأحيان لا تنفذ العقوبات أو الملاحقات، وتلك التي يعتبر فيها هذا النشاط غير قانوني بتاتا. أظن أن المغرب كان ينتمي إلى الفئة الثالثة، وهو الآن يستعد للقفز إلى الفئة الأولى والتي توجه هذا المنتج للاستهلاكات الطبية أساسا وبعضها للتحويل إلى الاستهلاك الترفيهي كما يسمى، وهذه اللائحة تضم اليوم 44 دولة على مستوى العالم، منها دول متقدمة مثل ألمانيا وفنلندا وإيطاليا والدنمارك والمملكة المتحدة والبرتغال، إلى جانب دول فقيرة مثل زامبيا وزيمبابوي ولبنان والأورغواي.

لقد جربت الدول الحرب على المخدرات بكل أنواعها وعلى إنتاج القنب الهندي، لكن بعض الخبراء يقولون إن كلفة تلك الحرب الصامتة مرتفعة جدا، وبعضهم يدعو إلى التحرير والسماح بالإنتاج والاستهلاك لإخراج هذه القطاعات إلى النور ومحاولة تقنينها والتعامل بعديا مع أية نتائج غير مُرضية لاستهلاكها، أما مطاردة الساحرات من خلال توظيف آلاف رجال إنفاذ القانون والمحاكم والموظفين العموميين سنويا في هذه الحرب فهذا يجعل كلفتها غير قابلة للتحمل.

إن دعاة التحرير ينطلقون من مبدأ أن الفرد حر في استهلاك ما يشاء إن كان لا يضر بالآخرين، ولا يمكن بالتالي الزج بجيش من آلاف الموظفين في حرب خاسرة مسبقا، لأن عقودا من هذه الحرب لم تؤت أكلها، بل صنعت أباطرة يكونون أحيانا فوق سلطة القانون ويفلتون من عقابه. لقد فشلت مقاربة المنع في قضية الكحول وفشلت أيضا في قضية الحشيش وأظن أن الأمر سينتهي بتقنين الاستهلاك الترفيهي أيضا وليس الطبي فقط، على المستوى المغربي كما على المستوى العالمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى