وطنية

أزمة المراحيض العمومية بالمدن المغربية.. من المسؤول؟

الرباط اليوم

إن غياب المراحيض العمومية بالشوارع العامة بالمغرب و بمدن سوس ( تارودانت اولاد تايمة تيزنيت ..) يمكن اعتباره مشكلا عموميا يهدد بالدرجة الأولى صحة الآلاف من المواطنين لأنهم و بسبب الظروف يفرض عليهم قضاء حاجاتهم البيولوجية في الخلاء: البقع الأرضية غير المبنية، أو الأمكنة المنعزلة أو المظلمة، ويمكن أن يكون خلف الأسوار والجدران والأشجار، والسيارات والشاحنات والحافلات، و هو ما يساهم في نقل الأمراض والأوبئة التي قد تصيبهم من جراء التعفنات الناتجة عن قلة النظافة.

و بالإضافة الى ما أسلفنا ذكره، يهدد هذا المشكل بالدرجة الثانية البيئة، و المآتر التاريخية، فهذه الأخيرة أضحت مرحاضا عاما كبيرا مفتوحا أمام العموم و لنا في صور مدينة تارودانت الذي بناه السعديون المثال في ذلك، إذن فالخطر يتهدد الصحة أولا و البيئة فالمآثر التاريخية ثالثا و معها السياحة الوطنية، و هو ما يستدعي إذن تدخل السلطة العمومية أولا بتوفير مرافق صحية بالعدد الكافي ثم سن قوانين تعاقب على قضاء الحاجة في الشارع العام.

فلا يعقل أن تعاقب الدولة من قضى حاجته في الشارع دون أن توفر له مكانا لقضائها، لان الحاجات البيولوجية للإنسان لا يمكن التحكم فيها و قد يحتاج الانسان لتلبية حاجته في إي وقت.

هل يستدعي الامر تدخل الدولة ؟

لا يمكن ان يعتبر المشكل ‘عموميا’ إلا بعد تميزه بعدة محددات تجعله يرتدي هذه الجبة، فلا يمكن أن نعتبر صعوبات تواجه فرد معينا مشكلا عمومي لأنه لا يرقى الى مستوى يستدعي تدخل السلطات العمومية، و من بين أهم هذه المحددات: أن يهم المشكل عددا كبيرا من الأفراد، و كلما زاد عددهم زادت إمكانية تدخل صانعي القرار بإدخاله في أجنداتهم و التدخل في إطار سياسة عمومية.

و في هذا الصدد فإن غياب المرافق الصحية العمومية يعتبر في نظرنا مشكل عمومي لأنه يهدد سلامة و صحة العديد من المواطنين، فقضاء الحاجات البيولوجية في الخلاء يسبب العديد من الأمراض و التعفنات لمن قام بها جهة، كما أن تراكمها بجنبات المركبات السكنية و المرافق العمومية قد يسبب أمراضا و أعراضا للساكنة من جهة أخرى.

الوضعية الحالية للمشكل:

لازال هذا المشكل في دائرة الظلمات، و لم يسلط عليه الضوء بالشكل الكافي من طرف المجتمع و لا من طرف السلطات الحكومية، لينتقل لدائرة الضوء لتقوم هذه الأخيرة بإدراجه في أجندتها و تتخذ الإجراءات اللازمة.

و خروج المشكل من دائرة الظلمات للنور يستدعي وجود مجموعة من الديناميات تجعله يصبح موضوع سياسة عمومية، و منها التعبئة مثلا، من خلال تعبئة الشارع و التحسيس بالخطر الذي يتهدد الساكنة جراء انتشار الفضلات في الأماكن العامة مما قد يسفر عن أشكل إحتجاجية من وقفات و مسيرات، و قد تكون التعبئة عبر وسائل الإعلام إي التسويق الإعلامي للمشكل، بالإضافة للعديد من الديناميات التي قد تخرج المشكل لدائرة الضوء و هو ما قد يسرع بإدراجه في الأجندات الحكومية و بالتالي حلحلته بشكل أو بآخر.

هذه الحلول، قد تكون من خلال التركيز على الفاعل،الذي لن يكون تدخله اعتباطيا بل لابد و أن يكون نابع من مرجعيات معينة، بمعنى آخر، رغبة السلطة في التدخل من عدمه عدم ستكون له أسباب و دوافع خاصة، و هنا نذكر بأن هناك مقترح قانون تقدم فريق بمجلس المستشارين في هذا الصدد و بقي حبيس الرفوف.

و من خلال التركيز على الحلول، فهذه الأخيرة ستنصب على توفير مرافق صحية للمواطنين لقضاء حاجاتهم، ستكون وفق تصميم يحفظ كرامة المواطن و لا تتعارض مع القيم التي تحكم المجتمع المغربي، من حيث الشكل و طريقة الاستعمال.

أما من خلال التركيز على المشكل، فهنا المشكل عمومي لأنه يستدعي تدخل السلطة العمومية، و هل هو جدير بسياسة عمومية أم لا فهذا يبقى رهينا بمنظور الأجندة المؤسساتية له.

الفاعلون الذين يمكن أن يتدخلوا لحل المشكل:

بما أن السياسة العمومية ليس مجرد فعل بل مجموعة من الفاعلين، فهذا يستدعي الاشارة لطبيعة الفعل و بعد ذلك العلاقة بين الفاعلين.

فالفعل إذن هو سياسة هدفها الحد من إنتشار ظاهرة قضاء الحاجات في الفضاءات العامة و ذلك بإنشاء مرافق صحية بجل مدن المملكة للحفاظ على صحة المواطنين أولا و البيئة ثانيا، و قد تٌعقد شراكات مع القطاع الخاص لتدبيرها لان الدولة و الجماعات الترابية أثبتت فشلها في تسيير العديد من المرافق، هذا دون إغفال ضرورة سن قوانين تعاقب على ممارسة هذه الحاجيات في الأماكن العامة.

فالهدف هو الحفاظ على صحة المواطنين و معها الحفاظ على البيئة و كذا المآثر التاريخية التي أصبحت مراحيض كبيرة مفتوحة أمام العموم،

و يمكن ان نلخص الفاعلين فيما يلي:

· السلطة التنفيذية و بالضبط وزارة الداخلية: من خلال:

بناء مرافق صحية (ممثلة في الجماعات الترابية)

إحداث دوريات لشرطة البيئة

مشاريع قوانين في هذا الشأن

· القطاع الخاص:

إمكانية تفويت تسيير هذه المرافق للخواص من خلال عقود التدبير المفوض.

إذن فالفاعلون أعلاه سيعملون في إطار منظومة تجمعم علاقة تفاعلية فيما بينهم لايجاد حل لهذا المشكل، إن توافقوا على أنه مشكل عمومي من منظورهم جميعا. و هؤلاء الفاعلون لا يشتغلون إعتباطيا بل بثأثير من محيطهم الداخلي و الخارجي، هذا الاخير يتمثل في المواطنين المطالبين بهذا المرفق.و بالتالي فهذه المنطومة ككل تتغدى من محيطها و تنتج سياسات بناءا على ما يثار حولها من مشاكل عمومية.

قد يبدو للبعض أن هذا الموضوع مثير للضحك أو الإستهزاء، لمنه عكس ذلك، جدير بالمتابعة و الإهتمام و من الضروري إيجاد حلول لهذه المعضلة، و ما تخصيص ”المرحاض’ بيوم عالمي ( 19 نونبر ) لدليل على مدى حيوية هذه المرافق و أهميتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى