RABATTODAYالرئيسيةسـلا اليوم

أزمة النقل بين الرباط وسلا.. معاناة المواطن لا تنتهي

transportrabat_872078956

الرباط اليوم: عبد الجليل بودربالة
وأنت مقيم بمدينة سلا وخاصة بقرية أولاد موسى وكتبت أقدار الله أن تشتغل بالرباط، فإن ذلك يعني أنك موظف عمومي من السادسة صباحا إلى العاشرة ليلا في رحلة الذهاب والجيئة إلى ومن الرباط، وإذا حاولت استغلال البدائل المتاحة واقعيا على الأقل فقد ينتهي بك الأمر بمخافر الشرطة، وذلكم مختصر القصة ومبتدؤها والله وحده يعلم منتهاها.

أولا: الوقائع
بحكم التزاماتي المهنية في سلك الوظيفة العمومية، اضطررت للعمل لساعة إضافية، ولم أغادر مقر العمل المشرف على حي القامرة إلا بعد صلاة العصر، ومن القامرة إلى باب الأحد استقليت حافلة تفوح فيها رائحة العرق الطيبة رغم برودة الجو وعدد اللصوص أكبر من عدد الركاب الحقيقيين مكرها لا بطلا، ومن باب الأحد حاولت مجددا ارتياد الحافلة رقم 2 الرابطة بين الرباط والقرية بسلا إلا أنني لم أذهل لسابق علمي بالأمر بكون عدد المنتظرين يوازي سكان دولة قطر وعدد الحافلات المخصصة للحط لا يتجاوز 15 في أحسن الأحول، لأضطر للترجل ميمما جهة ساحة باب شالة لأستقل سيارة أجرة كبيرة فوجدت كدأبه الطابور المخصص للكائنات التي قد يعدونها يوما بشرية بالقرية مستقيما بداية ليتقوس وسطا فينعرج أخيرا مشكل أكبر محفل انتظار من نوعه بالساحة، وسيارات الأجرة مترامية في كل مكان دون أن يأبه سائقوها للأمر وكأن سكان القرية كائنات مسرطنة أو مصابة بالتهاب فيروسي يخشى على المار بقربه.
وأمام مواعيدي المرتبة لما تبقى من اليوم، وجدتني أنسحب في صمت صاحبه حوار داخلي يتكرر من مخ كل قروي إلى قلبه كلما تذكرة أزمة النقل، وها إني أتوسط الترامي إلى بطانة، وهناك وجدت شابا بسيارة “داسيا” التي ازدراها رئيس الحكومة قبل أيام ينادي على من يريد الذهاب إلى القرية وخلف سياراته عشرات سيارات الأجرة ولا واحدة منها يهتف صاحبها بهوى تلك المسماة قرية، فركبت مع المنادي وكرما لكرمه منحته 10 دراهم كاملة ليخلصني من عناء يوم مضن بين ردهات المحكمة وفضاءات الوزارة وشطحات أرباب النقلن وما إن شارفنا على دخول القرية حتى استوقف السيارة 5 عناصر من رجال الأمن وركزوا معي على العدد، ولما أمكنهم السائق من وثائقه كما طلبوا صاروا يستنطقون الجميع خول العلاقة بيننا وما إذا كان الأمر يتعلق بالنقل السري أو الخطاف وهما معا لا أذكر إني وجدت لهما مكانا ضمن المنظمة للطرق والسير عليها، وبعد أن أفرغوا السيارة من محتواه البشري مع وقف التنفيذ طلبوا منا بطائقتنا الوطنية فمكناهم منها أربعتنا فيما منحهم الخامس بطاقته المهنية التي تبين لي من التطلع إليها كونها عالية الهمة ومما نبس به أنه موظف بوزارة الداخلية أو بالقصر الملكي، وبعد تشاور بين الأطراف الأمنية المرابطة منح الشخص إياه بطاقته المهنية تاركينه لحال سبيله فيما اقتادونا نحن الأربعة رفقة السائق إلى مخفر الأمن عبر سيارة الشرطة “الفاركونيت” مخبرين إيانا أن هذا التوقيف يأتي في إطار محاربة النقل السري بضغط من إحدى نقابات سيارات الأجرة على السيد عامل سلا الذي وجه تعليمات صارمة لجهاز الشرطة.
ثانيا: في مخفر الشرطة
بالنظر إلى قلة عناصر الأمن بسلا عموما والقرية خصوصا كما شنفوا مسامعنا كل مرة للتملص من ضعف الأداء في مواجهة الجريمة المستفحلة على مستوى هذا التجمع، وجدتنا محاصرين بخمس عناصر أخرى من رجال الأمن بين محاربو السيوف يصول ويجولون ليوقعوا بها على أجساد الضحايا على مقربة من مقار الأمن وآخرون يجردون المتبضعين من أولهم بحرفية على مرأى من الجميع بالشوارع التجارية دون دوريات تذكر.
وبعد جولة استنطاق همت كل المصطادين جاء دوري ليحرروا لي محضرا كوني شاهدا على واقعة النقل السري فطلبت من محرر المحضر أن يبدأ من حيث استوقفوا على مستوى نقطة المراقبة وهوية عناصر الأمن وتصريحهم بتدخل النقابة وتوجيهات العامل، ثم أساسا تمتيع صاحب البطاقة المهنية -وعندي أختها ولم أدل بها- بظروف المواطنة حتى لا تطأ قدماه “لالة الفاركونيت”، كما طالبت بتضمين الوقائع كما سردتها أعلاه من حيث طول الانتظار وتكلفة النقل من القامرة إلى الرباط الأغلى من السفر من الرباط نفسها إلى البيضاء عبر الحافلة، لكن محرر المخضر كتب كلمات يحفظها كالعادة كوني شاد إثبات لمخالفة شاؤوا أو أبوا أنا جوهرها، وبعد أن قرأه على مسامعي بأمانة كوني لن أفهم خط كتابته رقضت التوقيع عليه لعدم تضمين الوقائع كما صرحت بها طبقا للمادة 24 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أن المحضر ” في مفهوم المادة السابقة هو الوثيقة التي يحررها ضابط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه ويضمنها ما عاينه أو ما تلقاه من تصريحات أو ما قام به من عمليات ترجع لاختصاصاته”، وبعدها سلموني بطاقة تعريفي رافضين أي تعديل لمسودة المحضر طالبين مني المغادرة بعد “وشوشة” بينهم في خطة ذكية للتخلص مني والانفراد بباقي الضحايا اليسيري الابتلاع.
ثالثا: ملاحظات هامة من المساق والسياق
إن الموضوع باختصار بليغ يثير ما يلي:
قبل مساءلة المواطن حول واجبه في احترام القانون وجب أولا توفير كامل حقوقه الموازية، فالدستور يضمن حرية التنقل بما يقتضيه ذلك من توفير وسائل ومكنيزمات النقل الذي خصصت له الدولة وزارة بطولها وقد قامتها مدعومة بوزارة منتدبة خاصة، دون إغفال دور الجماعات الترابية المتفرغة آنا وربما مستقبلا كما كانت قبلا للمهرجانات حيث النقل مكفول في اتجاه كل منصة وركح؛
القضية ثتير إشكالا كبيرا خول مفهوم المواطنة وظاهرة التمييز، فمجرد بطاقة مهنية أوقفت جهاز الأمن على فرض صحة تدخله، علما ان الدستور في تصديره حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان…
أن النقابة المقصودة من سياق حديث عناصر الأمن تجند كل وسائلها لمحاربة من تسميهم خطافة بينما يمتنع منتسبوها عن نقل المواطنين لحجج واهية سأفنذها بإجراءات قانونية فيما بعد مركزا على حجة صعوبة العبور إلى الرباط عبر القنطرة، فمن ينقل المواطنين إذا ولم ذوات سيارات الأجرة تقطع ذات القنطرة في اتجاه القامرة والتقدم أم أنه الشجع؟؟؟
أليست هذه النقابة وقبلها ذلك العامل ومعه تلك الشرطة مسؤولين جميعا على تنظيم مسالة النقل بإشراك الجماعات الترابية، ولن نحتاج بعدها إلى خطافين أو لصوص طريق فهم بدورهم يفضلون أن يكونوا راكبين إذا انفرجت الأزمة ليتمكنوا من تحويل سياراتهم بعد بيعها لرأسمال تجاري والبحث عن بديل؛
إن سعر النقل عبر سيارات الأجرة بالرباط وسلا بنوعيها هو الأعلى بالمغرب بالنظر قصر المسافات وتجزيئها المبالغ فيه، فسيارة أجرة كبيرة من القرية إلى القامرة تكلف 10 دراهم للشخص إن وجدتها عن مسافة 20 كلم ولن تؤدي إلا نصف المبلغ عن مسافة أكبر وفي مدينة أكثر زحمة كالبيضاء، فلوبيات هذا القطاع “تطحن” المواطنين جيئة بعد الذهاب؛
إن السيد وزير التجهيز والنقل صرح ذات سنة 2012 أمام إحدى القبتين أنه سيحل أزمة النقل بالعالم القروي بتقنين أولائك الخطافة المحاربين في المدينة الأشد أزمتها تعقيدا، فلم هذه المقاربة وماذا تحقق؟؟؟
إن عدد عناصر الأمن المعبئين لرصد مخالفات السير على مستوى سلا وحدها ليثير الدهشة في ظل استفحال الجريمة بالمدينة، فهل نقل الناس أشد جرما من الاعتداء عليهم بالضرب والجرح دون متابعة إلا لماما وبفعل تدخل أو نتيجة الصدفة؟؟؟
كوني كموظف على غرار باقي الموظفين والمواطنين عموما أعاني من التنقل واخترام الوقت في ظل تفعيل منشور السيد رئيس الحكومة حول التغيب والتأخر غير المشروعين عن العمل الذي لم تقابله إجراءات حكومية على مستوى توفير وسائل الراحة والتحفيز داخل الوظيفة العمومية، فماذا بربكم تنتظرون من موظف يغادر منزله بعد الفجر ولا يدخله بسبب 7 كيلومترات إلا وقت العشاء فلا يدري أيقدم عشاء الصلاة أم عشاء الأكل؟ وأي جيل تريدونه أن يربيه وهو يترك أبناؤه نياما وإن صادفهم بعد العشية فهم في طور التنويم؟؟؟
وختاما، إن المقاربة المعتمدة في قضية النقل والتدبير الأمني لها مقابل مكافحة الجريمة ليثير الدهشة ويطرح أعمق إشكال حول دولة المؤسسات التي يجهد عاهل المملكة نصره الله ليكرسها في حين تخضع تلك المؤسسات لهوى البعض ومنطق الأقوى لا الأحق، ولو استثمر المجهود في التربية الطرقية لنقص عدد الحوادث وما ينتج عنها من تكاليف نقل وتطبيب وتتبع ومعاناة أعف بكثير من حجم المبالغ المستخلصة عن الغرامات، وسأعود للموضوع في مناسبات أخرى أملا من السيد العامل والمسؤول الأمني ورئيس الجماعة وكاتب النقابة التضامن معنا والوقوف يوميا في طابور منتظري سيارات الأجرة بالقرية صباحا وبالرباط مساء، وعندها إعدموا كل الخطافة وأنا مستعد للضغط على الزناد.

عبد الجليل بودربالة
باحث في التدبير العمومي،
رئيس جمعية مبادرات التنمية والإشعاع الحضاري،
مستشار قانوني لدى العديد من المنظمات غير الحكومية،
منسق اللجنة التحضيرية لتأسيس مركز الدراسات والأبحاث والمرافعة في مجال حقوق الإنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى